طوعا أو كرها.. هل تبدأ باكستان المرحلة الثانية لإعادة المهاجرين الأفغان؟
الحكومة الباكستانية عازمة على المضي قدما في الموجة الثانية من الترحيل
منذ 15 أبريل/ نيسان 2024، يواجه آلاف اللاجئين الأفغان في باكستان خطرا مرتقبا، بعد أن انتهت المهلة التي حددتها الحكومة الباكستانية للمغادرة الطوعية لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين من البلاد.
وبحسب "أمين كاوه" المراسل والمحلل في صحيفة "8 صبح" الأفغانية، أعلنت إسلام آباد "إعادة حوالي مليون شخص، بما في ذلك حاملو بطاقات الإقامة، إلى أفغانستان".
وأشارت الصحيفة إلى أن القرار الباكستاني "يطرح تساؤلات حول سلامة هؤلاء اللاجئين الفارين من حكم حركة طالبان في حال عودتهم إلى أفغانستان".
ترحيل منتظر
وأشار إلى أن "الآلاف من الذين لجؤوا إلى هذا البلد بعد سقوط أفغانستان في أيدي طالبان (نهاية أغسطس/آب 2021) يشعرون بالقلق الشديد من تعرضهم للانتقام في حالة الترحيل القسري".
وسبق ترحيل "حوالي 520 ألف لاجئ أفغاني قسرا من باكستان، خلال الموجة الأولى من هذه العملية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وحتى 13 يناير/كانون الثاني 2024".
وتابعت الصحيفة: "يبدو أن الحكومة الباكستانية عازمة على المضي قدما في الموجة الثانية من الترحيل للمهاجرين الأفغان".
في هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الباكستانية رأفت خان إن: "قرار إعادة المهاجرين نهائي"، مؤكدا أن "الشرطة بدأت عمليات الترحيل القسري بعد انتهاء المهلة".
وأضاف خان: "جرى الانتهاء من جميع ترتيبات العودة، بما في ذلك الطوعية وترحيل اللاجئين الذين لا يحملون وثائق قانونية".
وتحدثت صحف باكستانية عن "إنشاء مركزين في منطقة بيشاور ولاندي كيوتيل لجمع ونقل المهاجرين الأفغان الذين يحملون بطاقات إقامة عبر معبر تورمام، كما تم توفير وسائل النقل والإقامة والطعام للعائدين".
ووفقا لصحيفة "8 صبح"، فإن الأمم المتحدة دخلت على خط الأزمة، وطالبت على لسان المتحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، قيصر أفريدي، حكومة إسلام أباد بـ "التريث في أمر ترحيل الأفغان".
وأوضح أفريدي أنهم طلبوا من الحكومة "النظر في الوضع الصعب للاجئين الأفغان". وتابع: "نحن نناقش ذلك، ونتفاوض مع حكومة باكستان لحل التحديات التي يواجهها المهاجرون الأفغان".
وتكشف الصحيفة عن شهادات لبعض اللاجئين حول تصرف الشرطة الباكستانية حيال ذلك الملف خلال الفترة الماضية.
فوفقا لأحد اللاجئين الأفغان الذين يعيشون في كويتا الباكستانية، فإن "عملية الترحيل القسري للمهاجرين قد بدأت في هذه المدينة".
وتابع قائلا: "منذ أربعة أشهر، كان رجال شرطة باكستانيون بزي مدني يذهبون من منزل إلى آخر للاجئين ويضعون علامات على أبوابهم، لكنهم لم يدخلوا إلى المنازل آنذاك".
واستدرك: "لكنني رأيت في السوق بعد ذلك ازديادا في عدد سيارات الشرطة التي كانت توقف الناس وتأخذ بصماتهم البيومترية، ثم يضعونهم في سيارات ويذهبون بهم إلى أماكن مجهولة".
شهادات صادمة
وكشفت الصحيفة عن اتهامات بالفساد لعناصر من الشرطة الباكستانية، وفقا لبعض الشهود.
وبحسب علاء الدين (اسم مستعار لصحفي ذهب إلى باكستان بعد سيطرة طالبان على أفغانستان)، فإن "الوضع مثير للشفقة للغاية بالنسبة للمهاجرين"، مشيرا إلى "أنهم في كل لحظة يخافون من الاعتقال والترحيل القسري".
وأضاف: "في المرة الأولى التي بدأ فيها الترحيل القسري، أعطى الناس كل ما يملكون للشرطة من أجل تجنب طردهم، لكن ذلك لم ينجح".
ويكمل قائلا: "استغلوا بؤس المهاجرين وحولوهم إلى بقرة حلوب"، في إشارة إلى ابتزازهم واستنزافهم ماليا.
وبحسب الصحفي، تكمن المشكلة في أن "الجميع يعاني؛ سواء كانوا مذنبين أم لا". ويكشف عن أن "استغلال المهاجرين أصبح عادة متكررة".
وفي لقاء آخر للصحيفة مع ماجدة (اسم مستعار)، إحدى الفتيات المحتجات المقيمات في باكستان، ذكرت "أن الإعلان عن ترحيل أكثر من مليون مهاجر وضعها في موقف صعب"، وتؤكد أنها "إذا رحلت قسرا، فستعتقلها حركة طالبان".
وتضيف الفتاة المحتجة: "منذ أُعلن الترحيل القسري، لم نتمكن من تناول وجبة طعام بشكل طبيعي، نعيش في خوف ورعب دائما، لقد ازدادت ضغوطنا النفسية، لا توجد طريقة للعودة، ولا تقدم في عملنا، نحن حائرون بشأن ما يجب فعله والمصير المظلم الذي ينتظرنا إذا رُحلنا".
وتطرقت الصحيفة إلى “حالة الفزع التي تسيطر على الجنود الأفغان السابقين الذين توجهوا إلى باكستان بعد سقوط الحكومة السابقة”.
ويقول أحدهم إنهم "يعيشون في حالة من عدم اليقين التام، وإذا لم يتم الاهتمام بوضعهم، فسيقعون في أيدي طالبان".
وأضاف: "لقد عشت حالة صعبة لمدة عامين يصعب علي وصفها، فلا يمكن لأطفالي الذهاب إلى المدرسة، ولا يمكنني التجول بحرية، وليس لدي مال وحالتي الاقتصادية سيئة للغاية. الآن أخشى أن أطرد، وإذا حدث ذلك فسأعتقل فورا".
وعن تأثير قرار الترحيل القسري على الأطفال، نقلت الصحيفة عن بعض العائلات، أن "أطفالهم أصيبوا بالصدمة بسبب الخوف من الشرطة".
وقال أحد الآباء: "تسألني ابنتي في كل لحظة: هل ستأتي الشرطة؟ هل لدينا تأشيرة؟. تخيلوا طفلا يبلغ من العمر ثلاث سنوات قلق بشأن ذلك".
انتقادات وتدخلات
من جانب آخر، دعا ناشطو حقوق الإنسان في باكستان السلطات إلى وقف عمليات الترحيل القسري.
ولفتوا إلى أن "إجبار الناس، وخاصة النساء على العودة إلى البيئات التي تتعرض فيها حقوق الإنسان الأساسية مثل التعليم والتوظيف وحرية التنقل للخطر، يعد انتهاكا واضحا للمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية".
وتحدثت الصحيفة عن أن "الكثير من اللاجئين لا يزالون في طي النسيان بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من سيطرة حركة طالبان على أفغانستان".
وذكرت تحديدا أن "20 ألف أفغاني ينتظرون الحصول على تأشيرات الدخول التي وعدت بها الولايات المتحدة الأميركية".
إذ تزعم أن "حركة طالبان تستهدف الأشخاص الذين عملوا مع القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان على مدار العشرين عاما الماضية".
ولفتت الصحيفة إلى أن “محاولات واشنطن استقدام بعض هؤلاء المتعاونين معها قد فشلت”.
وأرسلت واشنطن رسائل دعم لأصحاب الملفات P1 وP2 (وهي نوع من تأشيرات اللجوء التي تمنحها أميركا للأفراد المتميزين في مختلف المجالات وذوي المهارات الاستثنائية في مجالات محددة) في نوفمبر 2023.
"لكن تلك الرسائل كانت باطلة في نظر الشرطة الباكستانية ورُحل أصحابها إلى أفغانستان".
كما تدخلت دول أخرى على خط الأزمة، حيث أجرى عدد من سفارات الدول الغربية ووكالة اللاجئين والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مناقشات موسعة مع السلطات الباكستانية.
وحاولت تلك الأطراف التدخل لمنع ترحيل الأشخاص قسريا، لكن لا يوجد حل عملي للمشكلة حتى الآن، وفق الصحيفة.