وزير خارجية ومدير استخبارات.. لماذا يسعى نجل ترامب لإبعاد بومبيو عن البيت الأبيض؟
“ضغط بومبيو للحفاظ على سرية الوثائق المتعلقة بتورط الاستخبارات المركزية في اغتيال جون كينيدي”
بينما يختار الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، أركان إدارته الجديدة، تبرز أصوات متزايدة تطالب باستبعاد، مايك بومبيو، من الإدارة الجديدة المستقبلية، رغم أنه شغل في إدارة ترامب السابقة منصبي مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ثم وزير الخارجية.
وترى هذه الأصوات أن وجود بومبيو في الحكومة المقبلة قد يشكل تهديدا للمسار الذي يسعى ترامب لتحقيقه، في ظل مواقفه المثيرة للجدل وسياساته التي أثارت تحفظات عدة.
تمزيق العباءة
وفي مقال نشره موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي، قال المحاضر في جامعة "إرميت" الأسترالية، بينوي كامبمارك، إن "الدور الذي لعبه بومبيو في الفترة الأولى لترامب، سيظل مرتبطا إلى الأبد بالحقد الذي أظهره في استهداف مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج".
ووصف كامبمارك "أسانج -الناشر الذي أزعج بومبيو إلى حد الهوس وأثار فيه جنونا لا حدود له- بأنه كان بمثابة الكابوس المستمر لوزير الخارجية الأميركي السابق".
وأوضح أن "أسانج نشر كميات ضخمة من الوثائق السرية التي كشفت عن خفايا الفوضى والتجاوزات والجوانب الأكثر قتامة في الإمبراطورية الأميركية".
وأضاف أنه "عندما نشر ويكيليكس ملفات (CIA Vault 7)، الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مارس/ آذار 2017، والتي كشفت عن مجموعة أدوات قرصنة تستخدمها الوكالة، فقد بومبيو توازنه".
ولفت كامبمارك إلى أن "موظفي الوكالة كانوا يعتقدون أنهم محصنون ضد مثل هذه التسريبات، على عكس نظرائهم الأقل استقرارا في الخارجية والبنتاغون".
واستدرك: "لكن تقرير ويكيليكس حول وكالة الاستخبارات المركزية ربما أثار بعض العقول البيروقراطية داخل الحكومة لتحسين أدائها".
فقد كشفت ويكيليكس عن "العديد من الإخفاقات المستمرة لوكالة الاستخبارات المركزية"، وهو خلل سمح لأحد موظفي الوكالة بسرقة 180 غيغابايت من المعلومات، فيما وصف بأنه "أكبر فقد للبيانات في تاريخ الوكالة".
ومضى كامبمارك في التأكيد على الحاجة الملحة للإصلاح، مشددا: "يجب أن نهتم بتأمين أنظمتنا بقدر ما نهتم بتشغيلها إذا أردنا إحداث التغيير الثوري اللازم".
واستطرد: “مع ذلك، تنظر جميع البيروقراطيات إلى كشف إخفاقاتها على أنه خيانة، بصفته انتهاكا يمزق عباءة السرية السميكة التي تفرضها”.
وتابع: "الأهم من ذلك كله، أن مثل هذه الفضائح تُظهر المسؤولين في كثير من الأحيان بمظهر المتعثّرين، غير المؤهلين، وغير المستحقين لمناصبهم".
روح الانتقام
وقال كامبمارك إن "بومبيو، مدفوعا بروح الانتقام ومفعما بالكراهية، أطلق حربا شعواء ضد المُسرِّبين ومن يدعمهم، ساعيا لاتخاذ إجراءات أكثر حدة ضد ويكيليكس".
ففي خطابه الذي ألقاه في أبريل/نيسان 2017 أمام مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، وصف ويكيليكس لأول مرة بأنها "جهاز استخباري معادٍ وغير حكومي"، وهو تصنيف فتح المجال لاتخاذ إجراءات أكثر تشددا ضد مؤسسة نشر.
وأشار بومبيو ضمنيا إلى أن "الولايات المتحدة، عبر قنواتها المختلفة، ستلاحق ويكيليكس بفعالية وعدائية، بصفتها جماعة متمردة تخضع لتأثير قوى أجنبية".
وتابع كامبمارك: "حتى إن بومبيو أطلق إشارات مبطنة توحي بأن أسانج لن يتمكن من الاستفادة من الحماية الكبيرة التي يوفرها ما يسمى (التعديل الأول) الذي يحمي الصحفيين، حيث قال: إنه لا يتمتع بالحريات التي يوفرها له التعديل الأول، فهو يجلس في سفارة بلندن، وليس مواطنا أميركيا".
وأردف بأن "مع مرور الوقت، بدأ تداول مصطلح مشبوه يهدف إلى تقويض -إن لم يكن إلغاء فكرة حماية الصحافة في أروقة عالم التجسس- وهو مصطلح يصف الصحفيين بأنهم (سماسرة المعلومات)".
وفي التقرير المثير الذي نشره موقع "ياهو نيوز"، في سبتمبر/أيلول 2021، وصف أحد المسؤولين السابقين في الأمن القومي الأميركي، بومبيو ورؤساء الوكالات الاستخبارية الأخرى بأنهم "منفصلون تماما عن الواقع، وأنهم كانوا في غاية الإحراج بعد نشر ملفات CIA Vault 7".
وأفاد كامبمارك بأنه "في غضون أشهر، شرعت أجهزة الاستخبارات الأميركية في تتبع اتصالات وتحركات أفراد ويكيليكس المستهدفين، مع تكثيف الجهود لمراقبة أسانج صوتيا ومرئيا".
وبعد عدة أشهر من إعلان نواياه بشأن ويكيليكس، أدان بومبيو "نشوء ظاهرة تقديس إدوارد سنودن، ومن يسرقون الأسرار الأميركية بدافع التفاخر أو المال أو أي دافع آخر"، وفق وصفه.
وسنودن هو موظف سابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، اشتهر عام 2013 بعد تسريبه لعدد كبير من الوثائق السرية التي كشفت عن برامج المراقبة الجماعية التي تنفذها الوكالة بالتعاون مع وكالات استخباراتية أخرى حول العالم.
وقال كامبمارك: "سواء بوسائل تقليدية أو غير تقليدية، كان ناشر ويكيليكس، الذي كان حينها لاجئا سياسيا في سفارة الإكوادور بلندن، مستهدفا بتسليمه إلى الولايات المتحدة لمحاكمته، أو في حال تعذر ذلك، اختطافه أو اغتياله".
وبموجب صفقة إقرار بالذنب، أدين أسانج في نهاية المطاف بتهمة واحدة بموجب قانون التجسس، تتعلق بالتآمر للحصول على معلومات الدفاع الوطني والكشف عنها.
وكما كشف تقرير "ياهو نيوز"، الذي يستند إلى مقابلات مع أكثر من 30 مسؤولا أميركيا سابقا، فقد اقتُرحت عدة سيناريوهات بإيعاز من بومبيو.
وتضمنت المناقشات إمكانية أخذ أسانج من سفارة الإكوادور بطرق غير قانونية، وفقا لعقيدة العمليات الهجومية للاستخبارات المضادة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA).
وكشف ثلاثة مسؤولين عن مناقشات في اجتماعات مختلفة تناولت احتمال اغتيال أسانج، وقد تدخل محامو مجلس الأمن القومي في بعض الأحيان "لفرض قيود قانونية على هذا الجنون المحموم"، وفق الكاتب.
عودة ترامب
وقال كامبمارك: "مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الذي استفادت حملته بشكل كبير من شخصيات متعاطفة مع جهود أسانج في النشر، تركزت الأنظار مجددا على بومبيو".
وتساءل: "هل سيعود الشخص الذي أصبح الآن أكثر رشاقة (وقد تباهى في 2022 بفقدانه 90 رطلا خلال ستة أشهر) ليشغل منصب وزير الدفاع؟".
وأجاب كامبمارك بأن المذيع السابق في قناة "فوكس نيوز" الأميركية، تاكر كارلسون، قال "سيبذل كل ما بوسعه لمنع ذلك".
وأوضح أن “كارلسون حرص على الوصول إلى إذن ترامب خلال الحملة الانتخابية لتذكيره بالسجل السيئ لبومبيو”.
فقد أشار مقال نُشر مؤخرا في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إلى جهود كارلسون في تقويض سمعة بومبيو.
وجرى تسليط الضوء على بعض سمات المحافظين الجدد التي يحملها بومبيو، مثل ميله إلى إثارة الحروب وهاجسه تجاه "أسانج" والمؤامرة المدروسة لاغتياله.
وبحسب كامبمارك، فقد انضم ترامب جونيور، الابن الأكبر للرئيس المنتخب، إلى هذه الجهود، محذرا من أن إعادة أمثال بومبيو إلى دائرة الحكم ستقيد حرية والده".
وتابع: "لم يكن مقال (وول ستريت جورنال) مثيرا للدهشة، إذ إن هذه ليست المرة الأولى التي يعبّر فيها كارلسون عن استيائه من بومبيو بشكل علني".
فخلال مقابلة في برنامج تلفزيوني في أبريل/ نيسان 2024، صرح قائلا: "بصفته مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، خطط (بومبيو) لاغتيال أسانج، لذا، بالنسبة لي، هو مجرم".
وتحدث كارلسون أيضا عن تلقيه مكالمات تهديد من محامي بومبيو بعد حديثه عن ملفات جون كينيدي في برنامجه على قناة فوكس نيوز.
وقال: "اتصل بي محاميه وقال، كما تعلم، يجب أن تعرف أن أي شخص يخبرك بمحتويات الوثائق السرية قد ارتكب جريمة".
وفي رأي كارلسون، فقد "ضغط" بومبيو على الرئيس للحفاظ على سرية الوثائق المتعلقة بتورط وكالة الاستخبارات المركزية في اغتيال الرئيس الأسبق، جون كينيدي.
وأكد كامبمارك أن “رواية كارلسون عن محامي بومبيو بخصوص الوثائق السرية تتماشى تماما مع نظرة بومبيو نفسه في مسألة السرية”، مشددا على أن "العمل جارٍ على إبعاد بومبيو عن الساحة".