تطهير عرقي.. لماذا يشارك "هندوس" الهند في العدوان الإسرائيلي على غزة؟

منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور أسبوع فقط من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أكدت تحقيقات صحفية أن المئات من الهنود الهندوس استجابوا لنداء الجيش الإسرائيلي وتوجهوا للمشاركة في إبادة القطاع الفلسطيني.

ومع استعار العدوان، بدأ هندوس يتظاهرون في الهند ويعلنون تأييدهم لإسرائيل ويدعمون الإبادة الجماعية لأهالي غزة، بل وذهب بعضهم إلى سفارة الكيان في الهند لإعلان دعمهم للعدوان، وطالبوا بمنحهم الجنسية الإسرائيلية وتسليمهم أسلحة حتى يقاتلوا من وصفوهم بـ"الإرهابيين" في غزة.

رحلة مستأجرة

ويرجع تعاطف وتقارب هندوس الهند مع يهود إسرائيل، لوجود تناغم بين فكرتي الحركة الصهيونية والهندوسية المتعصبة (هندوتفا) المتمثلة في الحزب الحاكم "بهاراتيا جاناتا" بشأن العداء للمسلمين، والسعي لإقامة دولة "يهودية" وأخرى " هندوسية" خالصة في كل من إسرائيل والهند، بدون وجود المسلمين والعرب داخلها.

وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وهو قومي هندوسي متطرف يقود "بهاراتيا جاناتا" من أوائل من هاجم ما أسماه "الهجمات الإرهابية" في إسرائيل، وتعهد "بالتضامن مع إسرائيل في هذا الوقت العصيب".

وبحسب صحيفة "إنديا توداي" الهندية في 16 أكتوبر 2023، التحق أكثر من 200 شخص من الهنود المولودين في الهند بجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر.

وقالت إنهم من الجالية اليهودية الذين يعيشون في الهند، وخاصة في ولايتي مانيبور وميزورام، وبعضهم سبق لهم الخدمة في لواء "جولاني".

ونقلت الصحيفة عن إسحاق ثانجوم، المدير التنفيذي لشركة "ديجيل ميناشي" التي تقوم بنقل هؤلاء الشباب للمشاركة في إبادة غزة، أنه يوجد حوالي 85 ألف يهودي من أصل هندي في إسرائيل، وأنهم يتركزون في اللد والرملة، قرب تل أبيب.

فيما قال عضو الجالية اليهودية الهندية والناشر المقيم في دلهي، روبن إسرائيل، لـ"إنديا توداي" أن الموجودين حاليا من اليهود في الهند 4 آلاف فقط.

بالمقابل، أكدت صحيفة "ذا هندو" في 13 أكتوبر، أن الهند أطلقت "عملية أجاي" لتسهيل عودة هنود من إسرائيل كانوا يعملون هناك، وأن "رحلة مستأجرة نقلت 212 من إسرائيل إلى الهند".

وسبق أن وقعت إسرائيل والهند عام 2023 اتفاقا للسماح لأكثر من 40 ألف هندي بالعمل في دولة الكيان المحتل في قطاعي التمريض والبناء، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 18 يناير/كانون الثاني 2024.

ولا يعني هذا أن من ذهبوا للقتال في غزة لصالح جيش الاحتلال هم فقط من "يهود" الهند، فقد ذهب هندوس أيضا لسفارة إسرائيل للتطوع، كما أوضحت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 31 أكتوبر.

وعدت بعض الجماعات القومية الهندوسية ما يحصل لغزة "فرصة لحمل السلاح وقتل المسلمين الذين يعادونهم في الهند، وتجمعت مجموعات منهم خارج السفارة الإسرائيلية في دلهي، لعرض خدماتها لمحاربة شعب غزة". 

 

 

وكان من بينهم رئيس حزب "هندو سينا"، فيشنو غوبتا، الذي قال إنه كان من بين 200 رجل تطوعوا في الجيش الإسرائيلي، مضيفا أن "ثقته قد عززها مودي".

فيما تحدث "المرصد الهندي لحقوق الإنسان" في 5 يناير 2024 عن مقتل 4 جنود هنود خلال مشاركتهم في الحرب على غزة مع جيش الاحتلال كمرتزقة.

وذكر المرصد أن "215 هنديا يقاتلون مع جيش الاحتلال منذ أكتوبر 2023".

"شيطنة" المسلمين

وفي بث مباشر على موقع "يوتيوب"، شرح أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا، خالد أبو الفضل، سبب قتال القوميين الهندوس إلى جانب الجيش الإسرائيلي في غزة بأنه لـ"الاستمتاع بقتل المسلمين".

UCLA Law Professor Dr. Khaled Abou El Fadl: Indian Hindu Nationalist Are Fighting Alongside the Israeli Army in Gaza for the Joy of Killing Muslims; Israel Screened Pornography on Palestinian TV – Because It Makes People Think of Martyrdom Less pic.twitter.com/KdiWrEEE9Z

— MEMRI (@MEMRIReports) January 16, 2024

وقال أبو الفضل في إحدى خطبه إن "الهندوس يتطوعون للقتال في الجيش الإسرائيلي ليستمتعوا بقتل المسلمين وينقلون رسائل لمسلمي الهند أنهم سيفعلون ذلك بهم".

وأضاف: "يحتفي القوميون الهندوس صراحة بما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، ويرون أن ذلك يعطيهم دروسا في كيفية تنفيذ هذا التطهير العرقي لاحقا مع المسلمين".

وتابع: "إنهم يقولون سنرسل الهندوس ليقاتلوا مع اليهود، ولنغتصب ونقتل ونغتال، لأن هذا ما نعتزم فعله بالمسلمين الهنود"، ويؤكدون أن "هذا هو بالضبط ما سنفعله بالمسلمين في الهند وكشمير".

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن "القوميين الهندوس المتطرفين استغلوا الحرب لصالحهم، ونشروا سيلا من المعلومات الكاذبة والخطابات المعادية للإسلام على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأشارت إلى أن الحزب الهندوسي الحاكم (بهاراتيا جاناتا) تعمد في نفس يوم بدء عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة نشر رسالة معادية للمسلمين على منصة "إكس" يزعم فيها أن "ما تواجهه إسرائيل اليوم، عانت منه الهند بين عامي 2004 و2014".

ويقصد بذلك قيام 10 مسلحين من كشمير بالهجوم على فنادق ومطعم سياحي ومحطة القطارات الرئيسة ومركز يهودي في مومباي بين 26 و29 نوفمبر 2008، ما أدى إلى مقتل قرابة 160 هندوسيا.

واتهمت الهند حينئذ جماعة "عسكر الطيبة" المتمركزة في كشمير وباكستان بتدبير الاعتداءات بدعم من الجيش الباكستاني، لكن إسلام أباد نفت ذلك، فيما استغل الهندوس الواقعة للزعم بأن المسلمين "يريدون قتلهم".

لهذا جاء في رسالة الحزب الحاكم وهو يدعم عدوان إسرائيل على غزة عبارة "لن نسامح أبدا، لن ننسى أبدا"، مصحوبة بمقطع فيديو يعرض صورا لهجمات مومباي 2008.

What Israel is facing today, India suffered between 2004-14. Never forgive, never forget… pic.twitter.com/QJsit0KZab

— BJP (@BJP4India) October 7, 2023

وردت الصحفية الهندية المسلمة وكاتبة العمود في صحيفة "واشنطن بوست"، رنا أيوب، على بيان الحزب الهندوسي الحاكم، مؤكدة أن هدفه من بيان دعمه لإسرائيل هو "شيطنة" المسلمين في الهند.

وأكدت في مقال نشرته في 29 نوفمبر 2023 أن "الرسالة كانت واضحة، وهي سعي حكومة مودي لشيطنة السكان المسلمين البالغ عددهم 220 مليون نسمة، لأسباب انتخابية حيث ستجرى الانتخابات العامة 2024".

وتروج صفحات وسائل التواصل الموالية للحكومة لمقاطعة شاملة للمسلمين "حتى لا يتمكنوا من تنفيذ عمليات ضد الهندوس"، ويشبهونهم بـ"الفلسطينيين المشتبه في قيامهم بالتجسس لصالح حماس عندما كانوا يعملون في إسرائيل".

بينما تحث رسائل واتساب الهنود على التصويت لمودي بصفته "السبيل الوحيد لتجنب مثل هذه العمليات مستقبلا".

ففي أعقاب الهجمات الشهيرة في 11 سبتمبر 2001 ، ظهر مودي، الذي كان حينها أحد كبار الموظفين بحزب "بهاراتيا جاناتا"، في برنامج حواري بعنوان "الكفاح الكبير" لانتقاد وسائل الإعلام الهندية لعدم حديثها عن "الإرهاب الإسلامي".

واختار مودي اقتباسات منتقاة بعناية من القرآن حول الجهاد ليربط الإسلام بالإرهاب، وبعد بضعة أشهر، كانت ولاية جوجارات التي كان مودي حاكمها، مسرحا لمذبحة جرت عام 2002 وقُتل فيها أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين.

هندوس مع "الإبادة"

على غرار المظاهرات المنددة بالعدوان والإبادة الإسرائيلية بغزة، التي اندلعت في العواصم الغربية والدول الإسلامية، خرجت مسيرات احتجاجية في الهند أغلبها لمسلمين، وكانت المفاجأة هي منع الحكومة لها.

وأصبح مسموحا للهندوس بالتظاهر لدعم إسرائيل خاصة أمام سفارة الاحتلال والمطالبة بقتل الفلسطينيين في غزة، بالمقابل تمنع الشرطة أي مظاهرة تؤيد الفلسطينيين بشكل صريح، كما أوضحت وكالة "أسوشيتدبرس" في 8 نوفمبر 2023.

ومنعت السلطات الهندية أيضا أي احتجاج تضامني في كشمير ذات الأغلبية المسلمة، وطلبت من الدعاة المسلمين عدم الحديث عن غزة في خطبهم، حسبما قال السكان والزعماء الدينيون للوكالة الأميركية.

وقال عمر فاروق، أحد زعماء المعارضة المسلمين في كشمير للوكالة: "نحن مجبرون على التزام الصمت".

وأضاف أن السلطات الهندوسية تفرض عليه "الإقامة الجبرية" وتمنعه من الخروج كل يوم جمعة لإلقاء خطبة الجمعة منذ بدء العدوان على غزة، كما تمنع صلاة الجمعة في أكبر مسجد بالمنطقة في سريناعار بولاية جامو وكشمير.

وعقب محللون على ذلك بقولهم إن ذلك يعكس التحول في السياسة الخارجية الهندية في عهد رئيس الوزراء الشعبوي المتطرف مودي بعيدا عن دعمها الطويل الأمد للفلسطينيين.

وفي ظل العلاقات الوثيقة بين الحكومتين المتطرفتين في إسرائيل والهند، وتبادل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومودي الزيارات، أدانت دلهي عملية "طوفان الأقصى" وأعربت عن تضامنها مع إسرائيل.

كما امتنعت الهند عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار "وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة"، مؤكدة وقوفها بجانب العدوان الإسرائيلي، بحجة أن قرار الأمم المتحدة لم يدن عملية "طوفان الأقصى".

وقالت صحيفة "الغارديان" في 31 أكتوبر 2023 إن حكومة المتطرف مودي وحزبه الهندوسي لم يكتفيا بالوقوف خلف إسرائيل في إبادتها لغزة، بل أعطت أوامرها للجان الإنترنت الهندوسية لاستغلال الحادث لتشويه المسلمين.


 

ونقلت عن الصحفي أزاد عيسى، مؤلف كتاب "أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل" أن هذه الخلايا الهندوسية بدأت تروج لمقولة "كلانا (أي اليهود والهندوس) ضحايا الإرهاب الإسلامي!".

وبدأت حسابات مدققي الحقائق الهنديين على الإنترنت، في ملاحظة طوفان من المعلومات المضللة التي تستهدف فلسطين والتي نشرتها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الهندية، والتي تضمنت قصصا مزيفة عن الفظائع التي ارتكبها الفلسطينيون وحماس ضد الإسرائيليين.

وأوضحت أن الهدف من هذه الأكاذيب التي ظل الهندوس يتداولونها ملايين المرات، وكلها قصص صهيونية وهندوسية كاذبة، "تشويه صورة المسلمين في الهند".

أسباب متعددة
 

كما بدأت مجموعات "فيسبوك" المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا في نشر رسالة مفادها أن "حماس تمثل نفس التهديد الإسلامي الذي يواجه الهند في منطقة كشمير المضطربة ذات الأغلبية المسلمة".

وحثت الرسائل التي تم تداولها على نطاق واسع عبر تطبيق واتساب الهندوس على تسليح أنفسهم ومقاطعة المسلمين.

وجاء في هذه الرسائل: "في المستقبل، يمكن أن تواجه الهند أيضا مؤامرات وهجمات مثل إسرائيل، لا يمكن استبعاد احتمال تعرض النساء الهندوسيات للعنف كما فعلت حماس مع الإسرائيليات!!".

كما شقت نفس الروايات المضللة التي تستهدف شيطنة مسلمي الهند مستغلة غزة، طريقها إلى بعض القنوات الإخبارية المثيرة للجدل في الهند.

وقال المذيع اليميني المتشدد على قناة تلفزيون الهند الرسمي، أرناب جوسوامي، للمشاهدين: "نفس التفكير الإرهابي الإسلامي الجهادي المتطرف الذي أصبحت إسرائيل ضحية له، نحن نتعرض له، وإسرائيل تخوض هذه الحرب نيابة عنا جميعا".

من جانبه، أشار الأستاذ الهندي المتخصص في الدراسات الإسرائيلية، خينفراج جانجي، في مقال نشرته بصحيفة "هآرتس" العبرية في 8 نوفمبر 2023 إلى وجود استقطاب في الهند بين المسلمين الداعمين لحماس وغزة، والهندوس الداعمين لإسرائيل.

وقال جانجي: "رغم حصول إسرائيل على دعم قوي من الحزبين السياسيين الرئيسين، بهارتيا جانتا والمؤتمر الوطني الهندي، تغذي حرب غزة التوترات بين الهندوس والمسلمين في الهند".

ودفع هذا الانقلاب في الموقف التاريخي الهندي، الذي بدأ مع تولي حكومة مودي المتطرفة الحكم عام 2014، من دعم فلسطين إلى دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، صحيفة "ذا دبلومات" الأميركية للتساؤل في 6 نوفمبر 2023، "ما الذي تغير؟"

وأشارت إلى أسباب كثيرة ومتعددة الأوجه، بدءا من ظهور القومية الهندوسية في الهند وهدف القوميين الهندوس في فرض السيادة الهندوسية الدائمة على المسلمين، وسعي الحكومة للحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة بأي ثمن.

وأشارت إلى سبب آخر هو أن الهند تشتري من إسرائيل ما قيمته حوالي 2 مليار دولار من الأسلحة كل عام، وهو ما يشكل أكثر من 30 بالمئة من إجمالي صادرات إسرائيل من الأسلحة.