قبيل الانتخابات الأوروبية.. لماذا تراجعت شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا"؟
"حزب البديل من أجل ألمانيا ينتقل من استفزاز إلى آخر"
ضربة قاسية تلقاها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، بتراجع شعبيته قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة خلال يونيو/ حزيران 2024 بعد تصرفات أثارت الجدل.
ويطمح حزب البديل من أجل ألمانيا "AfD"، الذي أصبح ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا، إلى تحقيق مكاسب سياسية جديدة ضمن مشروعه للصعود أمام "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" بزعامة المستشار أولاف شولتس.
وجاءت هذه الثقة، بعدما انتقل معظم الناخبين من "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" إلى "حزب البديل من أجل ألمانيا" خلال الانتخابات التشريعية الألمانية الأخيرة عام 2021.
وقد أعطت هذه النتائج حزب "البديل من أجل ألمانيا" دفعة قوية للحصول على مقعد في البرلمان الأوروبي خلال الانتخابات المقرر إجراؤها في الفترة من 6 إلى 9 يونيو 2024، بما يعزز حظوظه الداخلية.
حزب منبوذ
إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" "AfD" جرى طرده في 23 مايو/ أيار 2024 من مجموعته الأوروبية "الهوية والديمقراطية" في البرلمان الأوروبي بعد سلسلة من الفضائح التي أضرت بشعبيته وجعلته منبوذا.
ووصلت التوترات القائمة منذ فترة طويلة بين الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية إلى درجة الغليان بعد منتصف مايو 2024 عندما قال المرشح الرئيس لحزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الأوروبية، ماكسيميليان كراه، لصحيفة إيطالية إن "أعضاء قوات الأمن الخاصة النازية ليسوا بالضرورة مجرمين".
وفي أعقاب تلك التعليقات، قالت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، التي كان حزبها التجمع الوطني ينتمي إلى نفس تجمع حزب البديل من أجل ألمانيا، إنها لم تعد ترغب في الجلوس مع الحزب.
وقد صوتت قيادة مجموعة الهوية لصالح طرد حزب البديل من أجل ألمانيا، قبل توجه ملايين الأشخاص إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الأوروبية.
وقالت لوبان للتلفزيون الفرنسي بعد التصويت: "حزب البديل من أجل ألمانيا ينتقل من استفزاز إلى آخر"، واستدركت قائلة إن الحزب "يخضع بشكل واضح لسيطرة الجماعات المتطرفة".
وكانت الفضيحة الكبرى، حينما كشف تحقيق استقصائي في يناير/ كانون الثاني 2024 أن سياسيين من الحزب الألماني شاركوا في اجتماع سري للمتطرفين اليمينيين بمدينة بوتسدام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تمت فيه مناقشة ما يسمى بخطط "إعادة الهجرة" لترحيل الأجانب والمواطنين "غير المندمجين".
وبعد انتشار أنباء الاجتماع، قالت لوبان إنها "في خلاف تام" مع خطط الترحيل.
وشهدت ألمانيا موجة من المظاهرات لأكثر من أسبوع بعد نشر التحقيق الاستقصائي، لا سيما أنه خلال هذا الاجتماع، ناقش المشاركون خططا لإعادة المهاجرين طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يرون أنهم لم يتم دمجهم بما يكفي، حتى أولئك الذين يحملون جوازات ألمانية.
وعقب ذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة "إنسا" لأبحاث الرأي لصالح صحيفة "بيلد" الألمانية، ونشرت نتائجه في 23 يناير 2024 تراجعا هو الأكبر منذ عامين في شعبية "حزب البديل".
وبحسب الاستطلاع تراجع تأييد حزب "البديل من أجل ألمانيا" من 23 بالمئة، ليصل إلى 21.5 بالمئة.
وتعقيبا على نتائج استطلاع الرأي بعد المظاهرات نقلت وسائل إعلام ألمانية عن رئيس مجموعة "إنسا"، هيرمان بينكرت، قوله إن المظاهرات "أظهرت تأثيرها".
ووفقا لبيانات صحيفة "بيلد" فإن نتيجة هذا الاستطلاع تمثل “أكبر تراجع للبديل من أجل ألمانيا منذ نحو عامين".
انتكاسة حاسمة
لكن العديد من الفضائح المحيطة بحزب البديل من أجل ألمانيا كانت تدور حول المرشح الرئيس للحزب، ماكسيميليان كراه.
ففي أبريل/ نيسان 2024 ألقت الشرطة الألمانية القبض على أحد مساعدي كراه البرلمانيين بسبب تهمة “التجسس لصالح الصين”.
وبعد فترة وجيزة، بدأ المدعون العامون الألمان تحقيقات أولية حول قبول كراه مدفوعات من روسيا والصين "مقابل عمله كعضو في البرلمان الأوروبي".
وتورط مرشح آخر عن “حزب البديل من أجل ألمانيا” في مخطط للحصول على المال مقابل النفوذ يشمل منفذا دعائيا مؤيدا لروسيا.
وعقب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 تراجعت العلاقة بين موسكو والاتحاد الأوروبي وقد فرض الأخير عقوبات على روسيا ودعم كييف بالسلاح والمال للدفاع عن الأراضي الأوكرانية.
وقد أقر الاتحاد الأوروبي في مايو 2024 رسميا استخدام أرباح أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لتسليح أوكرانيا.
وقد جمد الاتحاد نحو 200 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي، التي حجزها التكتل في إطار العقوبات المفروضة على موسكو لهجومها على جارتها أوكرانيا.
وأمام ذلك، فقد أسهمت الفضائح المتكررة في تراجع شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا.
وأعلن "كراه" في 22 مايو 2024 أنه سيوقف حملته الانتخابية ويتنحى عن مجلس قيادة حزبه.
ولكن رغم أن العديد من قادة حزب البديل من أجل ألمانيا ينظرون في الوقت الراهن بوضوح إلى كراه بصفته عائقا، فقد فات الأوان لإزالته من الاقتراع بصفته المرشح الرئيس للحزب.
وقال عضوا البرلمان الأوروبي من حزب البديل من أجل ألمانيا، كريستين أندرسون وجونار بيك، إن حزبهما في برلمان الاتحاد الأوروبي "يدفع ثمن تصريحات كراه الخارجة عن السيطرة، والتي تضر بالحزب في ألمانيا وتعزله في الاتحاد الأوروبي".
ويرى المراقبون أن حزب البديل من أجل ألمانيا بعد هذه الانتكاسة، "لن يكون قادرا على إعادة ترتيب أمور الانتخابية لدى الناخبين في ألمانيا” بعد سلسلة الفضائح تلك.
لا سيما أن محكمة ألمانية قضت في 13 مايو 2024 بالاشتباه رسميا في أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو "حزب متطرف".
وتعني هذه الخطوة، التي تؤيد حكم المحكمة الابتدائية الذي طعن فيه الحزب، أن أجهزة المخابرات يمكنها الاستمرار في مراقبة أنشطة حزب البديل من أجل ألمانيا واتصالاته.
ضرب الشعبية
وتأسس حزب البديل من أجل ألمانيا عام 2013 كمجموعة متشككة في الاتحاد الأوروبي تعترض على عمليات إنقاذ اللاجئين التي يدعمها الاتحاد الأوروبي لجنوب أوروبا.
وطغت على مؤسسيه من المتشككين في أوروبا الذين عقدوا العزم على الظهور كبديل للحزب الديموقراطي المسيحي الذي تتزعمه أنجيلا ميركل، شخصيات متطرفة مثل بيورن هوكه رئيس الحزب في تورينغن شرق ألمانيا.
وقد تمكنت هذه الشخصيات من فرض رؤيتها المناهضة للمهاجرين، وصولا إلى حد إظهار بعضها الحنين إلى الماضي النازي.
ولكن مع ارتفاع أعداد اللاجئين بعد عام 2015 في ألمانيا حيث يوجد نحو مليون من اللاجئين السوريين وحدهم راهنا في هذا البلد، تحول حزب البديل إلى “قوة مناهضة للهجرة حادة وأكثر تطرفا”.
واليوم، تتبنى الكتل المؤثرة داخل حزب البديل من أجل ألمانيا معتقدات قومية عرقية تحدد أي شخص لديه تراث مهاجر على أنه "ليس ألمانيا بشكل صحيح" - حتى لو كان يحمل الجنسية الألمانية.
وهذه النقطة، تثير تخوفا وفق المراقبين على مستقبل البلاد التي بات يسهم اللاجئون فيها في قطاعات اقتصادية كثيرة.
وبسبب تجربة ألمانيا من الدكتاتورية والقمع في القرن العشرين، هناك عقبات قانونية كبيرة أمام مراقبة الدولة لأي حزب سياسي.
لكن المحكمة في مونستر قضت بوجود سبب للاعتقاد بأن "جزءا كبيرا على الأقل من حزب البديل من أجل ألمانيا" يهدف إلى "منح المواطنين الألمان ذوي الخلفية المهاجرة فقط وضعا مخفضا من الناحية القانونية".
وبعبارة أخرى، تشتبه المحكمة في رغبة أجزاء كبيرة من حزب البديل من أجل ألمانيا في إنشاء مجتمع من مستويين، حيث يتمتع الأشخاص الذين يحكم عليهم بأنهم "ألمان عرقيا" بحقوق أكثر من الأشخاص الذين جاءت أسرهم في الأصل من الخارج، وهذا، وفقا للدستور الألماني، “سيكون تمييزا غير قانوني”.
ولهذا مثل قرار المحكمة الصادر، ضربة لحزب البديل من أجل ألمانيا، كما أن الحكومة الحالية تعده “انتصارا”.
وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر، إن "حكم محكمة مونستر يظهر أننا ديمقراطية يمكن الدفاع عنها".
وأضافت أن “هذا يظهر أن الدولة الألمانية لديها الأدوات اللازمة لحماية الديمقراطية من التهديدات الداخلية”.
وبما أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحتل المركز الأول في استطلاعات الرأي في بعض المناطق الألمانية، فإنه يسعى على المدى القصير للدخول في ائتلاف حاكم إقليمي، وعلى المدى الطويل يسعى للدخول في الحكومة الوطنية.
ولهذا فإن الانتخابات الإقليمية المقبلة في ثلاث ولايات كبيرة شرق ألمانيا المقررة في سبتمبر/ أيلول 2024 تشكل أهمية بالغة لحزب البديل لقياس مدى قدرته من خلال النتائج على تشكيل ائتلافات مستقبلية.
وضمن هذا السياق، قال ماتيو غالار مدير الدراسات في معهد "إيبسوس" المتخصص في الدراسات السياسية وتحليل استطلاعات الرأي بباريس لوكالة الصحافة الفرنسية في 25 مايو 2024، إنه "من المستحيل تماما أن يصل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى السلطة في العام 2025... حتى لو حقّق نتائج جيدة لأنه لن يكون لديه حلفاء لتشكيل ائتلاف".
لهذا فإن مجموع الضربات التي تلقاها حزب البديل من أجل ألمانيا، لن تقود إلى تنفير الناخبين المعتدلين منه، وفق المراقبين، ولكن أيضا من خلال إثارة المناقشة حول حظر الحزب تماما.
ولسنوات ظهرت المناقشات حول الحظر بشكل منتظم، لكن من الناحية القانونية، سيكون الأمر صعبا أيضا، ويستغرق وقتا طويلا، وربما ترفضه المحكمة الدستورية.
ولكن مع كل فضيحة جديدة يتورط فيها حزب البديل من أجل ألمانيا، تتزايد الدعوات من جميع الأحزاب الرئيسة للتحقيق فيما إذا كانت هناك على الأقل أسباب كافية للمحاولة في ذلك.