اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة بين روسيا وإيران.. ما أبرز بنودها؟
"روسيا تدرك أن الوصول إلى قوة مؤثرة في الشرق الأوسط أمر مستحيل بدون إيران"
وسط تغيرات إقليمية ودولية متسارعة، يدفع تراجع النفوذ الروسي الإيراني، البلدين نحو مرحلة جديدة في العلاقات تصل إلى التحالف الإستراتيجي.
وفي ضوء هذا التقارب الذي قد يكون مدخلا نحو علاقات إستراتيجية، يحضر مشروع ممر النقل الجنوبي العملاق بين البلدين، وفق ما ترى صحيفة إندبندنت البريطانية بنسختها التركية.
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب التركي "مايس إليزادي": إنه في 31 يوليو/تموز 2024 وبعد أيام معدودة فقط من أدائه مراسم اليمين الدستوري، استقبل الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق سيرغي شويغو في طهران.
توتر العلاقات
وكانت هذه الزيارة تشير إلى رغبة روسيا في تعزيز التعاون مع حليفها الإقليمي إيران، خاصة في ظل انصدام البلدين مع المحور الغربي.
لكن وبعد ساعات قليلة من مراسم اليمين، اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي الأسبق لرئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية.
ولاحقاً اغتيل عدد من قيادات حماس الأخرى، بالإضافة إلى قادة حزب الله الذين كانوا يعدون من المقربين لنظام طهران، مما سبب صدمة لإيران.
كما أفضت العملية العسكرية لقوى الثورة في سوريا إلى فرار رئيس النظام بشار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر، بعد 51 عاما من حكم عائلته.
وعلى إثر ذلك، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران بشكل مباشر بالمسؤولية عن سقوط حلب.
وأشار إلى أن الجنود الإيرانيين تركوا مواقعهم وفروا حيث أخرجت روسيا 4000 جندي إيراني من سوريا.
وأردف الكاتب التركي أن موسكو تسعى إلى التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة للحفاظ على وجودها في طرطوس واللاذقية، حيث تمتلك هناك قاعدتين عسكريتين، جوية وبحرية.
لكنّ روسيا تدرك أن الوصول إلى قوة مؤثرة في الشرق الأوسط والخليج بدون إيران هو أمر مستحيل.
ولذلك، وقع بوتين مع بزشكيان اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة مدتها 20 عاما، خلال زيارة الأخيرة إلى موسكو في 17 يناير.
وأظهرت وثيقة نشرها الكرملين أن معاهدة الشراكة الإستراتيجية التي وقعتها روسيا وإيران تلحظ تطوير "تعاونهما العسكري".
وأورد أحد بنود المعاهدة أن البلدين اللذين يجمعهما موقف معادٍ للغرب، يعتزمان إجراء تدريبات عسكرية "بهدف تطوير التعاون في مجالي الأمن والدفاع".
ممر النقل الجنوبي
وأضاف الكاتب التركي: شهدت الأشهر الأخيرة دعوات متكررة من شخصيات بارزة في كلا البلدين لتعزيز التعاون بين روسيا وإيران. وقد شهدت العلاقات بينهما تطورا ملحوظا على مدى العقد الماضي.
ومن ضمن هذا التطور، كان هناك تدهور في العلاقات الروسية مع الغرب وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي المقابل، زودت إيران روسيا بصواريخ وطائرات مسيرة لاستخدامها في الحرب مع أوكرانيا، وفق اتهامات غربية نفتها طهران.
كما أن البلدين شكلا تحالفا وثيقا على الساحة السورية دعما لنظام بشار الأسد بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011.
وأشار الكاتب إلى أنّ مشروع ممر النقل الجنوبي يعد القضية الرئيسة التي تدفع روسيا نحو تعزيز تقاربها مع إيران في هذه المرحلة.
فبعد بدء الحرب في أوكرانيا فبراير/شباط 2022، جرى إغلاق شبكات السكك الحديدية بين روسيا وأوروبا تماماً.
ولذلك، كانت الأرض الوحيدة التي يمكن لموسكو استخدامها للوصول إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا هي الأراضي الإيرانية.
وفي حال تمكنت روسيا من دمج خطوط السكك الحديدية مع إيران، فستتمكن من إنشاء شبكة نقل جديدة تمتد عبر الخليج وشبه الجزيرة العربية والعراق وصولا إلى باكستان والهند.
ولهذا السبب فقد ضج الإعلام الإيراني قبل فترة بالحديث عن استعداد موسكو منحَ قروض من أجل تمديد خطوط السكك الحديدية الإيرانية.
ويعد ممر زنغزور أيضا جزءا من خطوط السكك الحديدية التي يمكن أن تتحد بين روسيا وتركيا وأرمينيا، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لموسكو.
وبعد التوقيع على الاتفاقية، قال بوتين: إنها "توفر ظروفا أفضل للتعاون الثنائي في جميع المجالات"، مشددا على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية التي أوضح أن معظم المعاملات فيها تكون بعملتي البلدين.
وأشار إلى إحراز تقدم في جهود مد خط أنابيب محتمل لنقل الغاز الروسي إلى إيران رغم بعض الصعوبات.
ولفت إلى أن موسكو منفتحة على تنفيذ المزيد من المشاريع النووية على الرغم من التأخير في بناء مفاعلات نووية جديدة لإيران.
وحدة الأراضي
ولفت الكاتب التركي الانتباه إلى المادة الثالثة من اتفاقية روسيا-إيران والتي تنص على "احترام وحدة أراضي الدول".
وقد سبق أن تحدث سفير إيران في موسكو كاظم جلالي إلى صحيفة "طهران تايمز" عن أهمية هذه المادة لكلا البلدين.
ويبدو أن هذا البند جاء بناءً على طلب إيراني بدرجة أكبر من روسيا؛ نظرا للخلافات المتكررة بين موسكو وطهران بشأن الجزر في الخليج.
فقد أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استياء إيران خاصة بعد البيان الختامي لاجتماع مجلس التعاون الخليجي مع روسيا في يوليو 2023، الذي أكد أن الجزر الثلاث ( طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) التي تحتلها طهران تابعة لدولة الإمارات.
وعليه؛ فإن طهران تسعى إلى معالجة هذه الخلافات بشكل كامل من خلال الاتفاق الجديد.
وأردف الكاتب التركي أن بعض المعلقين الإيرانيين، الذين أشاروا إلى رحيل الأسد كدليل على عدم صدق روسيا، أعربوا عن أن موسكو قد تكون حليفا غير موثوق به وأنها قد تضحي بإيران من أجل مصالحها الخاصة.
وبشكل عام فإن أكثر من يرغب في التقارب مع روسيا هو الجناح المحافظ في الحكومة الإيرانية، خاصة الحرس الثوري. أما الإصلاحيون فيفضلون التعاون مع الغرب تقليديا.
وقالت وكالة "إنترفاكس" إن روسيا وإيران اتفقتا على عدم السماح باستخدام أراضي كل منهما للقيام بأفعال تهدد الجانب الآخر.
واتفق البلدان كذلك على أنه في حال "تعرضت روسيا أو إيران للعدوان فلا يجوز للطرف الآخر مساعدة المعتدي"، وفقا لإنترفاكس.
وقال بزشكيان: إن الاتفاقية تفتح فصلا جديدا مهما في العلاقات بين البلدين، بينما أوضح بوتين أن موسكو وطهران تتفقان في الكثير من وجهات النظر بشأن القضايا الدولية.