"لن أذهب إلى كانوسا".. لماذا يرفض الرئيس الجزائري زيارة فرنسا؟
"هناك أقلية حاقدة في فرنسا تعرقل أي تقدم في ملف الذاكرة التاريخية بين الجزائر وفرنسا"
"لن أذهب إلى كانوسا".. هكذا رد الرئيس الجزائري المنتخب حديثا لولاية ثانية عبد المجيد تبون في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 على سؤال بخصوص مصير زيارته المعلنة سابقا إلى فرنسا هذا الخريف.
وهذا التعبير أطلقه المستشار الألماني بسمارك في نهاية القرن التاسع عشر، ويعني "طلب المغفرة"، ويشير إلى ما أُجبر عليه الإمبراطور الألماني هنري الرابع، في القرن الحادي عشر، عندما ذهب إلى مدينة كانوسا الإيطالية، ليطلب من البابا غريغوري السابع رفع الحرمان الكنسي عنه.
ولم يزر تبون فرنسا منذ أن تولى الرئاسة في 2019، وكانت أول زيارة له إلى باريس مقررة بداية مايو/ أيار 2023.
لكن الزيارة أُرجئت إلى يونيو/ حزيران 2023، قبل أن تتأجل إلى خريف 2024، أي بين نهاية سبتمبر/ أيلول أو بداية أكتوبر/ تشرين الأول.
وشهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا فتورا من جديد، بعد أن أعلنت باريس في نهاية يوليو/تموز الماضي دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية.
في المقابل تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي ترفض الحكم الذاتي، وتدعو إلى منح سكان الصحراء حق تقرير المصير.
ومسلطة الضوء على تصريحات تبون حول رفضه زيارة فرنسا، ذكرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن الرئيس الجزائري يعد زيارة فرنسا ستمثل "إهانة" له.
وبخلاف تدهور العلاقات بين الجزائر وباريس إثر دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، أشار تبون إلى مسألة الاستعمار الفرنسي، مقدرا أن الجزائر تعرضت "لإبادة جماعية" خلال الحقبة الاستعمارية.
"لن أذهب إلى كانوسا"
تبدأ المجلة الفرنسية تقريرها بنقل تصريح تبون في مقابلة تلفزيونية، يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، الذي قال فيه "لن أذهب إلى كانوسا".
وفي هذا الصدد، تلفت المجلة إلى أن هذا التعبير كان قد شاع استخدامه من قبل المستشار الألماني بسمارك في نهاية القرن التاسع عشر، إذ يعني الذهاب إلى كانوسا "الذهاب لطلب المغفرة".
جدير بالذكر هنا أن هذا التعبير يشير إلى الحادثة التي اضطر فيها الإمبراطور الألماني هنري الرابع في القرن الحادي عشر للذهاب إلى مدينة كانوسا الإيطالية ليتوسل إلى البابا غريغوريوس السابع لرفع الحرمان الكنسي الذي فرضه عليه.
وكرد فعل على ما قاله الرئيس الجزائري، تفاعل الكثيرون مع تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث كتب أحدهم أن "تشبيه الرئيس نفسه بهنري يجعله في موقف ضعف لا قوة".
وكتب آخر أنه "يظن العبارة التي رددها رئيس الجزائر خلال لقائه بالصحافة الوطنية عبارة جيدة وفي صميم الكلام ولب الموضوع حول العلاقات الجزائرية الفرنسية وكيف تكون".
وعلى جانب آخر، يرى البعض أن استخدامه لذلك التعبير يعني "عدم استسلامه للضغوط الخارجية ورفضه تقديم تنازلات".
زيارة مؤجلة
وبالحديث عن العلاقات الثنائية، تشير المجلة إلى أن زيارة الرئيس الجزائري لفرنسا، والتي أُجلت باستمرار منذ مايو/ آيار 2023، كانت مقررة أخيرا بين نهاية سبتمبر/ أيلول وبداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
لكن العلاقات بين الجزائر وباريس عادت لتصبح متوترة بعد إعلان باريس، في نهاية يوليو/ تموز 2024، دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية بشأن إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين الرباط والجزائر.
حيث استدعت الجزائر على الفور سفيرها، وقصرت تمثيلها الدبلوماسي فقط على القائم بالأعمال.
وخلال المقابلة التلفزيونية، في إطار حديثه عن الاستعمار الفرنسي وقضية الذاكرة التاريخية، رأى الرئيس الجزائري أن "الجزائر كانت قد اختيرت للاستبدال الكبير الحقيقي الذي تمثل في طرد السكان المحليين لجلب سكان أوروبيين، وذلك من خلال مذابح إبادة جماعية".
وقال عبد المجيد تبون أيضا: "لا أقبل الأكاذيب حول الجزائر، لقد كنا حوالي أربعة ملايين نسمة، وبعد 132 عاما، بالكاد وصلنا إلى تسعة ملايين. وهذا نتاج تلك الإبادة الجماعية".
"أقلية حاقدة"
ومواصلا حديثه، أكد الرئيس الجزائري: "نحن نطالب بالحقيقة التاريخية"، متهما "أقلية حاقدة" في فرنسا بعرقلة أي تقدم في ملف الذاكرة التاريخية، بحسب ما ورد عن "جون أفريك".
وفيما يتعلق بقضية التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، ذكرت المجلة أن عبد المجيد تبون وجه رسالة إلى فرنسا قال فيها: "تريدون أن نكون أصدقاء؟ إذن تعالوا ونظفوا مواقع التجارب النووية".
وفي هذا الصدد، تذكرنا المجلة الفرنسية أنه بين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في عدة مواقع في الصحراء الجزائرية.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت وثائق رُفعت عنها السرية في عام 2013 عن "تداعيات إشعاعية مازالت كبيرة، تمتد من غرب إفريقيا إلى جنوب أوروبا".
ومن ناحية أخرى، أشار عبد المجيد تبون خلال تصريحاته إلى الاتفاق الفرنسي الجزائري لعام 1968، والذي يمنح الجزائريين وضعا خاصا فيما يتعلق بحقوق التنقل والإقامة والعمل في فرنسا.
معتبرا أن هذا الاتفاق أصبح "راية تسير خلفها جحافل المتطرفين" من اليمين في فرنسا، الذين يسعون إلى إلغائه.
وبهذا الشأن، توضح المجلة أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2023، رفضت الجمعية الوطنية الفرنسية نصا يطالب السلطات الفرنسية بإدانة الاتفاق.
جدير بالذكر أن الاتفاق وُقع في عام 1968، عندما كانت فرنسا بحاجة إلى أيدٍ عاملة لاقتصادها، حيث استُثني الجزائريون من القوانين العامة المتعلقة بالهجرة.
ومنذ ذلك الحين، بحسب ما تقوله المجلة، يمكن للجزائريين الاستقرار بحرية في فرنسا لممارسة نشاط تجاري أو مهنة مستقلة.
كما أن لهم الحق في الحصول على تصريح إقامة لمدة عشر سنوات بشكل أسرع من مواطني الدول الأخرى.