مرجعية جديدة.. هل تتجه "العدل والإحسان" المغربية لدخول سباق الانتخابات؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة غير متوقعة، أعلنت جماعة "العدل والإحسان" المغربية (إسلامية معارضة)، عن إصدارها "وثيقة سياسية" تتضمن 777 مقترحا في المجال السياسي والاقتصادي والمجتمعي.

وقدّمت جماعة العدل والإحسان في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط في 6 فبراير/شباط 2024، وثيقتها السياسية إلى الرأي العام ونخبه وقواه السياسية والمدنية.

الوثيقة السياسية من 196 صفحة، تحمل رؤية الجماعة للعديد من القضايا الراهنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية ومقترحاتها في كل هذه المجالات.

وتتوزع إلى مقدمة وأربعة محاور كبرى هي، "المنطلقات والأفق، والمحور السياسي: حرية وعدل وحكم المؤسسات"، و"المحور الاقتصادي والاجتماعي: عدالة وتكافل وتنمية مستدامة"، إضافة إلى "المحور المجتمعي: كرامة وتضامن وتربية متوازنة".

عنق الزجاجة

وعن خلفيات إصدار الجماعة لوثيقتها السياسية بعد مرور أزيد من 4 عقود من تأسيسها (عام 1983)، قال رئيس الدائرة السياسية للعدل والإحسان، عبد الواحد المتوكل، إن "الوثيقة كفكرة ومشروع كانت مطروحة منذ زمن على الجماعة".

وأضاف المتوكل، في المؤتمر الصحفي لتقديم الوثيقة، أن "ما منع إصدارها ونشرها للعموم هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح وعدم وجود بيئة تعددية ديمقراطية قابلة لاستيعاب الجميع دون إقصاء".

وأكد أن الجماعة "تمسكت برفض نشر هذه الوثيقة ما لم توجد هناك إرادة سياسية وضمانات دستورية وقانونية تعطي لصوت الناخب قيمة وللمشاركة السياسية معنى".

واستدرك أن "الجماعة قررت أن تعيد النظر في هذا الموقف، ليس لأن المناخ العام تهيأ للعمل السياسي بشروطه المتعارف عليها في الأنظمة الديمقراطية". 

 

ولكن، يضيف المتوكل، لتجاوز ما كان يعاب على الجماعة من بعض "الفضلاء"، وتبديدا للغموض غير المريح للبعض، ودفعا للتشويه والاتهامات "الباطلة" التي تساق للتخويف من الجماعة من قبيل أنها تطمح إلى "إقامة الخلافة"، و"القضاء على التعددية السياسية" وغيرها.

من جهته، قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، محمد منار، إن "الوثيقة ليست ورقة مذهبية تنحصر في التعريف الإستراتيجي العام ولا برنامجا تنفيذيا، وإنما هي منزلة بين المنزلتين".

 

وأوضح منار، خلال المؤتمر الصحفي، أن الوثيقة مقترحة لمرحلة زمنية محددة في عشر سنوات، مؤكدا أنها "تعبر عن تطور طبيعي في مسار جماعة العدل والإحسان، وأنها قابلة للتطوير والتجديد".

وأكد أن الجماعة تسعى إلى الإسهام في بناء دولة عصرية عادلة منضبطة للتعاقد الدستوري المنبثق عن الإرادة الشعبية، دولة مدنية بكل ما يعنيه ذلك من بعد عن طبيعة الدول الثيوقراطية والعسكرية والبوليسية.

وبما أنها أول وثيقة سياسية تصدرها جماعة العدل والإحسان، فقد أثارت نقاشا واسعا حول خلفياتها ودلالاتها وهل هي خطوة متقدمة للمشاركة السياسية للجماعة بما فيها من تأسيس حزب سياسي ودخول سباق الانتخابات؟

ولم تشارك "العدل والإحسان" في أي انتخابات منذ تأسيسها في أبريل/نيسان 1983، بل تعلن مقاطعتها لها بسبب ما تعده الجماعة "غيابا للنزاهة"، ولكونها "تفرز مؤسسات شكلية وغير ذات مصداقية".
 

الكاتب والمفكر المغربي إدريس الكنبوري، وصف الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان بأنها "تاريخية"، مضيفا "نحن أمام مشروع مفصل بشكل دقيق يشمل مداخل الإصلاح كافة، وأمام لغة سياسية مباشرة، وأمام اقتراحات عملية لا مجرد احتجاج".

وفي 8 فبراير 2024، رأى الكنبوري، في مقال رأي نشره موقع "هسبريس" المحلي، أن الجماعة اختارت التوقيت بدقة لطرح هذا المشروع على الدولة والفاعلين والرأي العام.

ورأى أن "الوثيقة جاءت في لحظة دقيقة في المغرب، يميزها الإفلاس الحزبي والانغلاق السياسي وانتشار الفساد وغياب الوساطة ذات المشروعية بين الدولة والمجتمع".

وتابع "ولذا يمكن القول إننا أمام مشروع متكامل للإصلاح من شأنه أن يُنضج حالة من النقاش الصحي حول الوضعية المأزومة والبدائل الجديدة للخروج من عنق الزجاجة".

وسجل أن هذه الوثيقة هي "حصيلة نقاش داخلي طويل خاضته الجماعة مع نفسها، منذ وفاة الشيخ عبد السلام ياسين عام 2012، بين تيار الحفاظ على الخط الياسيني الذي يعطي الأهمية للجانب التربوي، والخط السياسي الذي يرى أن المدخل إلى الإصلاح مدخل سياسي". 

وأشار إلى أن "الوثيقة قفزت على الملكية ومؤسسة إمارة المؤمنين، ما يعني أن الجماعة تجاوزت مرحلة الاستثمار السياسي للموقف من إمارة المؤمنين إلى مرحلة التطبيع مع العمل السياسي تحت سقف الملكية".

 

وأردف أنه "إذا كانت الوثيقة سكتت عن إمارة المؤمنين فقد تناولت الملكية بطرق غير مباشرة، من خلال بعض المقترحات، من مثل ربط السلطة التنفيذية بالحكومة دون غيرها، وجعل اختيار الوزراء وإعفائهم من اختصاص رئيس الحكومة وحده...".

وخلص الكنبوري، إلى أن هذه الوثيقة تمثل "قطيعة سياسية لدى الجماعة عن الحقبة السابقة، وتؤشر على تحول نوعي في الأداء السياسي ينقلها من الغموض إلى الشفافية".

استعادة المبادرة

بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" بمدينة فاس المغربية، إسماعيل حمودي، أن هذه الوثيقة تشكل "مرجعية سياسية جديدة" للجماعة تضع مسافة مع كتابات وتنظيرات الشيخ عبد السلام ياسين مؤسس الجماعة.

وأضاف حمودي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذه الوثيقة تخوض في قضايا الشأن العام بلغة سياسية مباشرة تستقي مفاهيمها ومصطلحاتها من العلوم الاجتماعية والسياسية.

 

 وبالتالي، يضيف أستاذ العلوم السياسية، وضعت مسافة مع المعجم الاصطلاحي للشيخ عبد السلام ياسين من قبيل "الحكم الجبري" و"الحكم العاض" و"الخلافة على منهاج النبوة" إلى غير ذلك.

وعد حمودي، الوثيقة السياسية "مسلكا سياسيا جديدا" في مسار جماعة العدل والإحسان، مبينا أن هذه الوثيقة "ستصبح هي الموجهة والمؤطرة لسلوك وتحليلات المواقف السياسية للجماعة".

وأكد أن الجماعة استعادت المبادرة ولم تبق في حالة الانتظارية التي كانت تُتهم بها حيث غادرت "قاعة الانتظارية" نحو الاشتباك مع القضايا الحيوية في المجتمع.

وأوضح أن المؤشر على هذا التحول أو المراجعات كما أسماها رئيس الدائرة السياسية للجماعة واقعتان، الأولى هي مذكرة مدونة (قانون) الأسرة، حيث لأول مرة أعدت الجماعة مذكرة وذهبت تُقنع بها وتتفاوض حولها مع هيئات أخرى من قبيل لقائها مع حركة التوحيد والإصلاح.

وفي 26 يناير 2024، عقد بالمقر المركزي لحركة التوحيد والإصلاح بالرباط، اجتماع بين وفد من اللجنة المشتركة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لدى جماعة العدل والإحسان، واللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لدى حركة التوحيد والإصلاح.

وأضاف حمودي، أن الواقعة الثانية هي إصدار الوثيقة السياسية التي تقدم تصورا شاملا ودقيقا لما ينبغي أن يكون عليه المغرب من منظورها الخاص سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

ميزان القوى

هذا التحول لدى جماعة العدل والإحسان بإصدار وثيقة سياسية تستقي من معجم العلوم الاجتماعية وتشتبك مع إشكالات سياسية واقتصادية واجتماعية يعاني منها المغرب، دفعت مراقبين إلى عد هذه الوثيقة "خطوة نحو التحول إلى قوة حزبية سياسية".

رئيس مركز "شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية" بالمغرب، رشيد لزرق، قال إن "تأسيس حزب سياسي هو مفتوح للجميع شريطة الالتزام بالعمل داخل المؤسسات والإيمان بالقانون، وبالتالي فجماعة العدل والإحسان كغيرها من الجماعات أو الأفراد بالمغرب إذا التزمت بالقانون يمكنها تأسيس حزب سياسي".

ورأى لزرق، في تصريح لموقع "أصوات مغاربية" في 9 فبراير، أن "العدل والإحسان جماعة محظورة، لكنها اليوم قامت بمراجعة كبرى عبر الوثيقة السياسية التي قدمتها مما يمهد لها في إطار الشرعية بأن تخرج للعلانية وفق قانون الأحزاب وتؤسس لحزب سياسي".

وأضاف المتحدث ذاته أن "الجماعة باتت تشتغل بمصطلحات الدولة المدنية ومصطلحات أقرب إلى العلم الحداثي على عكس ما كانت عليه سابقا بالتركيز على أسس الخلافة وفق مؤسسها عبد السلام ياسين وهو ما يمكن وصفه بأنه مراجعة ورغبة في تأسيس حزب سياسي".

 

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله"، حمودي، أن الوثيقة "تعكس مسارا جديدا في السلوك السياسي لجماعة العدل والإحسان".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الجماعة غالبا ما كانت فيما مضى تتحصن بـالغموض الإستراتيجي في المواقف الحاسمة من قبيل الموقف من الملكية وإمارة المؤمنين".  

وأكد أن "الفكرة الكبرى التي تدل عليها الوثيقة هي اشتباكها مع قضايا مباشرة في الشأن العام من قبيل الدستور وفصل السلط والبرلمان والحكومة والقضاء والفن والرياضة..."، مشيرا إلى أن الوثيقة مبنية على "ثنائية تشخيص الاختلالات وتقديم المقترحات". 

وتابع "في النهاية نحن أمام تصور ملموس لمختلف قضايا المجتمع والدولة وفق مقاربة إصلاحية لا تقول بإلغاء المؤسسات القائمة بل تتجه إلى رصد الاختلالات القائمة في أداء المؤسسات وتطرح الحلول الممكنة لها".

وأكد حمودي، أن الوثيقة تؤشر على "هوية سياسية جديدة" للجماعة أقرب ما تكون إلى "الإصلاحية الجذرية" وأبعد ما تكون عن فكرة "القومة" و"التغيير الثوري".

ويميز الشيخ عبد السلام ياسين مؤسس الجماعة بين "القومة" و"الثورة" بقوله: "كان المسلمون يكتبون في تاريخهم كلمة "ثورة" بإزاء كل خروج عن السلطان من طائفة باغية. ويستعملون كلمة "القائم" لوصف خروج أصحاب الحق الغاضبين بحق على السلطان الجائر".

ورأى حمودي، أن كل هذه التحولات تُقرب الجماعة من الاشتباك السياسي أكثر ومن الانخراط في العملية السياسية ولو من خارج المؤسسات حتى الآن.

وخلص حمودي، إلى أن تقدمها في هذا الاتجاه الإصلاحي رهين بالتفاعل الإيجابي للسلطة واستجابات مختلف الفاعلين في المشهد السياسي لما تطرحه، مشددا على أن "الأمر في النهاية رهين بتغيير في ميزان القوى يسمح للجماعة بالتحول إلى قوة سياسية حزبية".