منظمة فرنسية بثوب إغاثي.. هكذا تورطت "إس أو إس" في دعم نظام الأسد

داود علي | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع انهيار نظام بشار الأسد، بدأت تتكشف خيوط عن منظمات دولية كانت تعمل تحت غطاء الأخير، مرتدية ثوب العمل التطوعي والإغاثي رغم دعمها للوحشية والعدوان على الشعب السوري.

من هذه المنظمات "SOS Chrétiens d'Orient" الفرنسية، أو “إس أو إس مسيحيي الشرق”، والتي بدأت بسحب العاملين فيها من الفرنسيين بعد انهيار النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وبحسب مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، فإن المنظمة تسحب موظفيها اليوم خشية وقوعهم في قبضة قوى الثورة السورية التي سيطرت على الحكم.

فما هي هذه المنظمة وكيف تأسست وما أهدافها ونطاق عملها وما مدى علاقتها بعائلة الأسد؟ 

الأيام الأخيرة 

تقول "إنتيليجنس أونلاين" خلال تقرير نشرته في 12 ديسمبر 2024 إن المنظمة الفرنسية غير الحكومية، كانت قريبة من الدوائر العسكرية واليمين المتطرف الفرنسي المؤيد لنظام الأسد.

وظلت على علاقة جيدة بكبار ضباط النظام، إلى أن اضطرت في النهاية لاستغلال جميع اتصالاتها الأمنية لإخراج موظفيها الفرنسيين من سوريا.

وأخلت منظمة "إس أو إس مسيحيي الشرق"، خمسة متطوعين فرنسيين لديها من حلب ودمشق إلى لبنان.

وجاء ذلك في وقت متأخر من يوم 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تزامنا مع اقتحام هيئة تحرير الشام وقوى الثورة الأخرى لحلب.

وذكرت المجلة الفرنسية أن الوضع بالنسبة للمنظمة ثبت أنه تعقد كثيرا، خاصة للموظفين المحليين التابعين لها، والبالغ عددهم حوالي 15 فردا، والمنتشرين بين حلب وحمص ودمشق، بينما تردد معظمهم في الفرار أو البقاء بالقرب من القرى المسيحية.

ويذكر أن قوى الثورة السورية المسلحة أمنت الأقليات والطوائف على حياتهم وممتلكاتهم، فور انتصارها ودخولها إلى المحافظات المحررة. 

يميني متطرف

ولإيجاد الحلول داخل سوريا للخروج من مأزق انتصار قوى الثورة، لجأ مدير عمليات "إس إو إس مسيحيي الشرق"، فرانسوا كزافييه جيكيل إلى شبكاته الخاصة والقوية في مجال الدفاع والأمن. 

وهذا الرجل عمل سابقا في حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني المتطرف (أعيدت تسميته لاحقا باسم التجمع الوطني).

وبذلك استطاع جيكيل تأمين 10 مقاعد لموظفي المنظمة وأسرهم على متن حافلة تابعة لإدارة السلامة والأمن التابعة للأمم المتحدة لمغادرة حلب.

ولكن بعد الكثير من التردد لم تغادر الحافلة المدينة قط وظل اثنان من الموظفين عالقين هناك.

أما بالنسبة للموظفين (المحليين) في دمشق وأولئك القادمين من حمص الذين شقوا طريقهم إلى العاصمة، فقد لجأوا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية التي تربطها بالمنظمة علاقات جيدة.

وأراد هؤلاء الحصول على تأشيرات لبنانية تسمح لهم باللجوء عبر الحدود، وفي النهاية لم يختر أحد هذا الحل.

وكان الأوان قد فات على أي حال، فقد سقطت دمشق واختار معظم الموظفين المحليين العودة إلى مدنهم الأصلية.

العلاقة بـ "أسماء الأسد" 

وقد أوردت "إنتيليجنس أونلاين أن المنظمة المسيحية الداعمة لنظام الأسد والقريبة من اليمين المتطرف في فرنسا، لم تفكر في أي وقت في اللجوء لقوات النظام السوري كوسيلة للإنقاذ، خاصة مع تقهقرها أمام هجمات هيئة تحرير الشام.

كما لم تلجأ إلى صندوق سوريا للتنمية برئاسة أسماء زوجة بشار الأسد، الذي رافقها في ظل النظام السابق.

وكانت المنظمة ترتبط بقوة بذلك الصندوق الذي ترأسته أسماء رسميا منذ تأسيسه في عام 2001، لكنه توقف الآن عن العمل. 

وكان الصندوق لفترة طويلة قناة لا مفر منها للمنظمات الإنسانية في سوريا، ومنها "إس أو إس مسيحيي الشرق"، وصولا إلى وكالات الأمم المتحدة على حد سواء. 

أما الآن، فقد فرت أسماء الأسد إلى موسكو مع زوجها المخلوع، فيما لم تكشف ألغاز وأسرار الوثائق والمعاملات المالية بينها وبين المنظمة الفرنسية، التي باتت تبحث عن دور جديد في ظل الوضع الحالي.

وفي مايو/أيار 2019، عين  "بنجامين بلانشار"، نائب مدير المنظمة وأحد مؤسسيها السوري فادي فرح، الذي عمل لأكثر من 8 سنوات في “صندوق سوريا للتنمية” ليشغل منصب المدير الإداري المالي في "إس أو إس"، وذلك بعد انتقاله إلى فرنسا لإكمال دراسته في جامعة السوربون.

وفي رسالة اطلع عليها موقع إنتليجنس أونلاين، أعلن المدير الإداري لصندوق سوريا للتنمية شادي الألشي إغلاق الصندوق وتعهد بالسعي لاعتماد مؤسسة جديدة تستثمر في طاقات فرقها. 

وبينما يخضع الأسد للعقوبات الأوروبية والأميركية، فقد عرض الألشي ولاءاته الجديدة كـ"سوري حر" يتطلع إلى لعب دور أساسي في جهود إعادة الإعمار.

فيما أكدت منظمة "إس أو إس" أن موظفيها والمستفيدين منها المنتمين جميعا إلى الأقليات المسيحية والعلوية في سوريا، والتي ينظر إليها تقليديا على أنها مرتبطة بسلطة الأسد، لم يتلقوا أي تهديدات، خاصة أن قوى الثورة حذرت من أي عمليات انتقامية.

داعمة للإرهاب 

وبالحديث عن عملياتها المشبوهة، خضعت “إس أو إس” عام 2022، لتحقيق أولي من المدعي العام لمكافحة الإرهاب في فرنسا على خلفية قربها من نظام الأسد.

وجرى إعلان وتسجيل منظمة "إس أو إس مسيحيي الشرق" رسميا لدى المديرية الجهوية للشرطة القضائية في باريس، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2013. 

وكان يقع مقرها الرئيس يقع بداية في 5 شارع "لاكانال" بالحي الخامس عشر من باريس، قبل أن تتوسع وتحصل على تمويلات وتبرعات كبيرة، ليتم نقل المقر إلى 16 شارع "تروداين" في الحي التاسع الأكثر رقيا. 

وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية، نشرت تقريرا في 4 يناير/ كانون الثاني 2016، عن طبيعة المساعدات التي تأتي لـ “إس أو إس”.

وقالت إنه بعد عامين من تأسيسها، حصلت الجمعية على ميزانية سنوية قدرها 3.5 ملايين يورو، وتلقت تبرعات تصل إلى 8 ملايين يورو.

وبحسب الموقع الرسمي للمنظمة، فإن "إس أو إس مسيحيي الشرق" يرأسها "تشارلز دي ماير"، ويبلغ الآن عدد أعضائها 60 ألفا، ولديها نحو 2500 موظف، ولها 4 بعثات دائمة في سوريا ومصر ولبنان والعراق، ولها نشاط في الأردن، وتدخلت من حين إلى آخر في باكستان وإثيوبيا وأوكرانيا.

وجاء تأسيس المنظمة بعد معركة "معلولا" في سبتمبر/ أيلول 2013 في سوريا، بين جيش النظام من جهة وقوات الثورة من جهة أخرى.

وقد شارك في تلك المعركة فصائل من الجيش السوري الحر، وجبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام. ومعلولا هي قرية سورية ذات أغلبية مسيحية من أصل آرامي ويعرف بعض أهلها اللغة الفرنسية.

ووفقا لصحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، سافر ناشطو المنظمة، شارل دي ماير وبنجامين بلانشار إلى سوريا "لتقديم المساعدات الغذائية، والأدوية، والألعاب".

وخلال رحلتهم الثانية في ديسمبر 2013، بمناسبة احتفالات عيد الميلاد، وبعد جلسة تصوير أثناء توزيع الألعاب في دار للأيتام، التقى بعض المتطوعين الفرنسيين بممثل "إس أو إس" في سوريا، جورج شعوي، وحاولوا الانضمام إلى قوات بشار الأسد. 

وبهذا مر بعض الناشطين اليمينيين المتطرفين عبر "إس أو إس" للوصول إلى سوريا ومحاولة الانخراط في جيش الأسد، ومن بينهم ميكائيل تاكاهاشي، الذي فشل في ذلك والتحق لاحقا بمليشيات موالية لروسيا في دونباس عام 2014.

 نشاط "إس أو إس" 

وبحسب موقع “فرانس 24”، وسعت الجمعية في 26 يناير 2020، أنشطتها عبر إرسال المتطوعين، خصوصا إلى العراق وسوريا، تحت غطاء مساعدة الأقليات المسيحية.

وتذكر المنظمة عبر موقعها أنها تدعم الحفاظ على الحياة الروحية عبر ترميم الكنائس المتضررة وتعزيز التعليم للشباب المسيحي من خلال بناء المدارس وتنظيم الأنشطة.

وفي فبراير/شباط 2017، منحت المنظمة لقب "شريك الدفاع الوطني" بموجب قرار صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية، وفقا لصحيفة "ليبيراسيون".

وشنت الصحيفة هجوما على هذا القرار الذي وصفته بالمفاجئ، وقالت إنه يثير تساؤلات حول سعي الجمعية لاكتساب الاحترام عبر إستراتيجيات التواصل مع وزارة الدفاع، رغم دورها المشبوه في سوريا بسبب دعم الأسد.

لذلك قررت وزارة الدفاع  لاحقا في عام 2020 عدم تجديد هذه الشراكة.

وبسبب النشاط المشبوه لـ "إس أو إس" تعرضت لكثير من المتاعب والعراقيل، ففي 20 يناير 2020، اختفى أربعة من موظفيها "ثلاثة فرنسيين وعراقي واحد"، في بغداد. 

وصرح مدير التواصل بالمنظمة بيير ألكسندر بوكلي، وقتها أن تفاصيل هويات المختطفين لا يمكن الكشف عنها لأسباب أمنية. 

واتضح أن المختطفين هم من مليشيا شيعية مرتبطة بمراكز نفوذ في العراق وإيران، تشككوا في نشاط ميداني واستخباراتي تنفذه "إس أو إس" لصالح فرنسا.

وفي 26 مارس/ آذار 2020، أعلنت فرنسا سحب قواتها المشاركة في عملية "شامال" من العراق، وفي اليوم التالي أفرج عن الموظفين الأربعة.