رغم تحالفهما بشأن أغلب القضايا.. لماذا تتعارض مصالح مصر والإمارات بالسودان؟

ثمة فرصة سانحة لأميركا للاستفادة من قوتها الدبلوماسية في التوسط بين مصر والإمارات
وسط أهوال الحرب المدمرة في السودان، تتشكل معركة نفوذ خفية لكنها حاسمة بين قوتين إقليميتين؛ مصر والإمارات، بحسب مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت".
فبالرغم من التاريخ المشترك والمصالح المتبادلة، تجد القاهرة وأبو ظبي نفسيهما على طرفي نقيض في الحرب الوحشية الدائرة في السودان.
وفي مقال له، نشرته المجلة الأميركية، أشار الكاتب المختص في الشأن السوداني، الفاضل إبراهيم، إلى أن "مصر تدعم القوات المسلحة السودانية، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023".
وأسفرت الحرب المستمرة منذ نحو عامين عن أزمة إنسانية كارثية، مما دفع السودان نحو الانهيار التام.

عقوبات أميركية
وفي أيامها الأخيرة، فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، عقوبات على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ بسبب مسؤوليته عن القوات التي ارتكبت إبادة جماعية.
كما فرضت عقوبات أيضا على قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لعرقلة جهود السلام، وعرقلة المساعدات، والاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية.
وقال "إبراهيم": "على الرغم من الأدلة المتزايدة من محققي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بشأن التورط الكبير للإمارات في دعم قوات الدعم السريع، تواصل أبو ظبي ادعاء الحياد كجهة إنسانية فاعلة".
ومع ذلك، تطعن أعلى مستويات الحكومة الأميركية بشكل مباشر في هذه الادعاءات، فخلال جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ، اتهم وزير الخارجية، ماركو روبيو، الإمارات صراحةً "بدعم كيان يرتكب إبادة جماعية علنية".
في المقابل، أصبح دور مصر في دعم القوات المسلحة السودانية والحكومة التي يقودها الجيش في بورتسودان، واضحا بشكل متزايد.
ففي سبتمبر/أيلول 2024، أكد وزير خارجية النظام المصري، بدر عبد العاطي، على "أهمية عدم وضع الجيش السوداني الوطني في نفس الكفة مع أي أطراف أخرى"، وذلك خلال مؤتمر صحفي مع سلف روبيو، أنتوني بلينكن.
كما أقر عبد العاطي أخيرا بالتزام مصر "بدعم قدرات الجيش السوداني"، بالتنسيق مع شركائها الأمنيين في منطقة القرن الإفريقي، وإريتريا، والصومال.
وقال الكاتب: "على الرغم من تحالفهما بشأن أغلب القضايا الإقليمية، تجد مصر والإمارات نفسيهما على طرفي نقيض في حرب السودان".
وأوضح أنه "بعد صعوده إلى السلطة في عام 2013، عندما أطاح الجيش المصري بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطيا، اعتمد عبد الفتاح السيسي على دول الخليج، خاصة الإمارات، للحصول على الدعم الاقتصادي".
وأخيرا، عززت الإمارات علاقاتها مع مصر من خلال استثمار تاريخي بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة "رأس الحكمة" المطلة على البحر الأبيض المتوسط؛ لأغراض السياحة، وهذا بدوره سيوفر شريان حياة اقتصادي حاسم لنظام السيسي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الاستثمار الضخم، تظل مصر غير قادرة على التوافق مع نهج أبو ظبي تجاه السودان.
وتابع: "بالنسبة لمصر، يمثل الجيش، وليس قوات الدعم السريع، حصن الاستقرار على طول حدودها الجنوبية".
وأشار إلى أن "هذا المنظور يتعزز من خلال نمط تحركات اللاجئين السودانيين، فقد عاد عدد كبير من مصر إلى ديارهم مع استعادة الجيش لأجزاء من ولاية سنار وأجزاء أخرى من وسط السودان على مدى الأشهر القليلة الماضية، في حين يحدث العكس، كلما اكتسبت قوات الدعم السريع أرضا".
ووصف الكاتب المخاطر التي تواجه مصر بأنها "وجودية"، حيث تدفق أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوداني منذ أبريل/نيسان 2023، وهو ما يشكل الآن أكبر تجمع للاجئين في البلاد.
"ومن المحتمل أن يؤدي فشل الدولة الكامل في السودان إلى نزوح ملايين آخرين عبر الحدود".

الأمن المائي لمصر
"إلى جانب ذلك، أصبح أمن مصر المائي في نهر النيل على المحك؛ إذ أدى الفراغ السياسي في السودان إلى إضعاف موقفها التفاوضي بشكل كبير أمام إثيوبيا، خصمها التقليدي في حوض النيل".
وأوضح أن "في السراء والضراء، ظلت السودان حليفا رئيسا لمصر في مواجهة التهديد الذي يشكله سد النهضة الإثيوبي".
وفي بيان صدر أخيرا، عزز وزير خارجية السودان، علي يوسف، هذا التحالف، متعهدا بأن "السودان سيقف إلى جانب مصر"، وأشار إلى خيار تشاؤمي مفاده أن سيناريو الحرب على الطاولة إذا لم يُتوصل إلى اتفاق.
واستدرك الكاتب: "لكن مع انزلاق السودان إلى حرب وإضعاف موقف مصر التفاوضي، اغتنمت دول حوض النيل الفرصة لتعزيز مصالحها".
ففي تطور لافت، دخل اتفاق الإطار التعاوني (CFA) حيز التنفيذ أخيرا، مع انضمام جنوب السودان المفاجئ إليه في يوليو/تموز 2024.
وأبرمت الاتفاقية عام 2010، وتفرض إطارا قانونيا لحل الخلافات والنزاعات، وتنهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وتفرض إعادة تقسيم المياه، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية بدون التوافق مع دول المصب، وهو ما ترفضه مصر والسودان.
ونتيجة لموقفها الضعيف على النيل، تحركت مصر نحو بناء بنية أمنية إقليمية تحيط بإثيوبيا، وتشكيل تحالف أمني مع الصومال وإريتريا.
ومن الأهمية بمكان أن "عبد العاطي" صرح بأن القاهرة ستستخدم هذا التحالف الأمني لمساعدة الجيش السوداني في مكافحة "الإرهاب".
وبحسب الكاتب، فإنه "رغم الدعم الواسع لقوات الدعم السريع، تعرضت الأهداف الإستراتيجية للإمارات في السودان لانتكاسة كبيرة بسبب إخفاق هذه القوات في بسط سيطرتها على البلاد".
وأضاف: "تمحورت الخطة الإماراتية حول استغلال تجارة الذهب في السودان وتعزيز أمنها الغذائي عبر استحواذ شركات مرتبطة بالدولة على الأراضي".
وكان حجر الأساس في هذه الإستراتيجية مشروع تطوير ميناء أبو عمامة، الذي تبلغ قيمته 6 مليارات دولار على ساحل السودان المطل على البحر الأحمر.
وصُمم هذا الميناء لربط المناطق الزراعية بمحطة تصدير، بما ينسجم مع الإستراتيجية البحرية الإقليمية الأوسع للإمارات، ويكمل عملياتها الملاحية في الدول المجاورة.
إلا أن الصراع الدائر أجهض هذه المخططات، حيث ألغت السودان رسميا اتفاق الميناء، وقال وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم: "بعد الذي حدث لن نعطي الإمارات سنتيمترا واحدا على شاطئ البحر الأحمر".
دور الوسيط
ويرى الكاتب أن "مع تعقّد المشهد الحالي، تبدو مصر في موقع مثالي للعب دور الوسيط، في محاولة لرأب الصدع المتزايد بين مطالب السودان وإصرار الإمارات على إنكار الواقع".
وقد أشار وزير خارجية السودان بالفعل إلى أن مثل هذه المبادرة جارية، في أعقاب زيارة وزير خارجية النظام المصري الأخيرة إلى عاصمة الحرب السودانية، بورتسودان، وهي زيارته الثانية في غضون ستة أسابيع.
وأكد على أنه "رغم التحديات، يبقى المسار واضحا، فلا بد من توافق الرؤى بين أبو ظبي والقاهرة لتحقيق وقف إطلاق النار قريبا، وتمهيد الطريق لاستقرار السودان على المدى البعيد".
وأشار إلى أنه "تتوفر للولايات المتحدة فرصة سانحة للاستفادة من قوتها الدبلوماسية في التوسط بين مصر والإمارات، داعية حلفاءها لإيجاد نقاط توافقية لمنع المزيد من التدهور في السودان".
وختم الكاتب قائلا إن "الخيار الآخر مرير وواضح، حيث إن الاستمرار في دعم الأطراف المتحاربة سيكون بمثابة زيادة تعميق الأزمة، مما يقود البلاد إلى حرب أهلية مستمرة وتزداد وحشية".