مساومة وابتزاز.. كيف سيواجه الأردن شروط إسرائيل مقابل تمديد اتفاقية المياه؟
رغم إعلان الأردن قبل أربعة أشهر عدم توقيعه اتفاقية المياه مع إسرائيل، لكن وسائل إعلام عبرية كشفت في 4 مارس/ آذار 2024، عن مطالبة عمّان من الجانب الإسرائيلي عن طريق قنوات عدة من بينها الولايات المتحدة، بتزويد المملكة بالماء لمدة عام إضافي.
وقبل ثلاث سنوات وافقت الحكومة الإسرائيلية على مضاعفة إمدادات المياه السنوية من إسرائيل إلى الأردن من 50 مليون متر مكعب -وفقا لاتفاقية السلام بين الجانبين- إلى 100 مليون متر مكعب، لكن اتفاق الزيادة هذا سينتهي في مايو/ أيار 2024.
وبموجب معاهدة وادي عربة "اتفاقية السلام" الموقعة بين الجانبين عام 1994، تزود إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنويا من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى المملكة، مقابل سنت واحد (الدولار = 100 سنت) لكل متر مكعب.
شروط إسرائيلية
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، في 4 مارس 2024، إن الأردن طلب في الآونة الأخيرة من تل أبيب تمديد اتفاقية تزويد المياه الموقعة بين الجانبين لعام آخر، علما بأن سريانها ينتهي بعد شهرين.
ولفتت الهيئة إلى أن "إسرائيل تُجري مشاورات بهذا الخصوص، ولم ترد بعد بالإيجاب على الطلب، وذلك في ظل التوتر القائم بينهما بسبب الحرب في قطاع غزة".
وأشارت إلى أن "السلطات الإسرائيلية نقلت إلى الأردن طلبات مقابل تمديد الاتفاقية، وعلى رأسها تخفيف حدة التصريحات الصادرة عن جهات رسمية في عمّان بما يشمل وزراء ونواب برلمانيين، ضد إسرائيل، وكذلك موجة التحريض ضدها".
وأكدت الهيئة العبرية أن "إسرائيل نقلت رسالة شددت فيها على أهمية عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، وإعادة سفراء البلدين إلى عمان وتل أبيب".
وأوضحت أن "وزارة الطاقة تدرس عدم تمديد اتفاقية المياه مع الأردن، بسبب التصريحات ضد إسرائيل التي أطلقها مسؤولون في المملكة، وعلى رأسهم وزير الخارجية أيمن الصفدي في أعقاب الحرب بالقطاع".
ووفقا لهيئة البث فإنه "لم يتم بعد اتخاذ القرار النهائي بعدم تمديد الاتفاقية، والأمر يعتمد على تطور العلاقات مع الأردن وكيف سيعبّر الأردنيون في المستقبل القريب عن موقفهم تجاه (إبادة غزة)، وإذا لم يتم تمديد الاتفاقية، فستنتهي صلاحيتها هذا العام".
وفي 25 يناير 2024، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية عدم تمديد اتفاقية المياه مع الأردن، بسبب "التصريحات المناهضة" التي أطلقها مسؤولون كبار بالمملكة بينهم وزير الخارجية، بخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقررت عمّان في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عدم توقيع اتفاقية المياه مقابل الكهرباء بين إسرائيل والأردن، بعد استهداف جيش الاحتلال محيط المستشُفى الميداني الأردني في غزة وإصابة 7 من كوادره.
وقال الصفدي، إن الحكومة الأردنية لن توقع على اتفاقية المياه مقابل الكهرباء، وأن "ما من شيء يبرر الحرب، وإنها ليست دفاعا عن النفس بل عدوانا سافرا من إسرائيل، وأن الأردن سيفعل كل ما هو ضروري لمنع تهجير الفلسطينيين".
وعلق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، نفتالي بينيت، على إعلان الصفدي عدم التوقيع على اتفاقية المياه، بقوله "إذا كان الأردن يريد أن يعطش سكانه، فهذا حقهم"، مضيفا أن "إسرائيل لديها ما تحتاجه من مصادر طاقة، لكن الأردن ليس لديه ما يكفي من المياه لسكانه".
وعقب الإعلان عن وقف توقيع اتفاقية المياه بين الأردن وإسرائيل، رأى ملك الأردن عبد الله الثاني، خلال اجتماع مع مسؤولين، أن المضي قدما في مشروع "الناقل الوطني"، الذي يهدف إلى تحلية ونقل المياه من العقبة (جنوب) إلى عمان (وسط) "أولوية وطنية".
ابتزاز ومساومة
وبخصوص مدى خضوع عمّان للشروط الإسرائيلية، قال الخبير الاقتصادي الأردني، مازن مرجي، إن "موضوع المياه مرتبط في اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، بمعنى آخر أنه إذا أقدمت الأخيرة على عدم الالتزام بتزويد المياه فهذا يعني نقض الاتفاقية بين البلدين".
وأضاف مرجي لـ"الاستقلال" أن "الأردن هدد في أكثر من مناسبة بإعادة النظر في اتفاقية السلام، وهذا مطلب المواطنين الأردنيين، والنواب في البرلمان والكثير من القوى والفعاليات الشعبية".
الأمر الآخر، يوضح الخبير الاقتصادي أن "الأردن ليس بلدا غنيا في المياه وإنما من أفقر الدول في العالم، لكن في المقابل لديه ثروات مياه باطنية كبيرة جدا، تسحب إلى الأراضي السعودية من جهة، وتذهب أيضا إلى مشاريع زراعية أخرى يمكن الاستغناء عنها".
وتابع: "يمكن للأردن أيضا، أن يغيّر سياسته في قضية استقبال اللاجئين لتخفيف الطلب على المياه، لأن البلد فيه 1.3 مليون لاجئ يشكلون نحو 17 بالمئة من السكان حاليا، وبالتالي بالإمكان إعادتهم إلى بلدانهم بالطرق السلمية".
وفي الجانب الآخر، رأى مرجي أنه "ليس من حق إسرائيل أن تعترض على وقوف الحكومة الأردنية والقوى السياسية وكامل الشعب مع القضية الفلسطينية، مثل باقي الشعوب العربية، التي تقف في وجه الجرائم والإبادة التي تحصل بحق الشعب الفلسطيني".
وشدد على أن "عمّان لن تخضع للمساومة والابتزاز الإسرائيلي، لأن الحكومة لا تستطيع أن تقف ضد شعبها بشأن القضية الفلسطينية، فهذا عار لا يمكن أن يقبل به الشعب ولا الحكومة ولا الملك، لأن هذا موقف مبدئي بالنسبة للأردن".
وتساءل مرجي، قائلا: "لماذا لا توقف إسرائيل نفسها العدوان السافر على الأردن الدعائي والإعلامي والسياسي، لأن التصريحات والشائعات التي تبثها عن كون الأردن هو الدولة الفلسطينية الحقيقية، وأن العاهل الأردني عبد الله هو آخر ملك يحكم البلاد".
وأردف: "كذلك، يصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه وفريقه الذي لا يخفي رغبته في طرد وتهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية، وحديثهم أن الأردن هي البيئة المناسبة لاستقبالهم".
وفي 7 ديسمبر 2023، قال خبير المياه الأردني، دريد محاسنة، خلال حديث لموقع "بي بي سي عربي"، إن مصادر المياه في الأردن تكفي مليوني نسمة بينما يعيش في الأردن نحو 11 مليونا.
وفي عام 2020، وقعت عمّان إعلان نوايا مع أبوظبي وتل أبيب في معرض "إكسبو" بدبي، يقضي في حال تنفيذه بحصول الأردن على 200 مليون متر مكعب سنويا من المياه توفرها إسرائيل مقابل حصول الأخيرة على طاقة متجددة من الأردن.
وأوضح محاسنة أن "الهدف الرئيس من الاتفاق بالنسبة للأردن الحصول على المياه، بينما تهدف إسرائيل للحصول على الطاقة المتجددة والوصول إلى الحد المطلوب أوروبيا في مجال هذا النوع من الطاقة".
وقفة احتجاجية أمام وزارة المياه في العاصمة عمان؛ رفضا لاتفاقية الماء مقابل الطاقة.#ماء_العدو_احتلال pic.twitter.com/WvNQCLeP59
— شباب لأجل القدس - الأردن (@4jerusalem) November 15, 2023
ضغط شعبي
ويحظى الموضوع باهتمام الشارع الأردني، حيث انطلقت مسيرات حاشدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تتضامن مع الشعب الفلسطيني وتندد باتفاق المياه مع الاحتلال، ورفع المتظاهرون شعارات كثيرة، من بينها "الدم ما بصير مي، ماء العدو احتلال".
تتصاعد المطالبات في الأردن للحكومة بالامتناع عن توقيع اتفاقية الطاقة والمياه، أو ما يعرف في عمّان بصفقة "الماء مقابل الكهرباء"، مع استمرار مشاهد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف عشرات آلاف الشهداء والجرحى وأوضاعا إنسانية صعبة للغاية.
وتصدر مواقع التواصل بالأردن في نوفمبر 2023، وسم "ماء العدو احتلال"، وطالب الناشطون من خلاله بالإعلان عن عدم توقيع الاتفاقية، ردا على العدوان الذي يشنّه جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ولحفظ "أمن الأردن المائي من الارتهان في يد الاحتلال".
وفي 28 فبراير 2024، أُقيم أمام وزارة المياه الأردنية في العاصمة عمّان اعتصام دعا له "الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن"، الذي يضم أحزابا وحراكات شعبية، لمطالبة الحكومة الأردنية بعدم توقيع اتفاقية "الماء مقابل الكهرباء".
وهتف المشاركون أمام الوزارة "يا اللي بتحكي استثمار، ماء العدو استعمار، والتطبيع أكبر عار"، كما حملوا لافتات كُتب عليها "الدم ما بصير مي" و"أوقفوا اتفاقية الماء" و"ماء العدو احتلال".
وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين لموقع "الجزيرة نت" في 4 مارس 2024، إنه "لا تزال الدراسات جارية، ولن يتم طرح اتفاقية الماء قبل استكمال الدراسات التفصيلية ودراسات الجدوى والفائدة"، وهو الأمر الذي تكتفي الحكومة بالتصريح به بشكل مستمر.
واكتفى مبيضين بالقول إن "الدراسات لم تستكمل بعد"، وذلك ردا على سؤال عما إذا كانت الأحداث الحالية في غزة وسحب السفراء الذي أقدمت عليه عمّان سيؤثر على مصير هذه الاتفاقية.
المصادر
- الأردن يطلب تمديد اتفاقية المياه مع إسرائيل.. إعلام عبري: تل أبيب وضعت شرطين مقابل ذلك
- في ظل الضغط الشعبي.. ما مصير الاتفاقيات الاقتصادية بين إسرائيل والأردن؟
- الأردن يطلب تمديد اتفاقية المياه وإسرائيل تضع شروطا
- هيئة البث الإسرائيلية: عمّان طلبت تمديد اتفاقية المياه… وتل أبيب تشترط
- احتجاجات ضد “اتفاقية الماء” في الأردن.. والحكومة للجزيرة نت: الأمر قيد الدراسة