إعادة تشكيل التجارة العالمية.. فرص سلطنة عمان في اقتحام المشهد

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حظيت جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2025، بين ممالك الخليج، السعودية وقطر والإمارات، باهتمام واسع، لكن القائمة خلت من سلطنة عُمان، التي رغم ذلك تظل شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة.

ورغم أن حجم التبادل التجاري بين واشنطن ومسقط يظل أقل بكثير مقارنة بالإمارات مثلا، إلا أن الاتجاهات الاقتصادية والجيوسياسية على المدى البعيد تصب في صالح توسع الأعمال الأميركية، إلى جانب الاستثمارات في مجالي الدفاع والطاقة.

اغتنام فرصة

واستعرض "المجلس الأطلسي" الأميركي العوامل التي تجعل من السلطنة "الحصان الأسود في الخليج"، مؤكدا أنها تستطيع اغتنام فرصة إعادة تنظيم التجارة العالمية.

وقال المجلس في تقرير كتبه الباحث نيك آدامز: "مع بروز مراكز لوجستية كبرى مثل ميناء الدقم، وبتقدير عُمان واحدة من أربع دول إقليمية فقط تتمتع باتفاقية تجارة حرة مع واشنطن، تبدو السلطنة مهيأة لجني ثمار إعادة تشكيل التجارة العالمية".

هذا فضلا عن "تعزيز موقعها كشريك موثوق للولايات المتحدة في منطقة ما تزال تكافح تهديد الإرهاب، وتؤثر جوهريا في تنافس القوى الكبرى، وتعمل على الحد من سلوك إيران المزعزع للاستقرار"، وفق المجلس.

وتابع: "عند مقارنتها ببعض جيرانها، تمتلك عُمان احتياطيات أقل بكثير من النفط والغاز الطبيعي، وقد تبنّت تاريخيا سياسة خارجية أكثر توازنا، بدلا من استضافة أعداد كبيرة من القوات الأميركية كما في قطر والبحرين".

ورغم استمرار عُمان في المناورة بمهارة داخل بيئة إقليمية متعددة الأقطاب عبر سياسة خارجية مستقلة، فإنها تبقى في الوقت نفسه منسجمة بدرجة كبيرة مع المبادرات الدفاعية والأمنية الأميركية في المنطقة، وفق التقرير.

فالمناورات العسكرية المشتركة، مثل "خنجر حاد" التي أجريت آخر مرة عام 2023، ومشاركة عُمان في "القوات البحرية المشتركة"، تعزز قابلية التشغيل البيني بين القوات الأميركية والعمانية، وتوفر قدرات بحرية أساسية لمواجهة القرصنة والاعتداءات في مضيق هرمز الإستراتيجي.

سلطنة عُمان كانت أيضا عضوا ثابتا في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة، ولعبت دورا مهما كمضيف في المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، ونجحت في التوسط لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين في مايو/أيار 2025.

والجدير بالذكر أن "الاتفاقية الإطارية" لعام 2019 أتاحت توسيع وصول الولايات المتحدة إلى ميناءي الدقم وصلالة، ما وفر للبحرية الأميركية مرافق لإعادة تجهيز وصيانة السفن الحربية في منطقة ذات أهمية إستراتيجية، وهو ما يبرز دور عُمان كمركز لوجستي رئيس لحلفائها وشركائها.

وتابع التقرير: "بالإضافة إلى دوره كمرفق بحري حيوي للولايات المتحدة، يلعب ميناء الدقم دورا متزايد الأهمية في تعزيز الوزن الاقتصادي لعُمان وجهودها المتعلقة برؤية عُمان 2040".

ويبرز إعلان الاستثمار الأخير بمبلغ 550 مليون دولار من شركة "إنفستكورب" البحرينية -الذي سيركز على توسيع الميناء وإضافة البنية التحتية البحرية- أهمية الميناء المتزايدة ليست فقط للشراكات العسكرية بل أيضا لفرص التنمية الاقتصادية.

كما يتيح هذا الاستثمار إنشاء مصنع صناعي لإنتاج المعادن الحديدية منخفضة الكربون والفولاذ العامل بالهيدروجين، بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040 لإنتاج الفولاذ الأخضر وتنمية البنية التحتية المستدامة.

ويأتي هذا الإعلان الاستثماري إلى جانب دعم البنك الدولي، الذي منذ 2019 حشد 1.2 مليار دولار من خلال وكالة ضمانات الاستثمار متعددة الأطراف في المنطقة الاقتصادية الخاصة لميناء الدقم.

رؤية عُمان 

علاوة على ذلك، تتقدم عُمان في تطوير الهيدروجين الأخضر كجزء من رؤية 2040، حيث من المقرر أن تكون بها خمسة من أكبر عشرة مصانع هيدروجين منخفض الكربون في الشرق الأوسط جاهزة للعمل بحلول 2030، ما يوفر حلول طاقة إضافية لدعم زيادة النشاط الاقتصادي المحتمل.

وقال المجلس: "نظرا لهذه الاستثمارات الكبيرة، وجهود عُمان لتنويع اقتصادها، وموقعها الإستراتيجي، واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فإن هذا البلد الخليجي الصغير في موقع متميز لتعزيز دوره الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة بشكل كبير".

"كما يواصل مناخ الاستثمار الأجنبي في عُمان التحسن، لا سيما مع إقرار قانون الاستثمار برأس المال الأجنبي، الذي يسمح بالملكية الأجنبية الكاملة في معظم القطاعات ويلغي متطلبات الحد الأدنى لرأس المال السابقة".

وتوفر هذه التغييرات -بحسب التقرير- فرصا مماثلة لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، التي تسمح للشركات الأميركية بتأسيس أعمال وامتلاكها بالكامل دون الحاجة إلى شريك محلي.

هذا بدوره يمنح أقصى قدر من المرونة للشركات والمستثمرين الراغبين في الاستفادة من سوق عُمان المتنامي، خاصة في مجالات الطاقة والمعادن، بما يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040.

وتأتي هذه الفرص أيضا في وقت ارتفع فيه الاستثمار الأميركي في شركات التكنولوجيا الناشئة بنسبة 47 بالمئة على أساس سنوي، فيما تسعى إدارة دونالد ترامب لتعزيز تخفيف القيود وقيادة الولايات المتحدة في قطاعات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا.

وأوضح التقرير أن "هذا التوافق في المصالح يخلق فرصا كبيرة لعُمان، التي تجد نفسها عند مفترق تاريخي من الأهمية التجارية والاقتصادية والتكنولوجية والجيوسياسية".

"لا سيما مع الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة من قبل صناديق الثروة السيادية، في منطقة ما زالت أساسية للأسواق والاستقرار العالميين، وللشركات الأميركية الراغبة في العمل هناك".

علاوة على ذلك، ستعزز إصلاحات السوق المستمرة في عُمان الاهتمام الاقتصادي من الشركات حول العالم، بما في ذلك تلك التي تستثمر بالفعل في السعودية أو الإمارات، نظرا للإصلاحات المواتية للأسواق وتعميق أسواق رأس المال، وفق التقرير.

وقد أسست شركات الأسهم الخاصة الكبرى، مثل "بلاك روك"، حضورا في الإمارات، مما يبرز الاهتمام بالمنطقة، خصوصا في الدول التي يتميز فيها الوصول إلى الأسواق بالسهولة.

تعاون دفاعي

ويرى المجلس أن "الشركات الأميركية ستكون في وضع جيد إذا بنت على العلاقات الاقتصادية القائمة، والثقة التي تشكلت على مدى عقود من التعاون الأمني والدبلوماسي، وبيئة الأعمال المتنامية الإيجابية للاستفادة من المكانة المتصاعدة لعُمان في المنطقة".

بالإضافة إلى ذلك، قد تجد شركات تكنولوجيا المناخ الأميركية، التي قد تواجه بيئة استثمارية أقل ملاءمة في الولايات المتحدة، فرصا استثمارية ونموا أفضل في عُمان نظرا للتركيز على الطاقة المتجددة.

في حين أن الشركات المتخصصة في التصنيع المتقدم والطاقة والخدمات اللوجستية، والتي تبحث عن سبيل لدخول أسواق الخليج العربي، قد تجد أن توسعة ميناء الدقم توفر أرضية خصبة للاستثمار، وفق التقرير.

ولم يفت المجلس ذكر التعاون الدفاعي أيضا، فقال: "أخيرا، يمكن لاتفاقيات الإنتاج الدفاعي المشترك مع عُمان، على غرار تعاون شركة (لوكهيد مارتن) مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية في السعودية، أن تدر فوائد اقتصادية كبيرة لشركات التكنولوجيا الدفاعية الأميركية، مع تزويد واشنطن ومسقط بمعدات دفاعية تُلبي احتياجاتهما في بيئة أمنية لا تزال مُعقّدة".

وقال المجلس: "بينما يواجه العديد من الدول حول العالم حالة من الضبابية في القطاع الاقتصادي، ظلت عُمان شريكا ثابتا للولايات المتحدة على الصعيدين الدفاعي والاقتصادي".

"ومع بيئة أعمال أكثر ملاءمة، وموقع إستراتيجي، ورغبة في جذب استثمارات دولية إضافية، فإن عُمان في موقع يمكنها من أن تصبح لاعبا رئيسا في صياغة مستقبل الخليج العربي"، بحسب المجلس.

وختم قائلا: "بالنسبة للشركات الأميركية وصناع السياسات، لم يعد السؤال ما إذا كانت عُمان ستلعب دورا أكبر، بل ما إذا كانت الولايات المتحدة ستغتنم الفرصة قبل الآخرين".