كشفتها حادثة اختفاء الباكستانيين.. كيف تحوّل العراق إلى حاضنة للعمالة الطائفية؟
السلطات الباكستانية أكدت اختفاء 50 ألف شخص في العراق
فتحت أزمة اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق خلال السنوات الماضية، باب التساؤل واسعا عن أسباب تراخي السلطات العراقية في منع الوجود غير الشرعي للأجانب.
لا سيما شيعية منهم، قَدِموا لأسباب سواء تتعلق بالسياحة الدينية، أو أخرى مرتبطة بالعمل في العديد من القطاعات.
ومع بدء كل عام هجري جديد، يستقبل العراق مئات الآلاف من شيعة العالم، لإحياء ذكرى استشهاد الحسين بن علي حفيد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في 10 محرّم، وبعضهم يمكث حتى العشرين من صفر، لحضور "الأربعينية"، أي مرور أربعين يوما على الاستشهاد.
اختفاء باكستانيين
في 25 يوليو/ تموز 2024، نقلت صحيفة "الأمة" الباكستانية، عن وزير الشؤون الدينية شودري حسين، قوله إن "عددا كبيرا من الزائرين الباكستانيين اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية".
وقال الوزير، بحسب الصحيفة إن "حكومة إسلام آباد تتخذ خطوات للتحقق من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج بوسائل غير قانونية".
وأُبلغت اللجنة الدائمة للشؤون الدينية والوئام بين الأديان في البرلمان الباكستاني أن نحو 50 ألف زائر باكستاني اختفوا في العراق حتى الآن، حسبما نقلت الصحيفة الباكستانية.
ونتيجة لذلك، اقترحت اللجنة "سياسة جديدة للرحلات إلى الأماكن المقدسة في بلدان مختلفة"، من بينها العراق، وقد جرى إرسالها إلى مجلس الوزراء الفيدرالي للموافقة عليها.
على الصعيد ذاته، كشفت صحيفة "أخبار العالم" الباكستانية، أن "جوازات سفر الباكستانيين يجرى جمعها وحجزها عند المنافذ الحدودية من العراقيين، قبل أن ينتظموا في قوافل تنقسم إلى 136 مجموعة".
وتعليقا على ذلك، أعرب وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي، أحمد الأسدي، عن امتعاضه من تزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكدا أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين، وأن هذا الأمر سيكون محل اهتمام للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم.
وقال الأسدي خلال بيان صحفي في 27 يوليو، إن "العراق شهد توافد سياح من مختلف البلدان خلال الأيام الماضية، من بينهم الباكستانيون، إلا أن العديد منهم بدأوا في الانخراط في سوق العمل دون التصاريح القانونية المطلوبة".
وأكد الوزير العراقي أن وزارته "لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين"، مشددا على "التعاون بين الجهات المعنية لضمان تطبيق القوانين واللوائح الخاصة بالعمالة لمختلف الوافدين الأجانب للبلاد".
وبحسب تعليمات وزارة الداخلية العراقية، فإن "أي شخص دخل للبلاد بطريقة مشروعة أو غير مشروعة وخالف قانون الإقامة تفرض عليه غرامة لا تزيد عن 500 ألف دينار (330 دولار)، وبشرط حضور الكفيل، الذي أدخل الوافد، لدفع قيمة الغرامة ومغادرة الأجنبي".
تراجع باكستاني
على وقع الضجة التي أحدثتها قضية الباكستانيين، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، أنها أجرت اتصالات رسمية مع الجانب الباكستاني ممثلا بوزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري سالك حسين، وأكد حدوث التباس في نقل المعلومات التي أدلى بها.
وأوضحت الخارجية العراقية خلال بيان لها في 28 يوليو، أن "ما تناقلته وسائل الإعلام بشأن اختفاء 50 ألف باكستاني غير صحيح وسنستدعي الوسيلة الإعلامية التي نشرت الخبر غير الدقيق للتحقيق في الأمر".
من جهته، علق وزير الشؤون الدينية الباكستاني سالك حسين، بتدوينة على منصة "إكس" في 27 يوليو، قائلا: "التقيت بسفير دولة العراق في باكستان حامد عباس لفتة، والذي أخبرني بتخلف 50 ألف زائر باكستاني عن العودة إلى بلادهم، وبقائهم في العراق للبحث عن لقمة العيش".
وأضاف: "بينت للسفير حرص باكستان أن يكون بقاؤهم وعملهم في العراق طبقا للقانون"، لافتا إلى أنه "جرى إخراج هذا التصريح عن سياقه، واستعماله للإساءة إلى باكستان".
وأشار إلى أن "هذا العدد (50 ألفا) هو للسنوات الماضية وليس لهذه السنة فقط"، لافتا إلى أن "هؤلاء لم يختفوا، بل تخلفوا عن العودة، وليسوا تابعين لأي جهة أو تنظيم".
وأفاد الوزير بأن "هؤلاء ذهبوا عبر جهات وشركات لغرض العمل بشكل قانوني، ولكن ما حصل أن هذه الشركات لم تفِ بالتزاماتها، بل تركتهم للمجهول في العراق".
وأردف: "طالبنا بتقنين وجود هؤلاء في العراق وتعديل أوضاعهم بما يتماشى مع القانون العراقي"، مضيفا: "سنلتقي وزير العمل العراقي ونوقع على مذكرة تفاهم بهذا الخصوص".
وأصدرت مديرية الجوازات والإقامة العراقية بعد تصريحات الوزير الباكستاني، إحصاء بأعداد من دخلوا البلاد ومن غادروها منذ بداية هذا العام.
وقالت إن88427 باكستانيا دخلوا العراق، بينما غادره 84251 ، وهذا يعني أن 4176 مازالوا داخل البلاد.
وتزامن تصريح الوزير الباكستاني باختفاء 50 ألفا من أبناء بلده في العراق، مع إعلان الشرطة العراقية اعتقال 6 أشخاص من الجنسية الباكستانية في إحدى مناطق العاصمة بغداد يهددون المواطنين وينفذون أعمال نهب.
تغلغل طائفي
يشير موضوع تسرب عشرات آلاف الباكستانيين الشيعة داخل العراق بطريقة غير شرعية، إلى التغلغل الأجنبي على أساس طائفي في البلد، والذي يجرى بتراخٍ متعمّد من السلطات العراقية، لا سيما مع الإيرانيين، واللبنانيين الشيعة القريبين أو المنتمين إلى حزب الله اللبناني.
وبحسب الباحث في الشأن العراقي، بهاء الدين البرزنجي، فإن "توافد الشيعة إلى العراق، لا سيما الباكستانيين والإيرانيين والأفغان واللبنانيين، بدأ يتزايد في الآونة الأخيرة، مع وجود تسهيلات كبيرة من السلطات العراقية، وهؤلاء معظمهم يمكثون في البلد ولا يعودون إلى بلدانهم".
وأوضح البرزنجي لـ"الاستقلال أن "حزب الله اللبناني يعمل في قطاعات مختلفة في العراق، لا سيما المطاعم والطاقة والمقاولات، وتجهيز المواد الإنشائية، إضافة إلى المصارف، والفنادق".
ولفت إلى أن "حزب الله يعمل بواجهات متعددة في العراق وليس بشخصيات معروفة، وإنما كمستثمرين وهذا في أغلب المحافظات العراقية، لا سيما بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، ونينوى، فهم أكثر من غيرهم قدرة على التخفي كون جنسيتهم عربية ولا يمكن تمييز مذهبهم".
وأردف: "العراق يعد متنفسا اقتصاديا كبيرا لحزب الله اللبناني، فبعض المستثمرين يحملون جنسيات أوروبية لكن أصولهم لبنانية، فهم شبكات كبيرة نهاياتها مرتبطة بإيران أو حزب الله".
ويوجد في العراق أكثر من 410 شركات لبنانية تعمل في مجالات مختلفة مثل قطاعات التعليم والبناء والسياحة كالمطاعم والفنادق.
أما في إقليم كردستان، فيوجد أكثر من 500 شركة، وفق السفير اللبناني، لا سيما في أربيل والسليمانية، حسب تقرير لوكالة "فرانس برس" في أبريل 2022.
ويبلغ عدد الجالية اللبنانية في العراق، نحو 282 ألف مقيم ومقيمة، حسبما كشفت أرقام رسمية تابعة لمركز الإحصاء العراقي التابع لوزارة التخطيط عام 2022.
ولا يعرف عدد الإيرانيين الذين يحملون الجنسية العراقية، لكن ناشطون من بينهم صاحب حساب "وزير عراقي" عبر تدوينة قال إن "عددهم بلغ أكثر من خمسة ملايين نفر".
وأوضح صاحب الحساب الشهير في العراق في تغريدة على "إكس" في 10 أبريل 2024، أن “هذا العدد هو خلال الفترة الواقعة بين 2005 إلى 2024، لكن أغلبهم يعيش في إيران”.
وأردف: "ترسل لهم الحكومة (العراقية) رواتب وامتيازات وحقوق تقاعدية وقسم منهم يمتلك وظائف في الدولة العراقية لكنه مقيم بإيران".
وفي مارس 2024، أثير في العراق جدل واسع، بعد مساعي قوى سياسية عراقية موالية لإيران تعديل قانون التجنيس في البلاد، والذي يحذر البعض من تغيير في التركيبة السكانية حال تطبيقه، وهو منح الجنسية للأجنبي الذي يقضي سنة واحدة في العراق.
وبحسب القانون المعمول به حاليا، فإن لوزير الداخلية العراقي، الحق في أن يقبل تجنيس الأجنبي الذي "أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب"، وأنه "لا تُمنح الجنسية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية".
وفي 30 مارس 2024، نقلت قناة "الرافدين" العراقية عن مصادر نيابية (لم تكشف هويتها) قولهم إن "أحزابا ومليشيات موالية لإيران تدفع إلى تشريع قانون يعطي المقيم لمدة عام واحد إمكانية الحصول على الجنسية العراقية".
ولفتت إلى أن "هذا يحوّل العراق لبيئة طائفية عبر تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والباكستانيين والأفغان بدوافع طائفية، ما يهدد تركيبة البلاد الديمغرافية ويعد محاولة لطمس هويتها العربية، خدمة لمصالح كل من إيران وأميركا".
ومنذ تداول هذه الأنباء، تلتزم الرئاسات الثلاث في العراق، الحكومة والبرلمان والجمهورية، الصمت إزاء احتمال تحركات لإقرار التعديلات المقترحة، والتي لم يتمكن البرلمان من تمريرها عام 2019 جراء خلافات، واندلاع احتجاجات شعبية في البلاد أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.
وقدمت حكومة عبد المهدي في مارس 2019، مشروعا لتعديل قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 وهو مقترح موروث من حكومة حيدر العبادي السابقة، طرح عبر لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان.
المصادر
- بعد موجة البيانات والتصريحات.. القصة الكاملة لإختفاء 50 ألف باكستاني في العراق؟
- بغداد.. 6 باكستانيين يقومون بتهديد المواطنين وتسليبهم في منطقة الكريعات
- بيان رسمي بشأن تقارير عن "اختفاء 50 ألف باكستاني" في العراق
- العراق يحقق.. باكستان تعلن عن إختفاء 50 ألف باكستاني في العراق
- الداخلية تعلن شروط منح الإقامة للعرب والأجانب وتحصي المرحّلين بعام 2023
- اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق.. ما قصتهم؟
- "طمس العروبة".. ما حقيقة تعديلات البرلمان العراقي على قانون التجنيس؟
- أرقام كبيرة.. لبنانيون يتجهون للعمل في العراق "المثقل بالأزمات"