رغم دمويته.. هكذا تسعى أميركا والقاهرة لتوحيد الجيش الليبي تحت إمرة حفتر

داود علي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تعيش ليبيا منذ سنوات على إيقاع انقسام سياسي وعسكري حاد، حيث تتنازع سلطتان من أجل السيطرة على البلاد، كل منهما مدعومة بكيانات مسلحة متباينة الولاءات.

الحكومة الأولى عينها مجلس نواب طبرق مطلع 2022، ويرأسها حاليا أسامة حماد ومقرها بنغازي (شرق)، وتدير منها شرق البلاد بكامله ومعظم مدن الجنوب وتابعة للجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

والثانية حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس (غرب)، وتدير منها كامل غرب البلاد.

وسط هذه الفوضى، برزت لجنة 5+5 العسكرية كمحاولة لخلق أرضية مشتركة بين الفرقاء العسكريين، تمهيدا لتوحيد المؤسسة العسكرية.

وتشكلت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بموجب اتفاق جرى خلال مؤتمر برلين حول ليبيا الذي عقد في عام 2020. حيث تتكون من 5 أعضاء عسكريين من المؤسسة العسكرية التابعة لحكومة الدبيبة، ومثلهم من طرف حفتر. 

وتعقد هذه اللجنة منذ عام 2020 حوارات تحت رعاية الأمم المتحدة داخل ليبيا وخارجها، بهدف توحيد الجيش الليبي، وذلك تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار بين قوات الغرب والشرق الليبيين.

ونجحت  هذه اللجنة في تحقيق بعض الاختراقات الأمنية، أبرزها التوصل إلى وقف إطلاق النار في 2020، لكنها لا تزال تواجه تحديات جمة في تنفيذ مشاريع أكثر طموحا، على رأسها تشكيل قوة عسكرية موحدة قادرة على إنهاء الانقسام وضبط الأمن.

وفي هذا الملف، تلعب الجارة الشرقية مصر والولايات المتحدة أدوارا حاسمة، وإن كانت بآليات وأجندات مختلفة. 

فالقاهرة، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها التاريخي بالملف الليبي، تسعى إلى تحقيق توازن أمني وسياسي يضمن الاستقرار على حدودها الغربية.

بينما تراقب واشنطن المشهد من زاوية أخرى، حيث تنظر إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية كجزء من إستراتيجيتها لاحتواء النفوذ الروسي في المنطقة. 

هذا التداخل الإقليمي والدولي يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار العسكري الليبي، ومدى قدرة الأطراف المحلية على فرض إرادتها في مواجهة الضغوط الخارجية.

ومع استمرار الجدل حول مستقبل الجيش الليبي، يظل السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للجنة 5+5 أن تتجاوز العقبات السياسية والميدانية لبناء جيش وطني موحد؟ 

القاهرة وأفريكوم 

وفي أحدث مستجدات هذا الملف، عقدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) يوم 10 فبراير/ شباط 2025، اجتماعا في القاهرة، حيث شهدت الجلسة الافتتاحية لأعمال اللجنة مشاركة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، أن الاجتماع جاء في ظل استمرار الجهود والمساعي المصرية الداعمة للشعب الليبي وتهيئة المناخ الملائم للحوار.

فضلا عن تحقيق التوافق بين جميع الأطراف لتغليب مصلحة الدولة الليبية وشعبها، ودعم الجهود الأممية لبعثة الأمم المتحدة التي تهدف إلى استقرار وحدة الدولة الليبية.

فيما أشاد الفريق أحمد خليفة بـ "الجهود المتواصلة للأشقاء الليبيين ومحاولاتهم لتقارب وجهات النظر لتوحيد مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، والتأكيد على اتفاق وقف إطلاق النار بما يدعم ركائز الأمن والاستقرار داخل الأراضي الليبية".

وجاء اجتماع القاهرة بعد أيام قليلة من زيارة وفد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) برئاسة نائب قائد القيادة الفريق جو برينان إلى ليبيا، ورافقه مدير مكتب التعاون الأمني بـ أفريكوم روز كرافوري والقائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا غيرمي برنت. 

فخلال يومي 6 و7 فبراير، زار الوفد مدن طرابلس وبنغازي وسرت، والتقى مع مختلف القادة العسكريين في غرب وشرق البلاد.

حيث التقى برينان، بالدبيبة، بصفته وزير الدفاع في حكومته، ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، ورئيس أركان الجيش الليبي الفريق محمد الحداد. 

وفي بنغازي التقى بحفتر وابنه صدام. وفي سرت زار الوفد الأميركي مقر اللجنة 5+5 والتقوا أعضاءها خلال اجتماع مشترك، ولم يصدر عن اللجنة بيان عن مضمون اللقاء.

قوة مشتركة

غير أن مصادر من لجنة 5+5 العسكرية الليبية المشتركة كشفت عن مناقشة الوفد الأميركي مع اللجنة العمل على بناء قوة عسكرية أمنية مشتركة من غرب وشرق البلاد.

ويقضي المقترح الأميركي ببدء العمل على بناء نواة القوة مع حلول مارس/ آذار 2025. 

ويذكر أن مشروع بناء القوة العسكرية المشتركة ناقشه مسؤولون أميركيون عدة مرات في طرابلس وبنغازي، كما ناقشه الوفد العسكري البريطاني الذي زار طرابلس وبنغازي خلال يناير/ كانون الثاني 2025. 

لكن الجديد في طرح الوفد الأميركي حول القوة المشتركة هو مقترح العمل الذي سلمه مسؤولو أفريكوم للجنة 5+5 عند زيارتهم مقرها في سرت.

وتضمن المقترح عددا من المراحل، تبدأ باختيار أربعة ضباط من معسكري الشرق والغرب كقيادة للقوة المشتركة.

ثم يختار الأربعة قائدا لهم فيما يتولى الثلاثة الآخرون مهام موزعة بينهم في شؤون التدريب والتعبئة والعمليات. 

وفي المراحل الأخرى يخضع أفراد القوة المشتركة لتدريبات عسكرية متقدمة داخل البلاد وخارجها لتأهيلهم على استخدام أسلحة وتقنيات متطورة.

وسيكون عمل هذه القوة ذا طابع أمني بالدرجة الأولى وعلى علاقة بأمن الحدود والمنشآت الحيوية.

فيما أعلن قائد الوفد الجنرال برينان، أن "هذا الأسبوع مثل خطوة كبيرة في دفع جهودنا العسكرية والأمنية مع القادة العسكريين والمدنيين في ليبيا، بينهم قادة الوحدات التكتيكية" 

وأشار إلى أن "مسؤولي حكومة الوحدة وقوات حفتر في بنغازي أكدوا التزاما أكبر بتوحيد المؤسسة العسكرية، وبذل جهود التعاون من خلال المشاركات والتدريب العسكري المباشر الذي يعود بالنفع على الجانبين، ويدعم الجهود المبذولة للتغلب على الانقسامات وتعزيز الوحدة".

تمكين حفتر 

وما بين اجتماعات القاهرة والمدن الليبية، تتصاعد شكوك حول طبيعة المرحلة القادمة في ليبيا، وسط أحاديث عن توافق بين القاهرة وواشنطن على تثبيت أركان الجنرال حفتر، بجعل معظم السلاح في جعبته. 

وهو ما أكده عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همومة، في تصريحات لصحيفة "الوسط" الليبية بأن القاهرة وواشنطن تلعبان لعبة مكشوفة بالقول: إن قوات حفتر أصبحت قوات نظامية وأنهم يسعون إلى توحيد القوات شرقا وغربا، وهذا يعني أنهم سوف يعطون قيادة هذه القوات لحفتر. 

وأضاف أنه إذا امتلك حفتر القوة شرقا وغربا فسوف يستولي على السلطة بطريقة ناعمة، أما بخصوص مواجهة الوجود الروسي، فوصف الأمر أنه “يعد ضحكا على الذقون”.

وأرجع ذلك إلى “أن الروس والأميركان لديهم معاهدات فيما بينهم لاقتسام النفوذ”، مضيفا: “حقيقة لا أعتقد أن وجود القوات الروسية في ليبيا بعيد عن تفاهمات بين القوتين”. 

ويذكر أنه في 19 يوليو/ تموز 2024، التقى الجنرال برينان أيضا، بصدام خليفة حفتر بصفته رئيسا لأركان القوات البرية، وشقيقه خالد بصفته رئيسا لأركان الوحدات الأمنية التابعة لمليشيات والدهم اللواء خليفة حفتر. 

وقتها نشرت منصات السفارة الأميركية الإلكترونية في ليبيا حول هذه اللقاءات، أنه تمت مناقشة قضايا ومسائل مشتركة والتركيز عليها، على رأسها توحيد المؤسسة العسكرية، وحرص واشنطن على التعاون مع الضباط العسكريين المحترفين في جميع أنحاء البلاد، وتوسيع التعاون في التدريب والتعليم، وأهمية تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب.

أجندات خارجية  

من جانبه، يرى الصحفي الليبي عمر الحاسي أن "تشكيل قوة عسكرية ليبية موحدة ما بين الشرق والغرب يواجه عقبات كثيرة تتراوح بين الخلافات الداخلية العميقة، والتدخلات الخارجية التي أسهمت في تأجيج الانقسام وإشعال الحرب الأهلية منذ 2014". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "من أبرز العوامل التي عرقلت هذا المسار هو الدور السلبي للنظام المصري، الذي لم يكتف بدعم حفتر عسكريا وسياسيا، بل تعدى ذلك إلى توجيه ضربات جوية داخل الأراضي الليبية مرتين، إضافة إلى مشاركته في معركة طرابلس التي هزم فيها حفتر وطردت مليشياته من الغرب حتى سرت والجفرة". 

وأكمل الحاسي: "سعت القاهرة، بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم الإمارات، إلى فرض معادلة القوة العسكرية كحل للصراع، متجاهلة أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق بالسلاح وحده دون وجود عملية سياسية شاملة تضمن تمثيلا حقيقيا لجميع الليبيين".

وشدد على أن "الحل الحقيقي لتوحيد البلاد لا يكمن في استمرار عسكرة المشهد السياسي، ولا في محاولة فرض واقع معين بالقوة، بل في تبني مسار ديمقراطي شرعي يعيد لليبيين حقهم في تقرير مصيرهم بعيدا عن التدخلات الخارجية التي تسعى لخدمة أجندتها الخاصة، سواء من قوى عربية مثل مصر والإمارات، أو من قوى عظمى كالولايات المتحدة وروسيا". 

واستطرد: "التجربة أثبتت أن القوة العسكرية وحدها لم ولن تكون كافية لتحقيق الاستقرار، ما لم ترافقها عملية سياسية وطنية فعالة تشارك فيها جميع مكونات المجتمع الليبي، بما في ذلك القبائل والفعاليات الشعبية من الشرق والغرب، في إطار حوار حقيقي بعيد عن إملاءات الأطراف الخارجية التي تعمل على تغذية الانقسام لمصالحها الضيقة". 

الصحفي الليبي شدد أيضا على أنه "لا يمكن فهم التدخلات الخارجية في ليبيا بمعزل عن الصراع على ثرواتها الطبيعية الهائلة، وعلى رأسها آبار النفط، التي تمثل الهدف الحقيقي لمعظم القوى الدولية المنخرطة في المشهد الليبي".

وأضاف: “بينما تدعي بعض الأطراف أنها تسعى لإرساء الاستقرار وتوحيد المؤسسة العسكرية، فإن الواقع يكشف أن التدخلات الخارجية كانت ولا تزال مدفوعة برغبة في السيطرة على الموارد النفطية أكثر من كونها مساعي حقيقية لتحقيق السلام”.

وتابع: "وقد بدا ذلك جليا في دعم بعض الدول لفصائل عسكرية معينة على حساب أخرى، والتلاعب بخريطة التحالفات بما يضمن لها نفوذا طويل الأمد على مقدرات ليبيا الاقتصادية".

وختم الحاسي قائلا: "فالاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يأتي عبر التدخلات والإملاءات الخارجية، بل عبر مسار ديمقراطي وطني مستقل، تكون الأولوية فيه لإرادة الليبيين أنفسهم، بعيدا عن مطامع القوى التي ترى في ليبيا مجرد ساحة نفوذ اقتصادي وأمني، لا وطنا له شعب يستحق تقرير مصيره بيده".