الانقسام السياسي يتعمق.. مشاكل الماضي تعيد ليبيا إلى زمن الفوضى

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على التوترات في ليبيا بين البرلمان الشرقي المدعوم من اللواء الانقلابي خليفة حفتر وحكومة طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وقال الكاتب التركي “أُفُق نجاد تاشتشي”: هناك العديد من القضايا الساخنة التي تشغل الأجندة العالمية، فمن جهة، نجد الإبادة الجماعية في غزة، ومن جهة أخرى، هناك الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتوتر بين إسرائيل وإيران.

بينما بقي التوتر داخل ليبيا في الظل مثل العديد من القضايا الأخرى، ومع ذلك، فإن النشاط المستمر فيها منذ بضعة أسابيع قد وصل إلى نقطة لا يمكن تجاهلها بسبب النتائج المحتملة.

في 13 أغسطس/آب، عقد مجلس النواب في طبرق المدعوم من خليفة حفتر تصويتا لإنهاء حكومة عبد الحميد الدبيبة. 

وأعلن المجلس أن حكومة أسامة حماد التي تتخذ من الشرق مركزا لها هي "الشرعية" الوحيدة حتى اختيار حكومة جديدة وشاملة.

كما صوّت مجلس النواب لصالح إعادة صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى رئيس المجلس عقيلة صالح المؤيد لخليفة حفتر.

وبهذه الخطوة، جرى سحب هذا المنصب من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي كان يتقلده حتى إجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد. 

بعد عدة أيام من هذا الإجراء زادت حدة التوترات في البلاد عندما قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إقالةَ الصديق الكبير الذي كان يرأس البنك المركزي منذ عام 2011.

قرارات متبادلة 

وأردف الكاتب: من المعروف أن الصديق الكبير لديه علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية ويُعرَفُ عن موقفه بأنّه معادٍ للدبيبة. 

وتبع هذه التطورات تعبئة للمليشيات المسلحة التابعة لخليفة حفتر حول طرابلس. 

وفي مواجهة هذا التسلسل من الأحداث، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانا يدعو إلى تجنب الخيار العسكري.

وأشار إلى اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، بالإضافة إلى الامتثال لقرارات مجلس الأمن لعام 2023، والالتزام بخارطة الطريق في منتدى الحوار السياسي الليبي.

وبينما أعلن حفتر أنه لا يقبل إقالة الكبير، قررت حكومة حماد المتمركزة في الشرق ورئيس مجلس النواب صالح وقف إنتاج النفط في البلاد.

وأشار الكاتب التركي إلى أنه يمكن حل المشاكل في ليبيا من خلال إنشاء منظمة تضم عدة أطراف بمن فيهم تركيا.

وذلك لتوفير أساس للاتفاق النهائي بشأن الدستور وإنشاء آلية أمنية لضمان أمن صناديق الاقتراع في جميع أنحاء البلاد خلال عملية الانتخابات.

حاليا يبذل عبد الفتاح غفار، الذي جرى تعيينه رئيسا للبنك المركزي بالوكالة من قبل المجلس الرئاسي، جهودا كبيرة لمنع حصول أزمة مالية في البلاد وضمان عدم تأخر الرواتب. 

وأشار المجلس الأعلى للدولة الليبية إلى الاتفاق السياسي الليبي كحل دائم لهذه المشكلة ودعا جميع الأطراف إلى الحوار.

بينما حذر رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية محمد تكالة من إجراء الانتخابات على أساس الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في 10 مارس/آذار.

والتي حصلت تحت رعاية جامعة الدول العربية بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة.

مشاكل متجذرة 

وأشار الكاتب التركي إلى التناقضات والصعوبات التي تواجه ليبيا نتيجة لعدم تنفيذ الوعود وعدم الالتزام بالاتفاقات في الماضي. 

وأوضح أن هذا التناقض بشكل خاص يكمن في الجانب الشرقي من ليبيا، حيث يحاول حفتر وصالح نقل عاصمة البلاد من طرابلس إلى سرت، على الرغم من وقف إطلاق النار الموقع عام 2020 والاتفاقات اللاحقة.

وفي نفس الوقت يحاول البرلمان المتمركز في الشرق وحفتر التغطية على فعلتهم من خلال خلق انطباع بأنهم لا ينتهكون الاتفاقات التي جرى التوصل إليها.

ولكن الحقيقة هي أن حفتر أعلن أن اتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي "غير قانونيين" في عام 2017.

والاتفاق المذكور جرى توقيعه تحت رعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، لإنهاء الصراع في البلاد.

وانبثق عن الاتفاق حكومة الوفاق، التي أعلن المجتمع الدولي الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد لليبيا.

ولفت الكاتب النظر إلى الدعم المالي الذي تلقاه حفتر من روسيا عام 2024، على الرغم من أن الدينارات الليبية التي طبعتها موسكو أُعلن أنها "غير صالحة" من قبل البنك المركزي الليبي.

باختصار، الوضع في ليبيا أكثر تعقيدا بكثير مما يبدو وهو معادلة متعددة المتغيرات، وفق الكاتب. 

وفي مجتمع يتكون من حوالي 7 ملايين نسمة وأكثر من مائة قبيلة ومئات الجماعات المسلحة الفردية، من الواضح أن حل هذه الأزمات لن يكون بالأمر السهل. 

وأشار الكاتب التركي إلى أن وجود تركيا كواحدة من القوى المحددة في البلاد قد يكون هو من يمنع حربا كان من الممكن أن تندلع في وقت سابق. 

ومع ذلك، هناك جهات دولية تحاول تفسير الدعم الذي قدمته أنقرة للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، بناءً على طلبها، على أنه لصالح بعض الأطراف من خلال إقامة علاقات غير مشروعة في الخلفية.

إجراء الانتخابات

وأضاف: لا شك في أن هناك حاجة لإجراء انتخابات عادلة ومنصفة في ليبيا، وهذا أمر ممكن فقط من خلال دستور يجرى الاتفاق عليه بشكل متبادل.

وتابع الكاتب: الجميع يعلم أن الانتخابات التي ستجرى في ظل انتشار أسلحة مليشيات حفتر في الشرق لن تسفر عن نتائج صحية. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك حقيقة أخرى تتمثل في رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، الذي ظل في منصبه لسنوات على الرغم من كل الفوضى. 

فعلاقة السايح بفرنسا هي عقبة أخرى أمام عملية انتخابية "موضوعية" محتملة، وفق تقدير الكاتب. 

ورأى أن دعوة فرنسا ومصر لإجراء انتخابات فورية قبل وقت قصير من الأحداث الحالية ترتبط ارتباطا وثيقا بهذا الأمر.

وذكر الكاتب أن انتقال تركيا إلى مناخ التطبيع في الديناميكيات الجديدة للسياسة الخارجية في السنوات القليلة الماضية يساعدها على اكتساب المزيد من النفوذ خلال الأحداث في المنطقة ومنع الأزمات بهذه الطريقة.

ومع ذلك، يجب على الجهات الأخرى أن تتعامل مع قضية ليبيا بنفس الصدق.

وعلى الرغم من أن حفتر والجماعات التي تدعمه قد اعترفوا في البداية بالسلطة السياسية التي أنشأها اتفاق الصخيرات، إلا أنهم عارضوه لاحقا للحفاظ على شرعيتهم المثيرة للجدل ونقلوا مجلس النواب من طرابلس إلى طبرق.

بمعنىً آخر، كان يجب أن تكون شرعية الطرف الذي يعلن حكومة الدبيبة غير شرعية الآن موضع تساؤل منذ فترة طويلة. 

على الرغم من السياسات المنافقة التي تمنح الشرعية غير المتناسبة للطرف الشرقي، فإن تركيا تسعى حاليا إلى إقامة أرضية حوار مع كلا الطرفين.

وبالتالي، يمكن حل المشاكل في ليبيا من خلال إنشاء منظمة تضم عدة أطراف بمن فيهم تركيا، وذلك لتوفير أساس للاتفاق النهائي بشأن الدستور وإنشاء آلية أمنية لضمان أمن صناديق الاقتراع في جميع أنحاء البلاد خلال عملية الانتخابات. 

ومع ذلك، فإن المشكلة الحقيقية في ليبيا هي أن الجهات الأخرى، خاصة مسؤولي الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا، لا ترغب حقا في الحل بل وتستفيد من بيئة الصراع.