المنعطف الأخير.. كيف يسير مشروع "تركيا بلا إرهاب"؟

منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الذكرى الـ954 لنصر معركة “ملاذكرد” لم يكن مجرد تصريح عابر في سياق إحياء ذكرى تاريخية، بل حمل دلالات سياسية عميقة تتصل برؤية أنقرة لمستقبلها الداخلي والإقليمي.

ونشر مركز “سيتا” التركي مقالا للكاتب، نبي ميش، ذكر فيه أنه رغم النهج المتسق وحسن النية لتركيا، تحاول بعض الأطراف الترويج لفكرة مضللة مفادها أن التحذيرات الموجهة إلى وحدات حماية الشعب /حزب الاتحاد الديمقراطي تعني "دفع الأكراد إلى أحضان إسرائيل". 

وأوضح ميش أن “دعوة أردوغان (تحصين الجبهة الداخلية) تزامنت مع طرح مشروع (تركيا بلا إرهاب)،  ليس شعارا ظرفيا بقدر ما هو إستراتيجية دولة، تعكس تحوّلا في مقاربة أنقرة لملف الإرهاب والحدود السورية”.

ووقعت معركة ملاذكرد في 26 أغسطس/ آب 1071، وتمكن فيها السلطان السلجوقي ألب أرسلان من هزيمة الجيش البيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس الرابع ديوجينيس. 

وفتح انتصار السلاجقة بقيادة ألب أرسلان الطريق أمام الأتراك للتقدم في آسيا الصغرى، التي باتت تعرف حاليا باسم تركيا، وشكل منعطفا تاريخيا في المنطقة.

المنعطف الأخير

ولفت الكاتب النظر إلى أن الخطاب التركي الأخير يمكن قراءته في مستويين أساسيين.

أولا، المنعطف الأخير مع حزب العمال الكردستاني"، فعندما يقول أردوغان: إن مرحلة التخلي عن السلاح هي "المنعطف الأخير"، فهو يشير إلى أن العملية ضد الإرهاب دخلت حيز الحسم.

والتجارب الدولية في إنهاء النزاعات المسلحة تبيّن أن لحظة "التسليم ونزع السلاح" هي المرحلة الأكثر حساسية، فإما أن تفتح الباب لتسوية تاريخية أو تؤدي إلى انهيار المسار برمته.

ثانيا، "التحذير من حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب"، فالرسالة الأخرى تحمل طابعا تحذيريا، لأن التنظيم الذي يصر على رفض الانخراط في العملية السياسية السورية، ويبحث عن رعاة جدد في إسرائيل والغرب، يُنظر إليه من أنقرة على أنه عائق أساسي أمام الاستقرار.

لذلك فقد وضع أردوغان “معادلة واضحة: من يتجه نحو أنقرة ودمشق يربح، ومن يراهن على الأجنبي يخسر”، بحسب ميش.

وأشار الكاتب إلى أنه "من المهم التوقف عند الثبات النسبي في السياسة التركية تجاه المكوّن الكردي في سوريا، فبعد سقوط النظام القديم، وجدت تركيا نفسها أمام واقع إقليمي جديد يتطلب مقاربة مختلفة تجاه المستقبل السوري". 

وكما أطلقت أنقرة مشروعها الداخلي الطموح المتمثل في بناء "تركيا بلا إرهاب"، تبنّت أيضا نهجا حسن النية تجاه سوريا الجديدة. 

فقد وجهت رسائل واضحة إلى عناصر "حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب" مفادها، التخلي عن العمل المسلح والانخراط في الإدارة السورية الجديدة، على أساس أن المستقبل لا يُبنى بالسلاح والهيمنة، بل عبر "المواطنة المتساوية" والمشاركة السياسية لجميع المكونات.

ومنذ اللحظة الأولى، لم تكتفِ تركيا بتقديم التحذيرات الأمنية، بل خاطبت القيادة السورية الجديدة بالتأكيد على أهمية إقامة نظام عادل يشارك فيه الأكراد والعرب والمسيحيون وسائر المكونات الدينية والعرقية على قدم المساواة، مع ضمان الحقوق والحريات.

وهو الموقف نفسه الذي تبنته أنقرة في عهد بشار الأسد حين طالبت بحقوق الأكراد السوريين، لتثبت بذلك أن مقاربتها ثابتة ومبنية على مبادئ لا على حسابات ضيقة، يقول الكاتب التركي.

لكن رغم هذا الثبات، تعمل بعض الأطراف على "تشويه الدور التركي"، من خلال تصوير تحذيرات أنقرة الموجهة إلى "حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب" على أنها عداء للأكراد، أو اتهامها بدفعهم نحو إسرائيل.

وقال ميش: إن “هذا الخطاب لا يعكس حسن نية، بل يهدف عمليا إلى إفشال (مسار تركيا نحو إنهاء الإرهاب)، وإضعاف مشروعها الإقليمي الرامي إلى بناء فضاء آمن ومستقر”.

وأضاف أن محاولات تسويق "حزب الاتحاد الديمقراطي /وحدات حماية الشعب" ب "حامي الأكراد" و"مدافعا عن الحقوق والحريات" تتناقض مع الواقع، إذ لم يُسمع لهؤلاء المدافعين المزعومين صوت واحد خلال سنوات الحرب الأهلية السورية، عندما تعرض المدنيون للقمع والتهجير والانتهاكات.

رؤية أنقرة

واستطرد: “اليوم، ومع طرح تركيا لرؤية تقوم على (إقليم خالٍ من الإرهاب) و(سوريا مستقرة لجميع مواطنيها)، يصبح التشكيك في نواياها بمثابة ظلم لمشروع سلام حقيقي قد يكون حجر الأساس لمرحلة ما بعد الحرب”.

وأشار ميش إلى أنه “بهذا، يظهر أن أنقرة لم تتخلَّ عن مبادئها في سوريا: حقوق متساوية، استقرار شامل، ورفض للإرهاب كوسيلة لفرض النفوذ”. 

واستدرك: “لكن التحدي الأكبر يبقى في مواجهة الحملات التي تحاول قلب هذه الرؤية إلى عكسها، خدمة لأجندات لا علاقة لها لا بحقوق الأكراد ولا باستقرار سوريا والمنطقة”.

وأكد ميش أن "اللافت هنا أن بعض الأطراف - سواء في الداخل أو الخارج - تحاول تصوير هذه السياسة التركية وكأنها (عداء للأكراد)، أو أنها تدفعهم إلى (أحضان إسرائيل)". 

ولفت إلى أن “هذه القراءة تحمل بعدا دعائيا أكثر مما تحمل واقعية سياسية، فهي تتجاهل أن تركيا قدمت منذ سنوات مبادرات لدمج جميع المكونات في العملية السياسية، وأن تحذيراتها تستهدف ممارسات تنظيم محدد، لا هوية إثنية بأكملها”.

وأردف الكاتب: “عند فحص التجربة الميدانية للتنظيم خلال الحرب السورية، تتضح التناقضات في خطابه، فبينما يقدم نفسه (حاميا للأكراد)، كان قد مارس سياسات إقصائية حتى ضد الأحزاب الكردية غير الموالية له”. 

وبالتوازي، استغل الدعم الغربي لإقامة "كانتونات" عبر القوة المسلحة، غيّر من خلالها البنية السكانية، وضغط على العشائر العربية، واستحوذ على النفط السوري لتمويل عملياته. 

وقال ميش: إن “هذه الممارسات تجعل صورة (المدافع عن الحقوق) أقرب إلى أداة سياسية من كونها حقيقة ميدانية”.

وأن "التحذيرات التركية لا تنفصل عن رؤية أنقرة لمستقبل سوريا، فهي ترى أن استمرار حزب الاتحاد الديمقراطي /وحدات حماية الشعب في سياساته يطيل أمد الفوضى ويمنع تشكل دولة سورية مستقرة".

في المقابل، فإن إدماجه في الدولة الجديدة عبر تخليه عن السلاح يمكن أن يشكّل خطوة نحو إعادة التوازن.

لكن إصرار الحزب على استثمار "استمرار الفوضى" يكشف أن رهانه الحقيقي ليس على سوريا الجديدة، بل على إبقاء حالة عدم الاستقرار ورهنها بأجندات خارجية.

وختم الكاتب مقاله بالقول: إن "أردوغان استخدم منصة ملاذكرد لتوجيه رسائل متعددة للداخل التركي لتأكيد وحدة الصف في مواجهة الإرهاب، ولحزب العمال الكردستاني بأن لحظة الحسم اقتربت، ولحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب بأن نافذة التسوية لن تبقى مفتوحة للأبد".