إقالة محافظ البنك المركزي في ليبيا.. ما تأثيره على الوضع الأمني؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

يتوقع أن تتفاقم التوترات في ليبيا بعد إقالة المجلس الرئاسي الليبي في 18 أغسطس/آب 2024، محافظ المصرف المركزي “الصديق الكبير”.

ويزداد الحديث عن غياب الاستقرار خاصة في ظل التحركات العسكرية المريبة للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في الآونة الأخيرة غرب ليبيا.

وفي تعليقه عن تطورات المشهد الليبي، وصف معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي “مناورات قوات حفتر على الحدود مع الجزائر والصراع من أجل السيطرة على البنك المركزي بالمثيرة للقلق”.

وحذر من إمكانية أن يحدث تصعيد في أي لحظة وأن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار مجددا.

وقال إن "ليبيا لا تجد السلام بعد مرور 13 عاما على سقوط العقيد معمر القذافي وهي اليوم منقسمة، وبشكل أساسي، مهملة على نحو أكبر من قبل الأجندات الرئيسة للسياسات الخارجية". 

وفي الأسابيع الأخيرة، أثار تحشيد قوات حفتر نحو غرب ليبيا في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار 2020، توترات في الغرب ومخاوف في الجزائر المجاورة.

البنك المركزي

تأتي هذه التحركات العسكرية في مرحلة تتسم بالفعل بالتوترات بين الأطراف المتصارعة على إثر إقالة سلطات طرابلس، مقر حكومة المعترف بها أمميا، محافظ البنك المركزي الليبي، الصديق الكبير.

وبحسب مرسوم صادر عن المجلس الرئاسي، عُين محمد عبد السلام الشكري محافظا جديدا للمصرف المركزي خلفا للصديق الكبير.

واشترط الشكري، وجود توافق بين مجلسي النواب و"الأعلى للدولة" لتفعيل قرار تكليفه، وذلك عقب توتر شهدته العاصمة طرابلس.

وقال إن "قرار مجلس النواب رقم 3 في 2018 صدر بتكليفي بمهام محافظ مصرف ليبيا المركزي وأديت القسم القانوني تبعا لذلك".

وأضاف: "ومنذ ذلك الحين تجرى تجاذبات ومماحكات سياسية ما بين الجهتين المختصتين بذلك (مجلسي النواب والدولة) والتي تشترط الاتفاقات السياسية توافقهما بهذا الشأن".

وتابع: "وحفاظا على المؤسسة النقدية من التشظي وتأثر سمعتها أمام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم (..) تركت الجمل بما حمل، رغم اتصالات كثيرة للتمكين بطرق لا تتوافق مع مبادئي وعقيدتي".

وأضاف: "تاريخي المهني والوظيفي وأخلاقي لا تسمح لي بالمطلق أن أكون جزءا من هذا العبث".

وبدوره، رفض "الكبير" تسليم المنصب، كما رفض القرار كل من مجلسي النواب و"الدولة" بحجة صدوره من "جهة غير مختصة".

ومساء 22 أغسطس، احتشدت كتائب مسلحة موالية للمجلس الرئاسي لاقتحام البنك المركزي، في ظل وجود كتائب أخرى مناصرة للمحافظ الصديق الكبير تحمي المكان.

ويعود الخلاف بشأن محافظ البنك إلى سبتمبر/ أيلول 2014، حيث صوت أعضاء مجلس النواب بالأغلبية على قرار إقالة الصديق الكبير من منصبه.

وفي يناير/ كانون الثاني 2018 أصدر مجلس النواب قرارا بتكليف محمد الشكري محافظا، إلا أن رئاسة المجلس أصدرت قرارا بإيقاف العمل به مع عودة تكليف الصديق الكبير.

ويعمل البنك المركزي حاليا تحت إشراف المحافظ الصديق الكبير، ونائبه مرعي البرعصي، دون مجلس إدارة مكتمل، الأمر الذي دفع بمجلس النواب في 20 أغسطس لإعلان فتح باب الترشح لتشكيل مجلس إدارته خلال 10 أيام.

تدهور أمني

وفي نفس سياق التوترات، قالت القائم بأعمال المبعوث الأممي لدى ليبيا ستيفاني خوري في إحاطة أخيرا أمام مجلس الأمن إن الوضع تدهور في ليبيا خلال الشهرين المنصرمين بسرعة من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية بوجه عام.

وانتقدت بأن الأفعال الأحادية من قبل الجهات السياسية والعسكرية والأمنية زادت من التوترات ورسخت الانقسام وعقدت حلول التوصل إلى تفاوض.

وأشارت إلى يوم التاسع من أغسطس الذي شهد تحركات قوات حفتر نحو جنوب غرب البلاد ما أدى إلى تحشيدات عسكرية في الغرب والتأكيد على الاستعداد للرد على أي هجوم.

وأضافت أن قوات حفتر وضحت هدفها فيما بعد بتأمين الحدود في جنوب غرب البلاد، لكنه ولد التوترات في الغرب وزاد من المشاغل لدى الجزائر.

وبينت أن هذه الأنواع من التحركات الأمنية الأحادية لا تقتصر على قوات الشرق بقيادة حفتر، ولكن تحدث أيضا بين قوات الغرب والجماعات المسلحة.

وذكرت أن قوات تابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة تحركت في 23 يوليو/تموز باتجاه الغرب، ما أدى إلى تحشيدات عسكرية لقوات حفتر وجماعات أخرى مسلحة في المنطقة.

من جانبه، أعلن صدام نجل خليفة حفتر، والذي يلعب مع شقيقه بلقاسم دورا نشطا، أن التحركات العسكرية في الغرب تهدف فقط إلى "تأمين الحدود وتعزيز الأمن القومي". 

وقد انخرطت قوات حفتر في الأيام الأخيرة أيضا في عمليات على الحدود مع تشاد والنيجر، وهي منطقة تتميز بأنشطة استخراج الذهب وتهريبه.

ووصف معهد الدراسات الإيطالي خريطة القوة في ليبيا اليوم بالمعقدة للغاية، إذ تتقاطع فيها بشكل أكبر الجهات الفاعلة والمصالح السياسية والعسكرية. 

لا سيما أن البلاد منقسمة بين طرفين متصارعين، حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، المعترف بها دوليا، والتي تدعمها تركيا وقطر وفي صفها المجلس الأعلى الدولة والمجلس الرئاسي، من ناحية.

 ومن ناحية أخرى، مجلس النواب في طبرق وما يسمى بحكومة الاستقرار الوطني، بقيادة رئيس الوزراء المكلف في مايو/أيار 2023 أسامة حماد خلفا لفتحي باشاغا.

مستقبل قاتم

 ومع ذلك، يتفق المحللون والمراقبون الدوليون على حقيقة أن مؤسسات الشرق ليست أكثر من مظلة سياسية تكمن خلفها السيطرة الحقيقية على المنطقة للجنرال حفتر ومليشياته، كما أنه يعد مقربا جدا من روسيا.

وللخروج من المأزق السياسي، أطلق المبعوث الأممي السابق عبدالله باتيلي مطلع عام 2023، مبادرة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال العام.

إلا أن الخطة باءت بالفشل واستقال الدبلوماسي خلال العام 2024 تاركا القيادة المؤقتة للبعثة الأممية في ليبيا للأميركية خوري.

وأردف المعهد الإيطالي أن الانقسام السياسي في ليبيا بات جليا على إثر قرار السلطات في طرابلس من جانب واحد إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي، وهي خطوة مفاجئة من المرجح أن تزيد من تأجيج التوترات في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. 

ويعد مصرف ليبيا المركزي إحدى المؤسسات القليلة التي عملت حتى الآن كجسر بين الشرق والغرب ما جعل من الكبير شخصية رئيسة. 

وعلى الرغم من أن البنك يقع في طرابلس، كما هو الحال بالنسبة لحكومة الدبيبة، إلا أن الطرفين الليبيين المتصارعين عملا مع المحافظ السابق للحفاظ على عائدات النفط ودفع رواتب القطاع العام بانتظام.

وراء هذه الخطوة، يلمح المعهد الايطالي إلى احتمال توتر العلاقات وتدهورها بين الكبير والدبيبة. 

ويشرح بأنه وفقا لبعض الفرضيات، كان الكبير في الواقع يخشى صدور قرار إقالته، ولهذا السبب بات "أقرب" إلى مجلس نواب طبرق ومن خلفه حفتر.

ويرى أن الصراع السياسي امتد إلى المؤسسة التي تمكنت بشكل أو بآخر، من خلال إدارة عائدات النفط والغاز، من التوافق مع الجميع.

وجزم أن حالة الهدوء النسبي التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الأربع الماضية لا ينبغي أن تدفع إلى التفكير في تحقق السلام النهائي تدريجياً في البلاد على الرغم من غياب اشتباكات كبيرة بين غرب وشرق البلاد منذ هجوم قوات حفتر على طرابلس عام 2019، مستبعدا إعادة توحيد البلاد. 

ويعتقد أن هناك مشكلتين رئيستين يواجههما سكان الغرب والشرق، تفاقمتا خلال السنوات الأربع الماضية وهما ارتفاع معدل الفساد والعسكرة. 

وتابع أنهما عاملان جعلا ليبيا دولة مافيا تهيمن عليها نخب سياسية وعسكرية لا تخدم إلا مصالحها الخاصة ولا تولي أي اهتمام للتوصل إلى اتفاق.

وفي سياق متصل، حذر معهد الدراسات الإيطالي من التقليل من عامل وجود ما يقرب من 1800 من المرتزقة الروس من فاغنر شرق البلاد لدعم حفتر.