نزع سلاح "حزب الله".. خطوة نحو الاستقرار أم تمهيد لصراع داخلي؟

"الحكومة اللبنانية تدرك ضرورة تحقيق التوازن الداخلي لتجنب صراع أهلي جديد"
عند مفترق طرق تاريخي جديد يقف لبنان اليوم؛ إذ تتقاطع أزماته الداخلية العميقة مع تحولات إقليمية كبرى فرضها الصراع المستمر بين إسرائيل و“محور المقاومة” بقيادة إيران.
ففي بلد يقوم نظامه السياسي على التوازنات الطائفية، جاءت الحرب الأخيرة وما تلاها من أحداث محورية -أبرزها إضعاف حزب الله وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون- لتعيد رسم ملامح المشهد اللبناني وتفتح الباب أمام احتمالات.
واستعرض تقرير صادر عن "المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية" الخلفيات التاريخية والاقتصادية والسياسية التي أوصلت البلاد إلى وضعها الحالي، مسلطا الضوء على تحديات الاستقرار الداخلي وموازين القوى الإقليمية ومستقبل دور حزب الله في ظل الضغوط الدولية وخطط نزع السلاح.

تغييرات متعددة
فعلى مدار العامين الماضيين أحدث الصراع بين إسرائيل و"محور المقاومة" بقيادة إيران تغييرات عديدة في المشهد الشرق أوسطي.
ورأى التقرير أن "لبنان، نظرا للطائفية الحاكمة فيه وتعدديته المذهبية، يعدّ مرآة للديناميكيات الإقليمية".
ففي غضون عام، انخرطت البلاد في حرب جديدة، كما شهدت حدثين مهمين.
أولها، حسب التقرير، هو إضعاف حزب الله، أما الحدث الثاني المهم، فهو انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، في 9 يناير/ كانون الثاني 2025، وذلك لسد فراغ استمر منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
ولفت إلى أن هذين الحدثين "قد يشكلان مستقبل لبنان المضطرب في المستقبل القريب".
وأوضح المعهد أن الشكل المؤسسي الحالي للدولة تبلور مع الميثاق الوطني عام 1943، الذي كان بمثابة عقد تأسيسي أرسى توازن القوى القائم على الانتماء الطائفي.
فرئاسة الجمهورية لأبناء الطائفة المسيحية المارونية، ورئاسة الوزراء من السنة، في حين يتولى أحد أبناء الطائفة الشيعية رئاسة مجلس النواب.
خلفية تاريخية
ومنذ ذلك الحين، تتسم الدولة ومؤسساتها، وفق التقرير، بـ"الفساد المستشري والمحسوبية والمحاباة في توزيع السلطات والمناصب".
ولفت إلى أن "الوضع الاجتماعي الداخلي الهش، إضافة إلى التعقيدات الإقليمية، أسهم في تحول البلاد إلى ساحة صراع بين القوى الخارجية".
ورأى أن “هذا الحال كان حاضرا مع الصراع الأهلي الطويل الذي اجتاح المجتمع اللبناني بين عامي 1975 و1990”.
وأردف: "وحتى في العقود التالية، كانت بيروت، ولا تزال، مرتبطة بالتعقيد الإقليمي".
وذكر التقرير أن “اتفاقية الطائف عام 1989، التي أنهت هذا الصراع الطويل، نصّت على توزيع جديد للمواقف السياسية والاقتصادية”.
ومع ذلك، أشار إلى أن الاتفاقيات لم تحل الأزمة المالية الخطيرة التي كانت تواجهها البلاد.
بل على العكس من ذلك، أدت الحاجة لإعادة بناء البنية التحتية إلى ديون كبيرة تقدر بنحو 40 مليار دولار.
وبدءا من عام 2019، قُدِّر الدين اللبناني بما يعادل 172 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفق التقرير.
وعزا التقرير تفاقم الأزمة المالية إلى "الاختلاس المستمر للأموال العامة من قبل عناصر مختلفة من الطبقة الحاكمة، بإجمالي يقدر بنحو 144 مليار دولار".
كما نوه إلى أن الطوائف المختلفة اعتمدت دائما على ممثليها الدينيين بدلا من الدولة المركزية، فيما وُصف بـ"الكليبتوقراطية".
انتخاب الرئيس
وفي 9 يناير 2025، وبعد عامين من شغور المنصب، انتخب مجلس النواب جوزيف عون رئيسا جديدا للجمهورية.
ويتطلب انتخاب رئيس الدولة أغلبية الثلثين في الجولة الأولى (86 صوتا من أصل 128)، بينما تكفي الأغلبية البسيطة (65 صوتا مؤيدا) في الجولة الثانية، وقد حصل عون على 71 صوتا في الجولة الأولى و99 صوتا في الثانية.
وبذلك، قال التقرير: إن "عون اختير لإنجاز المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة دمج المليشيات الطائفية المختلفة في الجيش النظامي اللبناني".
وذكر أن "الحكومة الجديدة، رغم تفاؤل المجتمع الدولي، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها توزيع المناصب الوزارية، الذي يتأثر بالمحاصصة الطائفة، لا بمفهوم الكفاءة والدولة".
وتابع موضحا: "ففي ظل ميزان القوى القديم، كانت الحقيبة المالية محجوزة تقليديا لحركة أمل، وهو منصب يمنح الطائفة الشيعية نفوذا قويا على الحكومة المركزية؛ إذ تمكنها من عرقلة ميزانية الدولة".
وأردف: "وعادة ما كانت الطائفة المسيحية تسيطر على وزارة الطاقة، بينما كانت الطائفة السنية تسيطر على وزارة الاتصالات".
وأضاف: "من جهة أخرى، كان حزب الله مسؤولا عن خدمات مثل الصحة والأشغال العامة".
وفي ضوء الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها عام 2026، يرى المعهد الإيطالي أن "التحدي الداخلي الرئيس للحكومة الجديدة سيتمثل في إدارة تمثيل كل كتلة برلمانية".
وحسب التقرير "يتمثل الخطر، حال قاومت القوى التنفيذية، في إمكانية الانزلاق إلى انقسامات أو عنف جديد".
اختلال النفوذ
وإلى جانب ما سبق، لا تقل إدارة السياسة الخارجية والإقليمية تعقيدا عن الوضع الداخلي، حيث إنها ترتبط ارتباطا مباشر بالعلاقة الجديدة مع حزب الله.
وبرز الحزب كحركة تمثل الطائفة الشيعية عام 1982، في خضم صراع أهلي.
وأشار المعهد إلى أن "فقدان قيادة حركة أمل لقيادتها في ظروف غامضة، وثورة الخميني في إيران، والتدخل الإسرائيلي في لبنان، أعطى دفعة قوية لنهوض الطائفة الشيعية، في محاولة لكسر الاحتكار المسيحي السني التقليدي في لبنان".
ولاحقا، نجح حزب الله في إخضاع حركة أمل لنفوذه باتفاق دمشق عام 1990.
وأضاف التقرير أن "سردية الاستشهاد والبطولة، وهما عنصران أساسيان في المذهب الشيعي، كان لها دور حاسم في صعود نفوذ الحزب".
ولفت إلى أن "قيادة حسن نصر الله الكاريزمية وتواصله الفعال أسهما في تعزيز سردية الحزب وشعبيته إلى حد كبير".
كما أن "استشهاد ابنه، عام 1997، في اشتباك مع الإسرائيليين، أعطى دفعة كبيرة لقيادته".
وأخيرا، أعطت هزيمة القوات الإسرائيلية في إدارة جنوب لبنان، والتي حسمها انسحابها عام 1999، انطباعا بأن “الجماعة الشيعية قد نجحت فيما فشلت فيه العديد من الدول العربية”. وفق التقرير.
وتابع: "بمرور الوقت، وبفضل توفير الخدمات الاجتماعية، حولت الجماعة نفسها إلى دولة موازية حقيقية، أكثر نفوذا من الحكومة نفسها في غالبية مناطق طائفتها، خاصة الجنوب وسهل البقاع، على حدود حليفتها آنذاك سوريا".
وأردف التقرير: "وإلى جانب دمشق تمكنت من إظهار أكبر توسع لها، حيث دعمت حكومة بشار الأسد وإيران ضد تنظيم الدولة في العراق والشام".
واستدرك: "ومع ذلك، أدى هذا التحرك إلى تشتت كبير لقوات الحزب".
وفي الصراع بين الجانب الإسرائيلي والحزب خلال عامي 2023 و2024، قال التقرير: إنه شهد "اختلالا حادا في التوازن بين القوات، مما أدى إلى إضعاف كبير للجماعة، آل إلى تدمير قياداتها، بما في ذلك نصر الله نفسه".
نزع السلاح
وفي ضوء هذا الضعف، تعتزم الحكومة الجديدة في بيروت “استغلال هذه الفرصة لمحاولة إعادة دمج قوات حزب الله في الجيش النظامي”. وفق ما أورده التقرير.
وأشار إلى أن "هذه المحاولة تأتي في أعقاب الخطة الأميركية لنزع سلاح المليشيات المختلفة، والمقرر تنفيذها نهاية عام 2025".
إلا أن الحكومة اللبنانية تدرك ضرورة تحقيق التوازن الداخلي لتجنب صراع أهلي جديد، حسب التقرير.
وبتقدير أن الرئيس الجديد كان رئيس الأركان السابق في الجيش، فإن ذلك أثار شعورا بالتفاؤل في الأوساط المعنية.
لكن يتوقع التقرير أن مثل هذا الاتفاق مع حزب الله سيكون "أكثر صعوبة".
وأشار إلى "وجود ضغط عسكري قوي من إسرائيل والولايات المتحدة للقضاء على كامل القدرة العملياتية للحزب، في ظل أحاديث عن هجوم جديد محتمل للجيش الإسرائيلي".
وأضاف أن "المفاوضات مع الحزب تتطلب وقتا وضمانات أمنية".
وشدد التقرير على أن "حزب الله لا يمكنه تسليم جميع أسلحته، لأن ذلك سيعرضه لخطر فقدان نفوذه السياسي".
ولفت إلى أن "قاعدته الشعبية أكدت دعمها له من خلال مظاهرات حاشدة أوائل أغسطس/ آب 2025".
وعزا التقرير سبب هذا الإصرار والدعم إلى "الوضع الإقليمي المضطرب".