خلافا لمسار الرياض.. لماذا طرح قادة اليمن الخيار العسكري ضد الحوثيين؟
كاتب يمني أكد أن تصريحات قادة الشرعية اليمنية هي رسائل سعودية للغرب
في تناقض مع ما تسعى إليه السعودية من مسار سياسي لإنهاء الحرب في اليمن، عادت قيادات الشرعية اليمنية للحديث عن ضرورة توفير الدعم العسكري لها من أجل مواجهة مليشيا "الحوثي" المدعومة من إيران، واستعادة المناطق التي تسيطر عليها بالكامل.
وفي أغسطس/ آب 2014، انقلبت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على السلطة الشرعية في اليمن، ثم شكلت السعودية في مارس/آذار 2015، "التحالف العربي"، وأعلنت تنفيذ حملة عسكرية تحت اسم "عاصفة الحزم"، لإيقاف تقدم الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء.
تصريحات قادة الشرعية بشأن الخيار العسكري لإنهاء سيطرة مليشيا الحوثي على مدن اليمن، فتحت باب التساؤل عن دلالات توقيت مثل هذا الطرح، وهل الحديث هذا يأتي بضوء أخضر سعودي، خصوصا أن المحادثات بين الحوثيين والسعوديين لا تزال مجمدة؟
دعوة للتسلح
مع دخول الحرب اليمنية عامها العاشر، قال رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد محمد العليمي، إن "أميركا والغرب اقتنعوا بضرورة هزيمة الحوثي عسكريا للتوصل إلى سلام معه، وأن اليمنيين تضرروا من أزمة البحر الأحمر (بعد العدوان الإسرائيلي على غزة) ويدفعون ثمن مؤامرة إيران".
وأضاف العليمي خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أبريل/ نيسان 2024، أن "اليمن تحتاج إلى دعم عسكري لاستعادة المناطق التي تحت سيطرة الحوثي"، مؤكدا أن "مواجهة الحوثيين واستعادة الدولة هدف الجيش الوطني والتشكيلات الأخرى".
وأشار إلى أن "الحكومة اليمنية كانت تعاني من ضعف وتفكك انعكس على علاقاتها داخليا وإقليميا، وأن المجلس الرئاسي نجح في وقف الصراعات الداخلية وتطبيع الاستقرار في عدن".
وقال العليمي إن "الحوثي ينفذ تعليمات إيران في أزمة البحر الأحمر وعرقلة مساعي السلام".
وتابع: "رفضنا طلبا أميركيا بالانضمام لتحالف حماية البحر الأحمر" الذي تشكل بعد العدوان على غزة.
وفي السياق ذاته، طالب رئيس مجلس النواب اليمني، سلطان البركاني، بدعم القوات الحكومية، بالسلاح النوعي لاستكمال تحرير اليمن من المليشيات الحوثية، وذلك خلال استقباله السفيرة الهولندية لدى عدن، جاميت سيبين، في لقاء كُرّس لبحث أفاق التعاون المشترك بين البلدين.
وبحسب بيان نقلته وكالة "سبأ" الرسمية، أكد البركاني للسفيرة الهولندية، أن "التجارب المريرة مع مليشيات الحوثي، بتعنتها ونكثها للعهود والمواثيق، تثبت أن الحل الأجدى يتمثل بدعم القوات الشرعية بالقدرات النوعية لاستعادة مؤسسات الدولة، واستكمال التحرير، في ظل استمرار تهريب الأسلحة الإيرانية إلى المليشيات بشكل دائم ومستمر".
ما يطرحه قادة الشرعية في اليمن يخالف الرؤية السعودية التي بدأت في مفاوضات مع الحوثيين من أجل التوصل إلى حل سياسي في البلاد ينهي الحرب التي بدأت منذ 10 سنوات.
وفي 21 مارس 2024، التقى وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، وأكد أنه بحث الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، ومسار السلام، لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن.
رسائل سعودية
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إنه “لا توجد تصريحات للشرعية اليمنية غير متسقة مع مضمون الموقف السعودي، وبالتالي هي نوع من الضغط على الجانب الأميركي”.
وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أنه "لا يزال المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ يفضل التسوية السياسية مع الحوثيين ويمارس الابتزاز في هذا الأمر، وكأنه يبقي على هذه الجماعة كاستثمار جيوسياسي موجه في الأصل لترويض الموقف السعوي لحساب موقف إقليمي أوسع".
وأوضح الخبير اليمني أن "الأميركيين يريدون في النهاية الاستفادة من الموقف الحوثي لدفع السعودية نحو إنجاز الصفقة الأهم في المنطقة التي تهدف إلى استيعاب إسرائيل في المنطقة".
ولفت إلى أن "التصريحات الحكومية اليمنية هذه، تريد أن تحمّل الأطراف الغربية التي تقول إنها منزعجة من النشاط العسكري الحوثي في جنوب البحر الأحمر، مسؤولية تمدد الحوثيين في اليمن".
وتابع: "لذلك هي (الشرعية) تسعى إلى أن تذكير الجانب الغربي بأن هذا الأمر (عمليات الحوثي بالبحر الأحمر) يمكن إنهاؤه من خلال دعم السلطة الشرعية وتمكينها من خوض معركة حاسمة ضد الحوثيين، وبالتالي إنهاء أثرهم السياسي والجيوسياسي في اليمن".
ورأى التميمي أن "تصريحات القادة اليمنيين هي رسائل غير مباشرة من الجانب السعودي يتم إيصالها للغرب والولايات المتحدة الأميركية عبر قيادة الشرعية اليمنية".
وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن "خطوط الصراع في اليمن ترسمها الولايات المتحدة وتتحكم بها، رغم أن السعودية لها تأثير ودور قوي جدا، لكن واشنطن استطاعت خلال الفترة الأخيرة أن تجعلها طرفا يتحمل الكثير من المسؤولية في هذه الحرب، ووضعت أمام مهمتها العسكرية الكثير من الخطوط الحمر".
ولفت إلى أن "الموقف الأميركي أسهم في جعل المواجهة العسكرية في اليمن عبثية أغرت الأطراف الإقليمية لأن تعمل لحسابها الخاص وبالتالي توجّه المعركة لغير صالح الشعب اليمني".
وبيّن التميمي أن "المعركة في اليمن انتهت إلى ما انتهت إليه، ودفعت السعودية لفتح تفاهمات مع الجانب الحوثي، وذهب السعوديون إلى صنعاء بتأثير الضغط الذي مارسته الإدارة الأميركية منذ وصول جو بايدن إلى منصب الرئاسة".
وأفاد بأن "اليوم الكثير من الأمور تغيّرت، لهذا السعودية تمارس نوعا من التكتيك الأميركي نفسه، في الوقت الذي يبقي الأميركيون على خيار التعاطي مع الحوثيين قائما".
وخلص الخبير اليمني إلى أن "السعودية تريد أن تذكّر الغرب: أنكم تشكون من التأثير العسكري في البحر الأحمر، فاستمعوا إلى كلام الشرعية اليمنية والتعاطي معهم من خلال دعمهم أو على الأقل دعم معركتهم ضد جماعة الحوثي من دون ضغوط وابتزاز".
مسار سياسي
ورغم أن الولايات المتحدة توجه ضربات للحوثيين ردا على الهجمات التي ينفذونها في البحر الأحمر، لكن ذلك لم يمنع واشنطن من التأكيد أنها تفضل الخيار الدبلوماسي على العسكري للتعامل مع هذه المليشيا.
وقال المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إن "الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر تقوّض عملية السلام في اليمن، بعدما كانت الجهود الدولية قاب قوسين من التوصل إلى اتفاق دائم في هذا البلد الذي مزّقته الحرب لسنوات طوال".
وأوضح المسؤول الأميركي في تصريح نقلته إذاعة "منوت كارلو" الفرنسية، في 4 أبريل/ نيسان 2024، أن "الضربات العسكرية الأميركية ضد جماعة الحوثي، تعيق الأخيرة وتهدف إلى تدمير قدرتها على مهاجمة السفن. لكننا نفضل الحل الدبلوماسي، نعلم أنه لا يوجد حل عسكري".
وتشن مليشيا "الحوثي" هجمات على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدار" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في ذات الشهر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما أعلنت ذلك.
وردا على ذلك، شكّلت الولايات المتحدة الأميركية مع بريطانيا تحالفا عسكريا يضم 24 دولة، وأطلقت عملية "حارس الازدهار" في البحر الأحمر منذ 12 يناير 2024، منفذة أكثر من 400 غارة جوية على مواقع مليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران.
ويعيش اليمن في الوقت الحالي هدنة بين الأطراف المتصارعة منذ 2022، أعقبها في أبريل/نيسان 2023، توجه سفير المملكة العربية السعودية في اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، فيما وصفه بأنه مسعى لـ "تثبيتها".
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2023، وصل وفد من الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض لأول مرة منذ انقلابه على الشرعية، وأجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين بوساطة عُمانية، استمرت 5 أيام.
وصف الوفد الحوثي الذي عاد إلى صنعاء في 19 سبتمبر 2023، محادثاته مع المسؤولين السعوديين في الرياض بأنها كانت جدية وإيجابية على رغم أنه لم يتم خلالها إعلان أي تقدم.
وقال عضو المكتب السياسي للحوثيين علي القحوم، إنه ستكون هناك "جولة جديدة... حيث اتسمت المفاوضات بالجدية والإيجابية والتفاؤل في تجاوز التعثر والعقد في ملفات مختلفة منها خاصة القضايا الإنسانية وصرف رواتب الموظفين وتخفيف معاناة الشعب اليمني جراء العدوان والحصار".
وأضاف القحوم خلال تدوينة نشرها على موقع "إكس" أن الوفد عاد إلى صنعاء "للتشاور مع قيادته.. واطلاعها على نتائج المفاوضات".
وفي السياق ذاته، قال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام خلال تدوينة له على منصة "إكس" إنه في إطار المساعي التي تبذلها سلطنة عمان في وساطتها لدعم السلام وإنهاء الأزمة الإنسانية، أجرى الوفد الحوثي لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي في الرياض نوقشت خلالها بعض الخيارات لتجاوز الخلافات.
من جهته، قال وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، في تغريدة على منصة "إكس" إنه التقى الوفد الحوثي في الرياض وأكد له وقوف المملكة إلى جانب اليمن وشعبه وحرصها على استئناف الحوار للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن بإشراف الأمم المتحدة.
منذ منتصف العام 2014 واليمن غارق في حرب بين السلطات الشرعية مدعومة من قوات التحالف العربي، وبين الحوثيين المدعومين من إيران، والذي تسبّب بمقتل وإصابة مئات الآلاف وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
لكن حدة القتال في اليمن تراجعت بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين، وذلك بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في أبريل 2022، إذ لا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.
المصادر
- مقابلة خاصة مع فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي على قناة الحدث
- الحكومة الشرعية تعتزم خوض معركة فاصلة مع الحوثيين وتطلب دعمًا بأسلحة نوعية
- ذكرى حرب اليمن.. لماذا دعا الحوثيون السعودية لتوقيع "خارطة السلام"؟
- بوساطة عُمانية.. محادثات بين السعودية والحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء