موديز تخفض نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية.. ما التداعيات؟

14924 | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

يتصاعد التوتر الاقتصادي في مصر وسط تراجع المؤشرات الاقتصادية وزيادة المخاطر، ما دفع وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني لخفض نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية" خاصة مع استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد وصعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.

وأبقت الوكالة الدولية على تصنيف مصر عند (Caa1) الذي يعني أن الالتزامات ضعيفة وتحمل المخاطر الائتمانية مرتفع جدا، مشيرة إلى أن الزيادة الكبيرة في مدفوعات الفائدة والضغوط الخارجية المتزايدة أدت إلى تعقيد عملية تكيف الاقتصاد الكلي. 

وتعاني مصر من ارتفاع مستويات الدين الأجنبي، فضلا عن تأثرها بشدة بالحرب في قطاع غزة التي تهدد بتعطيل حجوزات السياحة وواردات الغاز الطبيعي، وكذلك بالهجمات في الآونة الأخيرة على السفن في البحر الأحمر.

وتراجعت عائدات قناة السويس بالدولار بـ40 بالمئة منذ بداية عام 2024 مقارنة بعام 2023، بعد أن أدت هجمات الحوثيين في اليمن على السفن المرتبطة بإسرائيل إلى تحويل مسار إبحارها بعيدا عن هذا الممر، بحسب تصريحات لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع. 

وتزايد حجم الدين الخارجي للبلاد ليتجاوز الـ165 مليار دولار، منها نحو 29 مليار دولار مستحقة لعام 2024، وتشمل هذه القيمة سداد فوائد بلغت 6.312 مليارات دولار، وأقساط ديون تقدر بنحو 22.917 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري. 

ضعف ائتماني 

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2022 يشهد برنامج القرض المصري من صندوق النقد الدولي تعثرا نتيجة امتناع القاهرة عن تعويم عملتها بشكل حر أو إحراز تقدم في بيع أصول الدولة التي تأتي ضمن شروط الصندوق.

وتسعى مصر للحصول على هذا القرض الذي يعد بمثابة شهادة من قبل الصندوق الأممي بقدرة الدولة على السداد ما يفتح آفاق سوق الائتمان الدولي أمام مصر.   

وبحسب الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، فإن ضعف الوضع الائتماني لمصر المتعلق بالديون والأعباء الخاصة بها من فوائد وأقساط، فضلا عن حالة الإرباك للوضع المالي بسبب الديون في مصر نتيجة مخصصات أعباء الديون التي تعد صاحبة النسبة الأكبر في مخصصات الإنفاق بالنسبة للموازنة العامة للدولة هي أحد أبرز الأسباب التي قادت مصر إلى هذا النوع من النظرة السلبية الائتمانية.

وأضاف الصاوي، لـ"الاستقلال"، أن صعوبة تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي يأتي بناء على عدة مؤشرات من بينها مؤشرات مالية ونقدية والتي هي متراجعة بالأساس، هو الآخر أسهم في هذا التراجع الأخير.

ويبلغ متوسط متطلبات التمويل الخارجي لمصر نحو 20 مليار دولار في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي. 

وبلغت جملة الأقساط والفوائد موازنة 2024/2023 إلى 2,436 مليار جنيه (78.8 مليار دولار) بواقع 81.4 بالمئة من إجمالي المصروفات، و20.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، و113.7 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة. 

مؤشر الجنيه المصري.. ما تداعيات الخطوة على سوق المال؟ | سكاي نيوز عربية

بدوره، قال الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، إن هذا التخفيض لمصر من قبل موديز ليس الأول بل هو التخفيض الثالث إلا أنه جاء هذه المرة ليشمل الاقتصاد المصري ككل، مشيرا إلى أن هذه النظرة السلبية تعكس طبيعة الأزمة الحقيقية التي تمر بها البلاد.

وأضاف ذكر الله، أنه لا يوجد الآن أمام الحكومة المصرية أي حل، حتى في حال تم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي بقرض جديد فلن تستطيع الحكومة المصرية إلا فقط سداد جزء مما عليها من أقساط وفوائد عبر هذا القرض الجديد.

وأجل الصندوق صرف نحو 700 مليون دولار كانت متوقعة في 2023، لكنه قال في ديسمبر/كانون الأول الماضي إنه يجري محادثات لتوسيع برنامج الثلاثة مليارات دولار نظرا للمخاطر الاقتصادية الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة.

وتبلغ قيمة الديون الخارجية المستحقة للسداد في 2025 نحو 19.434 مليار دولار، مقسمة إلى نحو 11.155 مليار دولار خلال النصف الأول من 2025، وحوالي 8.28 مليارات دولار خلال النصف الثاني من نفس العام.

فيما ستصل قيمة الأقساط والفوائد المستحقة للسداد عام 2026، إلى 22.94 مليار دولار، مقسمة إلى 11.458 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، و11.482 مليار دولار خلال النصف الثاني من 2026.

ولفت ذكر الله إلى أن عودة التوازن لسعر الصرف واستقراره وعودة التوازن للاقتصاد الكلي وما يعانيه من أزمات على المؤشرات الكلية أصبح أمرا بعيد المنال إلى حد كبير لا سيما في ظل الفشل المتوالي للحكومة في بيع وخصخصة ما تبقى من القطاع العام.

تكاليف عالية

حال استمرار تلك الأزمات الاقتصادية يتوقع أن يتبع تلك النظرة السلبية لوكالة موديز مزيد من الخفض الائتماني لمصر خلال المراجعات القادمة، كما أن تلك النظرة السلبية في حد ذاتها تسهم في زيادة أعباء الاقتراض كونها تثير حفيظة المستثمرين في أسواق السندات الدولية.

ويتزامن ذلك مع استبعاد بنك جي.بي مورغان مصر من سلسلة مؤشراته للسندات الحكومية للأسواق الناشئة بدءا من 31 يناير/كانون الثاني 2024، ما قد يترتب عليه أيضا صعوبات كبيرة لطرح سندات جديدة في الأسواق الدولية أو داخليا بالعملة الصعبة.

ويرى الصاوي، أن تلك المعطيات التي آلت على المشهد الاقتصادي من قبل المؤسسات الدولية ستزيد من تكلفة الديون الخاصة بمصر لتصبح عالية، مشيرا إلى أن الصكوك الإسلامية الأخيرة التي حصلت عليها مصر جاءت بمعدل فائدة عند 11 بالمئة، متوقعا أن تصل الفائدة على طروحات مصر من السندات الدولية خلال الفترة القادمة بأعلى من هذا الرقم حتى في حال حصولها على القرض من صندوق النقد الدولي.

وكانت قد طرحت مصر في فبراير/شباط 2023 أول صكوك إسلامية سيادية في تاريخها بقيمة 1.5 مليار دولار، وبلغت قيمة الاكتتاب في الطرح حوالي 6.1 مليارات دولار، بمعدل تغطية أكثر من أربع مرات، وذلك نظرا لعائدها الذي يكاد أن يكون الأعلى عالميا عند 11 بالمئة.

وأشار الصاوي، إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر سوف يتحسس كثيرا عند قدومه إلى مصر في ظل تلك المؤشرات السلبية التي تعكس أداء الاقتصاد غير المستقر ما سيشعر المستثمر بأن نسبة المخاطرة في البلاد مرتفعة للغاية، وهو ما قد يهدد برنامج الخصخصة الذي تعتمد عليه الحكومة لسداد ديونها، فضلا عن تصفية بعض الشركات الموجودة بالفعل أعمالها بالبلاد كما فعلت إحدى الشركات الكويتية، ما يعني" استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر واتساع أمدها خلال الفترة القادمة".

وفي 18 يناير/ كانون الثاني 2024، قالت مجموعة الشايع الكويتية التي تمتلك امتيازات عدة علامات تجارية غربية مثل ستاربكس وإتش.آند.إم، إنها ستقلص عملياتها في مصر، وأرجعت ذلك إلى التحديات الاقتصادية التي تعيشها البلاد على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة.

من جانبه، أوضح ذكر الله، أن توالي تخفيض التصنيف الائتماني يؤدي إلى اضطرار مصر لدفع أسعار فائدة وتأمين أعلى على السندات المصرية التي يمكن أن تباع في الخارج، مشيرا إلى أن ذلك يتزامن مع إعلان وزارة المالية المصرية أنها ستلجأ إلى إصدار السندات بالعملات الأجنبية في الخارج خلال الفترة القادمة سواء لسداد الديون أو لسداد العجز في الموازنة العامة للدولة.

الحلول تتلاشى

تلك المعطيات التي جاءت عقب سياسات اقتصادية انتهجتها الحكومة خلال السنوات الماضية رغم تحذيرات الاقتصاديين المتكررة من الوقوع في تلك المشكلات، الأمر الذي أدى إلى تراكم الديون واستنزاف احتياطيات البنك المركزي وعدم القدرة على توفير العملة الصعبة اللازمة، ليصبح الوضع الاقتصادي مرهونا بالقدرة على سداد الديون والبحث عن مصادر العملات الأجنبية.

وحول الحلول اللازمة لتجنب تخفيض تصنيف مصر لدى موديز من caa1 إلى أقل من ذلك، يرى الصاوي، أنه على الحكومة العمل على ترشيد الإنفاق في الموازنة العامة للدولة وتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد المحلي وإتاحة مساحات أكبر للقطاع الخاص.

إضافة للاتجاه إلى الإنتاج بالاعتماد على مستلزمات الإنتاج المحلية والاستغناء عن الاستيراد قدر المستطاع، والعمل على تخفيض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء.

وبلغ معدل التضخم الأساسي في البلاد 34.1 بالمئة على أساس سنوي في ديسمبر/كانون الأول 2023، وفق بيانات البنك المركزي المصري، كما تجاوز سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء مستوى الـ60 جنيها، بينما لا يزال في السوق الرسمية عند مستوى الـ30 جنيها للدولار الواحد.

من جهته، قال ذكر الله، أنه مع مرور الوقت تتلاشى الحلول إلى حد كبير، مشيرا إلى أنه لا يوجد حل للاقتصاد المصري سوى العمل على تدبير ما عليه من التزامات، وأن الوثيقة التي عرضتها الحكومة هي أصعب الخيارات وأكثرها كلفة على الاقتصاد المحلي والمواطن المصري.

وكانت قد طرحت الحكومة المصرية وثيقة تحمل اسم "أبرز التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري"، والتي تعد نتاج عمل بحثي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء بمصر.

وتضم الوثيقة 8 محاور تشمل تصورا لتطوير النمو الاقتصادي ودوره في نهضة مصر، والسياسات الاقتصادية وما تهدف إليه من: دعم واستقرار للاقتصاد الكلي، ودور القطاعات الاقتصادية في قيادة النهضة، وتحقيق اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، وحياة ترقى لطموحات المصريين، إلا أن العديد من الاقتصاديين رأوا تلك الوثيقة غير مجدية.

ويرى ذكر الله، أن الحل الأيسر حالا مقارنة ببيع أصول مصر وغيرها من الأدوات التي لجأت إليها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، هو أن تعلن مصر عدم القدرة على سداد مديونيتها، ومن ثم إعادة جدولتها عبر برنامج جديد مع نادي باريس والمنظمات الدولية.