سر "الصناعات الدفاعية".. كيف استعادت تركيا تأثيرها في العالم الإسلامي؟
تركيا تصدر 230 نوعا مختلفا من المنتجات في صناعة الدفاع
رأى معهد تركي أن أنقرة بدأت تستعيد تأثيرها الكبير في العالم الإسلامي عبر صناعة الدفاع وأهمها تميزها في إنتاج الطائرات المسيرة بدون طيار خلال السنوات الأخيرة.
وقال معهد التفكير الإستراتيجي في مقال للكاتب التركي "سنان تافوكجو": تستعد باكستان حاليا لفتح قاعدة موريد الجوية للطائرات بدون طيار التركية.
ويشير ذلك إلى أن صناعة الدفاع التركية لديها رؤية ومهمة تتجاوز حاجة الدولة الوطنية للدفاع والأمن، إذ تتخلى الدول الإسلامية بوضوح عن واردات الدفاع الأميركية لصالح نظيرتها التركية.
صناعة الدفاع
وتعد المنصات البرية (المركبات العسكرية والمدرعات) أكبر فئة للتصدير التكنولوجي لصناعة الدفاع التركية، ويلي ذلك مبيعات الطائرات العسكرية والأسلحة والذخائر.
وبالمثل، حققت تركيا مكانة مهمة كلاعب رئيس في سوق الطائرات بدون طيار المسلحة التي بنيت بدعمٍ من تكنولوجيا رفوف القنابل البريطانية.
وتابع الكاتب: في الآونة الأخيرة، توجهت باكستان وإندونيسيا وماليزيا وأذربيجان وجزر المالديف وحتى المملكة العربية السعودية بشكل رئيس نحو أنقرة في مجال توريد الأسلحة، وبذلك حققت تركيا مكانا لها في سوق تصدير الدفاع.
وبحسب تقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولية في عام 2024 فإن صادرات الأسلحة التركية زادت بنسبة 106 بالمئة في الأربع سنوات الأخيرة، مما جعلها أحد أكبر 11 مصدرا للأسلحة في العالم.
وخلال الفترة من 2019 إلى 2023 كانت الإمارات العربية المتحدة أكبر مستورد للأسلحة من تركيا، تليها قطر بنسبة 13 بالمئة وباكستان بنسبة 11 بالمئة.
وذكر الكاتب أن تركيا تصدر 230 نوعا مختلفا من المنتجات في صناعة الدفاع، بما في ذلك الطائرات والمركبات المدرعة والسفن والصواريخ، إلى 185 دولة في مناطق جغرافية مختلفة.
وتعود قوة صناعة الدفاع التركية إلى قدرتها على تقديم منتجات محلية ذات تكنولوجيا عالية وفقا لمعايير حلف شمال الأطلسي "الناتو" وبأسعار أقل من السوق العادية.
ووفقا لتقرير نشاط هيئة صناعة الدفاع لعام 2023، بلغت صادرات الدفاع والطيران لعام 2023، نحو 5.55 مليارات دولار، بزيادة قدرها 27 بالمئة مقارنة بالعام الذي سبقه.
وارتفعت نسبة الاكتفاء بالمنتجات المحلية في صناعة الدفاع إلى حوالي 80 بالمئة.
ولفت الكاتب إلى أن الدفاع التركي تحول إلى صناعة محترمة يتابعها العالم بانتباه، وذلك بفضل المشاريع المبتكرة التي تنتج أسلحة مفاجئة قائمة على التكنولوجيا العالية وتغيير إستراتيجيات الحرب التقليدية.
وبطبيعة الحال لا يتم التخطيط لاستثمارات كبيرة في صناعة الأسلحة على نطاق الاحتياجات المحلية والوطنية، فهي تحتاج إلى أسواق وشراكات أكبر بكثير لتنفيذها وتطويرها.
أبرز الشركاء
واستدرك الكاتب: يمكن النظر لدولٍ مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا وأذربيجان والسعودية وجزر المالديف، على أنهم شركاءٍ في صناعة الدفاع التركية، ولكنّ الشركاء ليسوا مقتصرين على هؤلاء فقط.
فقطر والإمارات والكويت ومصر والعراق هم أيضا من بين الدول الرائدة التي تهتم بمنتجات صناعة الدفاع التركية وترغب في أن تكون شريكة فيها.
بالطبع، ليس هؤلاء هم المهتمون الوحيدون، حيث تعد صناعة الدفاع التركية نجمةً متألّقةً في السوق الإفريقي أيضا.
يعود ذلك إلى عدم وجود ماضٍ استعماري وعدم فرض أي سياساتٍ ابتزازية على الدول الإفريقية، وهو ما يشجعها على التوجه نحو تركيا، وفق الكاتب.
وعلاوة على ذلك، بينما تزيد الشركات الغربية المنافسة من مبيعات أسلحتها من خلال الحروب والصراعات الداخلية التي تؤدي إلى مقتل آلاف الأشخاص في إفريقيا، تتبع تركيا سياسة تركز على تحقيق السلام والمصالحة بين الأطراف المتحاربة في القارة.
وأشار الكاتب إلى أن العلاقات بين تركيا والدول المعنية فيما يتعلق بتصدير منتجات الصناعات الدفاعية ليست تجارية طبيعية تقوم على البيع والشراء.
فلا ترغب أي دولة في الدخول في علاقة تجارية للأسلحة مع دولة قد تفرض عليها في المستقبل حظرا.
فبسبب تعرض العديد من البلدان لضغوط سياسية من دول أخرى تشتري منها الأسلحة، لم تستطع توفير قطع غيار للمنتجات التي سبق واشترتها.
وبالتالي تفسد الأسلحة في المستودعات وتُهدَر الموارد المستخدمة لتوفير الأمن، وفق الكاتب.
واختبرت تركيا هذا بأكثر الطرق إيلاما، فبسبب عملية السلام القبرصية عام 1974، فإن حظر الأسلحة الغربي على تركيا، خاصة من قبل الولايات المتحدة جعل صناعة الدفاع الوطنية ضرورةً لا يمكن الاستغناء عنها.
وبذلك منذ ثمانينيات القرن العشرين بذلت تركيا جهودا لإنشاء بنية تحتية وطنية وغير معتمدة على الخارج، من أجل إنشاء صناعة دفاع وطني تعتمد على التكنولوجيا العالية. ولهذا، فإن نجاحات اليوم هي نتيجة للدروس المستفادة من المعاناة.
تحالف جديد
وأردف الكاتب: الدول التي تعاني من مشاكل مماثلة لما تعانيه تركيا وتريد التخلص من هيمنة الغرب الاستعماري تبحث عن بدائل موثوقة لتوريد الأسلحة.
وفي الوقت الذي تجرى فيه إعادة هيكلة العالم وتزايد توقعات عالم متعدد الأقطاب، يتعين على الدول إعادة تعريف صفوفها وتحالفاتها، وشراء الأسلحة من حلفائها في النظام الجديد.
وفي هذا الوقت، أصبحت تركيا واحدة من أهم بدائل التوريد في صناعة الدفاع بفضل طائراتها ونظام الطائرات بدون طيار والسفن والغواصات والدبابات وأنظمة الصواريخ والذخائر وغيرها من منتجات صناعة الدفاع الرائدة.
وأضاف الكاتب: أصبحت تركيا أهم مورّد للأسلحة للدول الإسلامية التي تضم ملياري نسمة ولديها روابط تاريخية ودينية وتنظر إلى العالم من منظور مشابه.
ويبدو أن علاقات بعض الدول الإسلامية مع تركيا تتجاوز علاقة البائع والمشتري، فهي تتحول إلى شراكة في صناعة الدفاع التي تمتلك أهدافا كبيرة.
واستدرك الكاتب: "من خلال انطباعاتي وأبحاثي أعتقد أن هناك خططا كبيرة تستهدف الصناعة العالمية للدفاع من خلال شراكاتٍ رأسمالية تصل إلى 300 مليار دولار".
ومن ضمن الدول المشاركة في هذه الخطط باكستان وإندونيسيا وماليزيا وأذربيجان والسعودية والإمارات وقطر والكويت ومصر والعراق، و"أعتقد أن هذه الشراكات هي مؤشر على إعداد تعاون/ تحالف دفاعيّ جديد".
وهذه الخطط الكبيرة التي تعتمد على الوعي المشترك للتهديدات بالإضافة إلى الإرادة للنضال والكفاح ستسهم في ولادة تحالفات عسكرية وسياسية تشمل تطوير واستخدام وتدريب وتنفيذ أدوات الدفاع والأمن المشتركة.
وأصبح "النظام المستند إلى القواعد" الذي أنشأه الغرب الاستعماري لحماية مصالحه منهارا أخلاقيا ولم يعد له سمعة في أعين الدول الأخرى، وفق الكاتب.
وبين أن التهديدات التي تعيشها شعوب العالم المظلومة تنبع من هذه الدول.
ويمكن أن نرى ذلك بوضوح في تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي لانتهاكات الأراضي الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني بواسطة المساعدات العسكرية المُقَدّمَة من قبل هذه الدول والتي تعد شريكةً في الإبادة.
بينما تفتح تركيا الباب أمام الدول المضطهدة المتحالفة معها وتمنحها القوة والثقة من خلال شراكاتها في صناعة الدفاع والتكنولوجيا العالية للأسلحة الفائقة التي جرى تطويرها، ما سيسهم في تحقيق السلام العالمي، وفق تقدير الكاتب.