مخطط مشبوه.. ما دور دحلان في الممر البحري الجديد بقطاع غزة؟
تبدو إسرائيل متحمسة لفكرة الميناء على الرغم من أن حماس طرحتها سابقا
أثيرت الكثير من الشبهات والتساؤلات فيما يخص الممر البحري الذي تعتزم عدة دول إنشاءه في قطاع غزة، وذلك بسبب مشاركة الإمارات العربية المتحدة في المهمة.
وأصدرت المفوضية الأوروبية وجمهورية قبرص (الرومية) ودولة الإمارات والولايات المتحدة بيان مشتركا في 8 مارس/آذار بشأن "تفعيل ممر بحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة".
ووفق البيان الذي نشره موقع وزارة الخارجية الإماراتية فإن قبرص ستعقد اجتماعا لكبار المسؤولين قريباً لبحث كيفية تسريع هذه القناة البحرية لدعم الذين يحتاجون المساعدة، حيث تدعم هذه القناة المساعدات المقدمة عبر الطرق البرية والجوية، والتي تمر كذلك من خلال مصر والأردن.
وأردف: "سنستمر بالعمل مع إسرائيل لتوسيع عمليات إيصال المساعدات عن طريق البر، ونؤكد على ضرورة تسهيلها فتح الطرق والمعابر الإضافية لنقل المزيد من المساعدات إلى أكبر عدد من الأشخاص".
كما أعلنت الولايات المتحدة عن مهمة طارئة بقيادة الجيش الأميركي لإنشاء رصيف بحري مؤقت في غزة "بالتعاون مع شركاء إنسانيين ودول أخرى يهدف لإيصال كميات كبيرة من المساعدات عن طريق البحر، وبالتنسيق بشكل وطيد مع حكومة إسرائيل".
وبدورها، رحبت تل أبيب، في اليوم التالي، بتدشين الممر البحري المرتقب شريطة القيام بإجراء فحوصات أمنية وفقا للمعايير الإسرائيلية.
وزعم البيان أن إسرائيل "ستواصل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة وفقا لقواعد الحرب وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائنا في جميع أنحاء العالم".
ولم تدل وزارة الخارجية الإسرائيلية بتفاصيل عن موعد العمل بالممر الذي سيتم تدشينه مع قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيليا وتشن عليه حربا مدمرة تسبب بكارثة إنسانية.
تساؤلات ملحة
وجاءت مشاركة الإمارات في العملية لتضع العديد من التساؤلات حول دور الممر البحري الجديد، خاصة أن لدى الدولة الخليجية سجل حافل في محاربة المقاومة الفلسطينية والانغماس في وحل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية العامة (مكان)، في 8 مارس 2024، أن إسرائيل "سمحت للإمارات بالبدء فورا" في نقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة عبر طريق قبرص البحري، قائلة إن "مهندس هذه العملية" هو القيادي الفلسطيني البارز، محمد دحلان.
ومحمد دحلان قيادي مفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ويعمل كمستشار للرئيس الإماراتي محمد بن زايد ويقود عمليات مشبوهة في دول عربية وإفريقية.
وفي خضم العدوان على غزة، ظهر محمد دحلان فجأة في مقابلة أجرتها معه في أبوظبي صحيفة إيكونوميست البريطانية وهو يعرض "خطته" لما بعد الحرب.
ورد دحلان على الشائعات التي تقول إنه الاختيار الإسرائيلي لإدارة غزة، رافضا الفكرة، مؤكدا أنه سيكون الشخص الذي سيأتي لتنظيف الفوضى بعد نهاية الحرب.
كما قدم مؤهلاته للقيادة، مدعيا أنه يعرف غزة والإسرائيليين جيدا وقضى 40 عاما يقاتل من أجل القضية الفلسطينية.
وأصبح دحلان مستشارا مقربا لمحمد بن زايد، وزعم أنه أدخل 50 مليون دولار في العام من الإمارات إلى غزة، كما بنى شبكة دعم له في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية.
وقالت مصادر مطلعة على التفاصيل لم تكشف عنها هيئة البث الإسرائيلية العامة، إن "دحلان ينسق مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس بشأن عملية نقل المساعدات الإنسانية من قبرص"، موضحة أنه التقى قيادة الحركة في العاصمة القطرية الدوحة، قبل 3 أسابيع".
ولم تعلق "حماس" على قضية الممر البحري، لكن القيادي فيها محمد نزال قال إن المقترح "لا يزال غامضا ويثير الكثير من التساؤلات".
وتتواجد عدة سفن إماراتية في قبرص، حيث تنتظر وصول المواد الغذائية والمعدات الإنسانية، التي سيتم تسليمها مباشرة إلى أحد شواطئ غزة في الجزء الشمالي من القطاع، بحسب "مكان".
يأتي ذلك في وقت تتسارع فيه الجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في القطاع المحاصر، مع دخول العدوان على غزة شهره السادس ووسط تكدس مئات الشاحنات على الجانب المصري من الحدود.
وستخضع الإمدادات الإنسانية للتفتيش على الأراضي القبرصية من قبل أجهزة الأمن هناك، وذلك بإشراف "وثيق" من مسؤولي الأمن الإسرائيليين الذين سيصلون إلى الجزيرة الواقعة في شرق المتوسط خصيصا لهذه العملية، بحسب هيئة البث العامة.
وأشارت الهيئة إلى أن "سفن البحرية الإسرائيلية ستعمل على تأمين السفن الإماراتية قبالة سواحل غزة، وأثناء إحضار المساعدات والمعدات إلى الشاطئ".
ووسط تحذيرات دولية من مجاعة وشيكة شمال قطاع غزة، تواصل دول عربية من بينها الإمارات، تنفيذ عمليات مشتركة لإسقاط مساعدات غذائية على القطاع، لكنها لا تلبي حجم الاحتياجات الهائلة الناجمة عن الكارثة التي خلقتها إسرائيل، مما أفرز لاحقا فكرة الميناء.
ومؤكداً دور الإمارات في المخطط الجديد، قال عبد الخالق عبدالله الأكاديمي الإماراتي المقرب من محمد بن زايد، إن الميناء "فكرة إماراتية"، وإن أبوظبي "نسقت الأمر مع قبرص ودعت الدول الأوروبية، أميركا وبريطانيا للتعاون في تنفيذه".
وتحدثت مصادر إسرائيلية عن زيارة المستشار العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أبو ظبي مطلع مارس لبحث العملية التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية. وتبع ذلك زيارة مسؤولين عسكريين إماراتيين “تل أبيب” لمواصلة النقاش حول تفاصيل العملية.
مخطط مخيف
وتبدو إسرائيل متحمسة لفكرة الميناء على الرغم من أن حماس طرحتها سابقا ضمن إجراءات فك الحصار بعد العدوان على غزة عام 2014، ولكنها لاقت رفضا من قبل تل أبيب.
وبحسب ما نشر موقع "الإمارات 71" المعارض في 10 مارس، فإن المخطط له عواقب وأهداف خفية من بينها الضغط على حركة حماس لتوقيع اتفاق لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
فطرح فكرة الميناء حاليا يؤجل الحديث عن مرور الشحنات براً عن طريق معبر رفح المصري، حيث يحتاج الممر البحري لأسابيع حتى إنشائه كما يقول القادة العسكريون الأميركيون، ما يزيد من الضغط عليها لتوقيع اتفاق وقف إطلا نار لمدة 6 أسابيع فقط، وهو ما ترفضه حماس حتى الآن.
ويقول موقع "أكسيوس" الأميركي القريب من اللوبي اليهودي الإسرائيلي في الولايات المتحدة: "إذا وافقت حماس وإسرائيل على وقف إطلاق النار، فسيكون من الأسهل عبور المزيد من الشاحنات والإمدادات إلى غزة عن طريق البر، وهنا لن تكون هناك حاجة ملحة لطريق بحري من قبرص".
كما أن هذا الميناء -حسب أكسيوس- "علامة مشؤومة" على أنه من غير المرجح أن يتم وقف إطلاق النار في بداية شهر رمضان المبارك، كما يعد الأميركيون والأوربيون بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتحقيقه.
ويتحدث آخرون عن أن الميناء هو بداية مخطط تهجير جماعي إلى أوروبا بعد فشله عبر البر نحو شبه جزيرة سيناء المصرية.
ويقول الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان: "إنهم يريدون لتفريغ غزة من كل سكانها"، متسائلا: هل أصبحت إسرائيل التي رحبت سريعا بالفكرة، حريصة على إطعام الفلسطينيين وهي التي قتلت 30 ألفا منهم؟".
وتابع في كلمة مسجلة عبر قناته في يوتيوب: "هذه مؤامرة جديدة، (الرئيس الأميركي جو) بايدن يريد تحقيق مطالب إسرائيل بالكامل في غزة تحت عنوان الإنسانية. هذه مؤامرة للتهجير".
وأردف: "في 1982 كانت هناك مؤامرة أميركية لترحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان على سفن تعدها واشنطن لنقلهم إلى قبرص عبر ميناء لارنكا نفسه ومن ثم إلى تونس، وهذا استنساخ لنفس الفكرة".
ولفت إلى أن "المخطط يهدف إلى فك ارتباط قطاع غزة بعمقه المصري، وأن ينتهي دور معبر رفح لتصبح إسرائيل هي من تتحكم بالبر والبحر والجو".
وتساءل: "كيف تقبل مصر إنهاء علاقتها بغزة وفلسطين؟ هل أسكتوها بالمليارات من الإمارات ومن صندوق النقد الدولي؟ هذه مؤامرة كبيرة جدا وأكبر من نكبة 1948".
وأكبر من ذلك، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن "هناك مخاوف عميقة من مقترح الممر المائي نتجت من هوية الأطراف المنفذة ومن فكرة عزل غزة عن تموضعها الجغرافي، ومخاوف تتعلق بتكريس تقسيم القطاع وبقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية، انتهاء بالتمهيد للحملة العسكرية في رفح".
وأردف في تغريدة على إكس أن "ما يتوفر من معلومات حتى اللحظة يقول إن تلك الأطراف لا يمكن أن تتجاوز الحالة الإدارية في غزة وهي بالفعل تتواصل مع أجهزة حكم محلي وأطراف فلسطينية"، لتنظيم اليوم التالي للقضاء على حماس، وهو الهدف الإسرائيلي المعلن للعدوان.
وبدوره، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة: "عقدت أطراف دولية بتوجيه إسرائيلي حتى اللحظة 12 اجتماعاً مع مخاتير وعشائر في القطاع في إطار سعيهم للبحث عن إدارته بعد الحرب، وجميع العائلات التي تم العرض عليها أعلنت رفضها بشكل كامل على اعتبار أنها مخططات إسرائيلية لضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية".
ويرى كثيرون أن الإمارات أصبحت في واجهة الأنظمة العربية التي تريد التخلص من حماس، ولهذا فهي تتساوق مع المخططات الأميركية الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف.
سجل مشبوه
وخلال العدوان، أعلنت الإمارات التي طبعت علاقتها رسميا مع الاحتلال منذ 2020، وأحد أبرز حلفائها الخليجيين، عن إقامة مستشفى ميداني متكامل داخل قطاع غزة، بعد أن بدأت بتسيير جسر إغاثي جوي إلى مطار العريش المصري، بدعوى "تقديم الدعم الطبي اللازم إلى الأشقاء الفلسطينيين في القطاع".
وأثارت خطوة المستشفى الميداني ريبة الكثيرين بعدما كشفت هيئة البث الإسرائيلية "كان" في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أنها تأتي بالتنسيق بشكل خاص مع حكومة الاحتلال.
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، اتخذت الإمارات موقفا مغايرا لباقي الدول الخليجية والعربية بإدانتها "هجوم" حركة حماس على "المدنيين الإسرائيليين" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد توالت العديد من التطورات التي تشير إلى تورط ومشاركة هذه الدولة الخليجية في مخططات كبيرة ضد حماس وأخرى تستهدف الشعب الفلسطيني.
وجاء انخراط الإمارات في الميناء ليسلط الضوء على سوابق الدولة الخليجية بالتجسس على المقاومة الفلسطينية لصالح الاحتلال والعمل على كل ما يخدم التطبيع، وسط أحاديث متواترة عن تجهيزها محمد دحلان للعودة إلى غزة بعد "القضاء على حماس".
ففي يوليو/تموز 2014 وعندما كانت إسرائيل تشن حربا على غزة، حققت إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية مع أحد أعضاء بعثة الهلال الأحمر الإماراتية، والذي اعترف بعمله في جهاز أمن إماراتي.
وقالت شبكة رصد المصرية إضافة إلى وسائل إعلام فلسطينية إن مصدرا مطلعا في قطاع غزة أكد أنه جرى الاشتباه في المواطن الإماراتي الذي دخل تحت غطاء بعثة الهلال الأحمر، وتم احتجازه والتحقيق معه.
ووفق المصدر، "اعترف بمحاولته التقصي عن مواقع إطلاق الصواريخ على الاحتلال الصهيوني". وقد أطلقت المقاومة سراح الضابط الإماراتي حينها وطُلب من بعثة الهلال الأحمر مغادرة غزة على الفور.
وقالت إن سبب الإفراج عن الضابط والوفد؛ هو تجنب خلق أزمة دبلوماسية، وصرف الأنظار عن معاناة غزة تحت القصف الإسرائيلي وقتها.
وفي ذلك الوقت، منعت السلطات المصرية الوفود الطبية الأجنبية والمساعدات الشعبية من الدخول إلى قطاع غزة الفلسطيني، غير أنها سمحت بما يثير الريبة والشك للهلال الأحمر الإماراتي بدخول القطاع المحاصر.
وبعد ساعات من دخول الوفد الإماراتي ثارت شائعات حول مشاركة ضباط من المخابرات ضمن الطاقم، خصوصا بعد سؤال أعضاء من أولئك الأطباء عن أماكن إطلاق الصواريخ بحجة أنها تعيق عملهم لكونها تطلق من مناطق سكنية، بحسب شهود من القطاع.
ونقل موقع الخليج الجديد وقتها عن مصادر أن محمد دحلان القيادي أجرى اتصالات عاجلة مع حركة "حماس" من أجل "لملمة فضيحة الإمارات وتجسسها بواسطة الهلال الأحمر لحساب الإسرائيليين".
وأكد "جهاد حلس" الكاتب والداعية الفلسطيني العامل في مجال الإغاثة الإنسانية أن وفد الهلال الأحمر الإماراتي المكون من 50 طبيبا، غادر غزة فجأة ودون سابق إنذار تاركين كل معداتهم آنذاك.
واليوم، فإن وجود أبوظبي في ميناء بايدن البحري على الرغم من أهدافها المعلنة، يزيد من حصاد سوء السمعة بين الدول العربية والإسلامية، فهو موقف متماهٍ مع الاحتلال وداعميه أكثر من رغبتها في تحقيق أهداف إنسانية، وفق ما يقول موقع "الإمارات 71".