عجز غربي عن إيجاد سبل لإنهاء الأزمة السودانية.. من يملك مفاتيح الحل؟
لا يملك الغرب القوة لحلحلة الوضع بالسودان كما يفعل اللاعبون الآخرون
استبعد موقع إيطالي إمكانية التوصل إلى هدنة في السودان بين القوات النظامية ومليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، في ظل تشبث كلا الطرفين بموقفه وعجز الغرب عن إيجاد سبل وأدوات لحل الأزمة.
ويرى المحلل السياسي الإيطالي ومدير مركز الدراسات الدولية "ماركو دي ليدو" في حوار لموقع "إيل سوسيداريو" أن البلاد وصلت إلى طريق مسدود.
وبحسب قوله، “لا يملك الغرب القوة لحلحلة الوضع هناك كما يفعل اللاعبون الآخرون في المنطقة مصر والسعودية والإمارات وكذلك روسيا”.
وحذر من أن "الوضع يتسبب في أزمة إنسانية تزداد سوءا مع تواصل نزوح أعداد كبيرة وارتفاع عدد المدنيين المهددين بخطر الموت جوعا، ما يخلق مأساة لا نهاية لها في الأفق في الوقت الحالي".
الحرب تتواصل
وقال إن قائد مليشيا الدعم السريع "لا يريد أن تُنتزع منه السيطرة على الموارد المنجمية المكتسبة على مر السنين من خلال القيام بأعمال قذرة لصالح الحكومة المركزية" متوقعا مواصلته الحرب "إلى حين منحه ما يريد".
وفي ظل توافر الأسلحة لكلا الطرفين المتحاربين، يتوقع المحلل الإيطالي "تواصل المعارك ونهب القرى وارتكاب تطهير عرقي جديد ضد مجموعة المساليت العرقية في دارفور".
وعلى الرغم من ذلك، نوه إلى أن مليشيا الدعم السريع والمجلس العسكري في الخرطوم أو الجيش برئاسة عبد الفتاح البرهان، لم يغلقا باب القنوات الدبلوماسية أبدا رغم تواصل القتال في مناطق مختلفة.
وعن الاتهامات الموجهة إلى أبوظبي بتمويل مليشيا الدعم السريع، رغم نفيها ذلك، أكد أن الأخيرة تحظى بدعم روسيا والإمارات وجزئيا من المليشيات التشادية والإثيوبية التي لها مصلحة في إضعاف المجلس العسكري، بينما يعتمد الأخير على دعم مصر والسعودية وحلفائه.
ويضيف فيما يتعلق بماهية الجهات الأجنبية التي تقف خلف الطرفين المتحاربين، فإن هناك جهات فاعلة خارجية أخرى مهتمة بالوضع هناك.
وذكر أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على مناهضة النفوذ الروسي والاتحاد الأوروبي المهتم بالتطورات بحثا عن استقرار منشود لتجنب موجات هجرة نحو سواحله.
وفي إجابته عن سؤال الموقع حول الحلول الممكنة لوقف النزاع، أوضح أن "هذه الحرب الأهلية تركزت بشكل كامل على السيطرة على موارد البلاد وخاصة المناجم والنفط".
وقال إن الجيش "وضع، بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الوكالات والشركات التي تسيطر عليها وزارة الدفاع، يديه على جميع الموارد الاقتصادية المهمة في البلاد مثل المناجم واستخراج النفط وتكريره، فضلا عن استيراد البضائع".
أعمال قذرة
وتابع "على مر السنين، اعتمدت الحكومة المركزية خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، على الجنجويد (الدعم السريع حاليا) للقيام بأعمال قذرة، خاصة في دارفور".
ولاحقا تكفلت قوات الدعم السريع بذلك وتم منحها استغلال المناجم كمكافأة لهذه الخدمات.
وأضاف أن "حميدتي نفذ الأعمال القذرة لصالح البشير واستمر في تقديم خدماته تلك للمجلس العسكري الذي أراد في مرحلة معينة استبعاده ومن هنا انطلقت شرارة الحرب الأهلية خاصة أن دقلو لا يريد التنازل عما يسيطر عليه مع عائلته".
وفي تحليله للاصطفاف الداخلي في البلاد، أشار المحلل الإيطالي إلى أن "المجموعات العرقية الصغيرة والمليشيات شبه العسكرية انحازت إلى جانب طرف أو آخر بناء على مصالحها".
في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى الخلافات الداخلية التي تشهدها الحركات المسلحة السياسية السودانية على غرار حركة تحرير جنوب السودان أو جبهة تحرير كردفان، وانقسامها بين فصائل اختارت الانحياز إلى الدعم السريع وأخرى إلى الجيش.
بينما حسم البعض الآخر مثل حركة العدل والمساواة في دارفور موقفه بالانحياز إلى الجيش وشاركت قوات تابعة لها في معارك خلال الأشهر الأخيرة في بعض المناطق.
غياب الاهتمام
وفي تعليقه على ضرورة حل الوضع "الذي يبدو أكثر خطورة مما يحدث في غزة" وفق تعبير الموقع الإيطالي، استنكر دي ليدو عدم الاهتمام الكافي بما يحدث في السودان.
وقد تسبب الصراع في أزمة إنسانية غير مسبوقة وخلف أكثر من 15 ألف قتيل وما لا يقل عن 8.8 ملايين نازح، بينما يموت آلاف الأشخاص، بينهم الأطفال، جوعا.
وبحسب المحلل الإيطالي، لا توجد "حالات طوارئ (أ) أو (ب). وضع سكان السودان سيئ مثل ما يحدث في غزة، والفرق هو أن معاناة الفلسطينيين منقولة للجميع، في حين يقل الاهتمام الإعلامي بما يحدث في إفريقيا، مما يعكس ترتيب الأولويات لدى الحكومات الغربية".
وبحسب تعبيره، يحتاج الغرب "لحل الأزمات حول العالم، إلى قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية لا يملكها، ويمكننا أن نرى ذلك في أوكرانيا وفي غزة، وفي الكارثة التي عمت منطقة الساحل".
وأضاف "لا نملك كل الأدوات اللازمة للتدخل إذا لم نتحدث مع دول أخرى، الصين ودول الخليج وما إلى ذلك".
وبحسب زعمه "بذل الغرب ما في وسعه لحل الأزمة المتواصلة في دارفور منذ عقود، لكن الأدوات لم تكن كافية. هناك أصحاب مصلحة وطبقة سياسية محلية نحتاج إلى التحدث معها".
ويتوقع أن يكون "الوضع أسوأ على نحو متزايد من الناحية الإنسانية ما لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق ويتم الاستجابة لبعض من مطالب دقلو".
وشدد بالقول "باختصار، مفاتيح الأزمة السودانية بين أيدي اللاعبين المحليين ويمكن للغرب أن يحاول دفعهم إلى التفكير عقلانيا، وحث البرهان على تقديم بعض التنازلات لحميدتي".
إلا أنه يرى أن الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق للخروج من الأزمة "هي إشراك الجهات الفاعلة الأخرى التي أصبحت أكثر تأثيرا منا في إفريقيا".
وحذر من استمرار العنف إلى أن تُستنزف الأطراف المتحاربة وينفذ ما لديها من أسلحة وذخائر وذلك في صورة عدم التوصل إلى اتفاق بين البرهان ودقلو وما لم يستسلم أحد الطرفين، مستبعدا تحقق أي من هذه الاحتمالات في هذه المرحلة في ظل الظروف الحالية.