مالية أم سياسية.. لماذا شهدت قوائم انتخابية سنية بالعراق انسحابات مشبوهة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد الساحة السياسية السنية في العراق، انسحابات لافتة من قوائمها الانتخابية قبيل أيام من إجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية)، في حالة لم تشهدها غيرها من القوى سواء الشيعية منها أو الكردية، وذلك وضع علامات استفهام عدة عن هذه الحالة الفريدة.

ويشارك المكون السني في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، بأربعة قوائم رئيسة، هي، "السيادة" برئاسة خميس الخنجر، و"الحسم" بقيادة وزير الدفاع ثابت العباسي، و"تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، و"العزم" برئاسة النائب مثنى السامرائي.

وتنضوي أيضا قوائم صغيرة باسم المحافظة ذاتها، تتبع القوائم الكبيرة هذه، مثل تحالف الأنبار المتحد، الذي يعود إلى تحالف الحسم، وقائمتي الرماح، وقمم التابعتين لتحالف تقدم.

سلسلة انسحابات

منذ بدء الحملات الانتخابية في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، وحتى 12 ديسمبر، أي قبل إجراء الانتخابات بأسبوع واحد، انسحب 18 مرشحا ضمن القوائم السنية الأربعة الرئيسة، والأخرى الصغيرة التابعة لها، ولا سيما في محافظات الأنبار ونينوى، وديالى، وكركوك.

وتوزع المرشحون المنسحبون بين القوائم السنية الرئيسة والتابعة لها بالشكل الآتي، تسعة من تحالف الحسم، وأربعة من تحالف تقدم، وخمسة من تحالف العزم، ومرشح واحد من تحالف السيادة.

ومن الأسباب التي علل بها بعض المرشحين انسحابهم هو "غياب الرؤية الواضحة والأهداف الحقيقية وحرصا على الاستمرار بخطى واضحة وتجنيب المُحافظة المخاطر والفتن"، حسبما جاء في بيان المرشح عن تحالف "تقدم" مهند المعيد اللهيبي في 10 ديسمبر.

 

وفي 8 ديسمبر، أعلن رعد عبد الستار سليمان الدليمي انسحابه من قائمة "الحسم" لانتخابات مجالس المحافظات، موضحا أن السبب جاء "لحسابات وظروف منعته من الاستمرار في هذه الانتخابات".

ومن الأسباب التي صرح بها المنسحبون أيضا، أن ذلك جاء لـ"انعدام الرؤى لدى هذا القائمة والأهداف الحقيقية، إضافة إلى حرص المرشح على مصلحة الأنبار و استقرارها"، حسبما جاء في بيان المرشحة عن تحالف "العزم" وسن السعدي في 8 ديسمبر.

لكن القيادي في تحالف "العزم" بمحافظة الأنبار فارس الفارس، قال لموقع "المطلع" العراقي في 9 ديسمبر إن "مرشحا ضمن التحالف تم شراء ذمته من أحد سراق المال العام والمتنفذين، بمبلغ قدره مليارا دينار عراقي (نحو 1.52 مليون دولار)".

وطالب تحالف الأنبار المتحد (التابع لتحالف الحسم)، من مُرشَحين اثنين انسحبا من صفوفه، بإعادة أموال الحملات الانتخابية التي خصصت لهما طيلة مدة الترويج الانتخابي، وذلك حسب وثيقة رسمية وجهها التحالف عبر القضاء إلى المنسحبين منه في 11 ديسمبر.

ولم يصدر عن تحالفي "العزم" و"تقدم" أي تعليق بخصوص أسباب الانسحابات التي جرت بين صفوفه، فيما كان تحالف السيادة الأقل نسبة من بين باقي القوائم في موضوع انسحاب المرشحين.

"قنابل موقوتة"

وبخصوص أسباب تزايد حالات انسحاب المرشحين من القوائم الانتخابية وتحديدا السنية منها قبل أيام من إجراء الانتخابات، قال مصدر سياسي عراقي، إن "الحرب مستعرة بين القوى ووصلت إلى حد الإغراءات بالأموال مقابل مغادرة القائمة وإفشالها بالمدينة الفلانية".

وأوضح المصدر لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن "قوى سياسية زجت بمرشحين في قوائم منافسة، وجعلتهم بمثابة القنابل الموقوتة، التي تفجّر موضوع انسحابها في وقت حرج يسبق العملية الانتخابية بأيام، لضرب خصومها وإظهارهم أمام الجمهور بأنهم قوائم ضعيفة ينفض عنها المرشحون".

وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي إن "المرشحين يجري تصنيفهم إلى ثلاث فئات (أ، ب، ج) وتركز القائمة على الفئة الأولى بشكل أكبر من غيرها من ناحية تمويلها، والترويج الدعائي لها، ثم تأتي الفئتان الأخيرتان بعدها".

وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن "مرشحي فئتي (ب، ج) يشعرون بغبن كبير، ما دفع الكثير منهم للانسحاب وعدم المشاركة في الانتخابات، حتى لا يكونوا مجرد سلال صغيرة تجمع أصواتا لمرشحين آخرين أتوا بأصوات أعلى داخل القائمة، وهم غالبا من فئة (أ)، الذين تركز عليهم القوائم".

ولفت إلى أن "العديد من المرشحين استجابوا أيضا لمغريات مالية قدمت لهم من قوائم أخرى لإخراجهم من المنافسة ودعم مرشح آخر من أبناء القبيلة ذاتها التي كان يريد تمثيلها، وخصوصا في محافظة الأنبار، وادعى البعض منهم أنه حفاظا على عدم تشتت أصوات قبيلته".

وأشار المهداوي إلى أن "الانسحابات لم تخل من ضغوطات سياسية وربما حتى أمنية على عدد من المنسحبين، وبالتالي فضلوا عدم الاشتراك في الانتخابات".

خفض الثقة

الانسحابات في بعض القوائم بدأت في وقت مبكر سبقت انطلاق الحملات الدعائية بأكثر من شهر، وتحديدا في مرحلة ما قبل غلق باب تسجيل المرشحين لدى مفوضية الانتخابات في 13 أغسطس/ آب 2023، إذ قرر العديد منهم ترك كتلهم السياسية، والدخول مع أخرى.

وفي هذا الصدد، رأى رئيس "مركز التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري، أن ظاهرة الانسحابات رغم أنها حق مشروع لأي مرشح لأسباب عامة أو خاصة، لكن جرى "اعتمادها كجزء من إستراتيجية إضعاف أو استهداف القوائم المنافسة".

وأوضح الشمري لموقع "ألترا عراق" في 25 أغسطس، أن "هذه الإستراتيجية تعتمد على خفض مستوى الثقة بالقائمة التي تشهد انسحابات، حيث إن الناخب سيتأثر حتما، خصوصا إذا كان للمنسحب امتداد جماهيري أو له مقبولية، مما سيضعف حظوظ هذه القائمة".

وأضاف الشمري أن "جزءا من دوامة التنافس السياسي شهد اعتماد لعبة الانسحابات، وهو أن يتم زرع أحد المرشحين في إحدى القوائم من قبل قائمة منافسة، ومن ثم يكون هناك تفجير من الداخل للقائمة وإضعافها من خلال إستراتيجية الانسحاب".

وعن سبب تركز هذه الظاهرة في "القوائم السنية"، أوضح الشمري أن "القوى الشيعية والكردية ثابتة وجمهورها ثابت، وهي تركز في عملية اختيار المرشحين والمنضمين إليها أيضا، وهذا يضيق مساحة الانسحابات، لكنه لا يعني عدم وجود انسحابات فيها".

ولفت الشمري إلى أن "التنافس الكبير على الزعامة السنية وظهور قوى جديدة منافسة للقوى التقليدية جميعها أسباب أدت إلى نشاط هذه الظاهرة في القوى السنية".

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق  في 13 أغسطس، عن تسجيل 50 تحالفا، ونحو 300 حزب، لخوض انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 ديسمبر 2023.

وأظهرت بيانات المفوضية أن أكثر التحالفات عددا ستتنافس في بغداد بـ18 تحالفا، تأتي بعدها الأنبار بـ17، وأقلها في محافظتي ميسان وصلاح الدين بـ10 تحالفات انتخابية.

ووفق القانون رقم 4 لسنة 2023 التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات والأقضية، رقم 12 لسنة 2018، يجري توزيع المقاعد لمجالس المحافظات حسب عدد السكان، والبالغة 15 باستثناء مُحافظات إقليم كوردستان.

وتملك مجالس المحافظات بحسب الدستور، صلاحيات واسعة فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة.

وتتولى مجالس المحافظات المنتخبة- التي تعد بمثابة برلمانات مصغرة- مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المُخصصة للمحافظة من الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد.