"ساعدني في غزة أساعدك مع إثيوبيا".. هكذا يتلاعب ترامب بديكتاتوره المفضل

"قضية سد النهضة لم يتبق منها الكثير للتفاوض حوله"
كان لافتا في بيان البيت الأبيض مطلع فبراير/ شباط 2025 بشأن تلقي الرئيس دونالد ترامب مكالمة من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عقب طرح فكرة مسألة تهجير الفلسطينيين، الكشف عن مناقشتهما موضوع سد النهضة الإثيوبي.
البيان الأميركي ذكر أن الرئيسين "ناقشا قضية سد النهضة الإثيوبي"، بينما أشار البيان المصري أنهما ناقشا "التعاون في مجال الأمن المائي"، دون ذكر لسد النهضة.
تقارير صحفية ربطت بين إعادة ترامب طرح ملف سد النهضة الذي عارضته مصر بسبب مخاوف بشأن إمدادات المياه المستقبلية من نهر النيل، وبين طلب الرئيس الأميركي من السيسي قبول تهجير فلسطينيي غزة إلى مصر، وألمحت لصفقة تبادل، أو أن يتحول سد النهضة لورقة ضغط على مصر.
"النهضة مقابل غزة"
ورجحت مصادر مصرية تحدثت لـ"الاستقلال" أن يكون ترامب عرض على السيسي معاودة التوسط مرة أخرى بين مصر وإثيوبيا لحل أزمة السد مع إثيوبيا، خاصة أنه أدار بالفعل مفاوضات سابقة حول الموضوع في فترته الرئاسية الأولى.
ولعب ترامب دور الوسيط في مفاوضات سد النهضة، في عامي 2019 و2020، عندما استضافت واشنطن المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، برعاية وزير الخزانة الأميركي، ولكنها فشلت في النهاية.
لكن المصادر استغربت طرح ترامب قضية السد مجددا، بعدما أصبح أمرا واقعا وانتهى بناؤه، مرجحة أن يكون الهدف هو تقديم حوافز للسيسي للقبول بتهجير فلسطينيين لمصر، مقابل تلافي مخاطر الجفاف التي تخشاها مصر لعدم وجود اتفاق مع إثيوبيا حول قواعد ملء السد.
وأجرى ترامب وساطة بين الطرفين حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، فشلت في أوائل 2020، بسبب التعسف الإثيوبي، ما دفعه للقول 23 أكتوبر/تشرين أول 2020: إن إثيوبيا انتهكت الاتفاق، وقرر قطع التمويل عنها.
قال: "توصلت إلى اتفاق معهم وبعد ذلك انتهكت إثيوبيا الاتفاق للأسف، وما كان ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك، كان خطأ كبيرا، لن يروا تلك الأموال أبداً طالما لم يلتزموا بالاتفاق، ولا يمكن لوم مصر لشعورها ببعض الاستياء".

وقد أكدت صحف إسرائيل أن ترامب ربما قايض السيسي بالفعل بملف سد النهضة مقابل التهجير.
صحيفة “معاريف” ذكرت في 4 فبراير/شباط 2025 أن ترامب قال: إن بإمكانه حل مشكلة سد النهضة الإثيوبي مقابل نقل سكان غزة لسيناء، وأنه استخدم السد كورقة الضغط مع السيسي لإقناعه بضرورة تمرير مخطط التهجير.
وأوضحت أن المكالمة الأخيرة التي أجراها ترامب مع السيسي شهدت عرضا من ترامب أنه سيساعد السيسي في إنقاذ نهر النيل من الجفاف، في حالة موافقته على خطة تهجير أهالي غزة إلى مصر.
وأضافت أن طريقة ترامب بسيطة وهي "ساعدني أساعدك"، وأنه "ألمح لصديقة المصري أن أميركا قد تنقذ مصر من جفاف النيل ولكنّ هناك ثمنا لذلك، وهو موجود في غزة".
وقد أكد السفير السوداني السابق لدى واشنطن "الخضر هارون" لصحيفة "العربي الجديد" في 5 فبراير 2025، أن نهج الصفقات والمقايضات هو إحدى سمات ترامب الذي لطالما وصف نفسه بأنه "صانع الصفقات" (Dealmaker).
لكنه لفت إلى أن "قضية سد النهضة لم يتبق منها الكثير للتفاوض حوله؛ حيث تم بالفعل الملء الخامس والأخير للسد، ولم تبق سوى المخاوف التي تتهدد السودان ومصر نتيجة عدم وجود اتفاق ملزم".
وكان قد تردد أن مبعوثين لترامب أرسلوا إشارات للقاهرة، قبل تولي الأخير الرئاسة، بشأن معاودته لعب دور في حسم وإنهاء أزمة سد النهضة عبر اتفاق مكتوب بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، بما يراعي مخاوف واحتياجات الجميع.
وأبدت صحيفة "أديس استندارد" الإثيوبية انزعاجها من أنباء أشارت إلى أن مصر تعد تقريرا شاملا حول سد النهضة لتقديمه لإدارة ترامب كي يعاود طرح مسألة سد النهضة الذي أدار مفاوضات حوله في فترة رئاسته الأولى.
واهتمت إثيوبيا بنبأ قيام مصر بإدخال تحديثات على ملف سد النهضة بالتنسيق مع السودان بهدف فتح مسار جديد ضمن التحركات الخاصة بالأزمة، عبر إدارة ترامب الجديدة، حسبما ذكرت صحيفة "العربي الجديد" 13 ديسمبر 2025.
وبحسب صحيفة أديس ستاندارد، تم توجيه وزارة الري المصرية بتحديث وثائقها بشأن الأضرار التي لحقت بمصر بسبب عمليات سد النهضة، بما في ذلك البيانات المالية لمشاريع تحلية المياه التي تمت خلال 4 سنوات للتخفيف من التأثير المتوقع للسد.
وقالت: إن الملف يلقي الضوء بشكل أكبر على مخاوف مصر بشأن تشغيل سد النهضة واحتمالاته في تقليل تدفق مياه النيل، الذي يمد البلاد بما يصل إلى 98 بالمئة من احتياجاتها من المياه، والتكاليف المالية الكبيرة التي تكبدتها مصر لمعالجة نقص المياه.
وتأتي هذه الخطوة لإشراك إدارة ترامب بعد أشهر قليلة من اعتراض مصر على استمرار إثيوبيا في ملء السد للعام الخامس على التوالي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شكوى رسمية.
وكان الخبير العسكري المصري سمير فرج، قال للتلفزيون الروسي في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024: إن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، "أحد شخصين في العالم كانا يتمنيان عدم فوز ترامب في الانتخابات"
وأرجع فرج ذلك إلى "انسحاب إثيوبيا من جلسة التوقيع النهائي على الاتفاقية الملزمة لسد النهضة في واشنطن عام 2020، بعد علمه بخسارة ترامب الانتخابات حينها وفوز جو بايدن".
نسف السد
وخلال ولايته الأولى (2027-2021) وقبل اكتمال بناء السد، قدم الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، حلا عسكريا لمصر في أكتوبر 2020، ضد سد النهضة.
قال: "سينتهي الأمر بالمصريين إلى تفجير السد، قُلتها وأقولها بصوت عالٍ وواضح: سيُفجرون هذا السد، وعليهم أن يفعلوا شيئا".
قال: "أنا قلت للمصريين كان عليكم أن توقفوا بناء سد النهضة قبل أن يبدأ بوقت طويل".
وهو ما سبب ارتباكا شديدا في مصر وانتقادات في إثيوبيا، وتصور كثير من المصريين والإثيوبيين، حينئذ أنه "ضوء أخضر" أميركي للقيام بعمل عسكري ونسف السد، الذي حجب مليارات الأمتار المكعبة من مياه النيل عن مصر.
وتبع هذا مطالبة ترامب من وزارة الخارجية تعليق ملايين الدولارات من المساعدات لإثيوبيا بسبب النزاع حول السد، ما أثار غضب الإثيوبيين الذين اتهموا الولايات المتحدة بتشجيع مصر على محاربتها، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
أيضا بدأ ترامب رئاسته الثانية بحجب التمويل عن "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ما اضطر إثيوبيا أكبر متلقّ للتبرعات من الوكالة (1.2 مليار دولار)، لتسريح جميع موظفيها والمقاولين الذين تم تمويلهم من قبل أميركا، وعددهم 5 آلاف.
وقد جري حينئذ فهم حديث ترامب عن ضرب مصر سد النهضة، على وجهين:
(الأول): أنه ربما يكون ضوءا أخضر من ترامب للسيسي بتوجيه ضربة للسد تعرقل عمله وتجبر إثيوبيا على التفاوض وقبول شروط مصر واتفاق دولي لملء السد، بعدما أغضبته إثيوبيا لعدم قبولها وساطته.
(الثاني): احتمال أن تكون مصر أبلغت أميركا سرا، أو هددت أنها تفكر في ضرب السد لكن ترامب كشف نوايا مصر، وأفشل الخطة بحديثه عن قصف القاهرة للسد الإثيوبي.
أي أن تصريح ترامب كان دعوة خادعة لإجهاض خطة مصرية أُعِدت للإضرار بسد النهضة، خاصة أن عددا من السياسيين والإعلاميين المصريين اتهموا ترامب بأنه لم يلق بكل ثقله في أزمة السد.
وانتقدوا عدم إجباره إثيوبيا على قبول الاتفاق مع مصر الذي توصل هو له، وبدا متساهلا مع أديس أبابا، بسبب دورها في دعم أميركا في الحرب ضد "شباب المجاهدين" في الصومال.
وقامت إثيوبيا بملء منفرد للسد، خمس مرات حتى الآن منذ 2021 حتى 2024، بدون اتفاق مع دولتي المصب، ما أغضب القاهرة ولكنها لم تعبر عن هذا الغضب رغم حديث المسؤولين المتكرر عن أن الملء "خط أحمر".
وشكل هذا معضلة لمصر في أعقاب الانتهاء من بناء سد النهضة العملاق وملئه بالمياه، ما جعل لها اليد العليا في قرار تدفق المياه، وحريتها في حجز ما تراه من مياه النيل، والتأثير على الزراعة والصناعة في مصر.
إسرائيل على الخط
وفيما يبدو ردا على التحركات المصرية للاستغاثة بإدارة ترامب، رغم الحديث عن ابتزازها في هذا الملف بالتهجير مقابل سد النهضة، بدأت إثيوبيا تتحالف مع إسرائيل في مجالات المياه والطاقة بما قد يشكل مزيدا من التهديد لمصر.
فقد وقعت إثيوبيا وإسرائيل في أديس أبابا في فبراير 2025، مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك في مجالات موارد المياه وتنمية الطاقة، وهو ما يراه المراقبون ردا من حكومة آبي أحمد على تحركات مصر في ملف سد النهضة والصومال.
إذ تعد أديس أبابا التحركات المصرية مع ترامب جزءا من محاولة لتقليص النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث تعمل مصر على تعزيز علاقاتها مع الصومال من خلال تقديم الدعم في محاولة للضغط على إثيوبيا فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة.

وتستهدف مذكرة التفاهم تطوير التعاون بين إثيوبيا وإسرائيل في مجالات رئيسة تشمل استكشاف واستخراج المياه الجوفية، تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي، وتنمية مشاريع الطاقة المتجددة.
وقد احتفي وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، بالاتفاقية وقال: إنها تتيح للمؤسسات الإسرائيلية فرصة مهمة للمشاركة في بناء القدرات وتبادل المعرفة مع إثيوبيا.
وأكد كوهين أن هذا التعاون سيسهم بشكل كبير في تعزيز القدرات المحلية في قطاعي المياه والطاقة في إثيوبيا، مشيرا إلى أن "إسرائيل تمتلك خبرات متقدمة في مجالات تقنيات المياه والطاقة".
ويرى مراقبون أن هذه الاتفاقية مع إسرائيل، من شأنها أن تعزز موقف إثيوبيا في مواجهة الضغوط الخارجية والمفاوضات المقبلة حول سد النهضة حال دعا ترامب لاستكمالها.
أما إسرائيل فتسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى الضغط على مصر وتوسيع نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، التي تشهد اهتماما متزايدا من القوى العالمية.