هيئة تحرير الشام وقسد.. عنوان خلاف يعرقل مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق
يظهر موضوع تعريف "الجماعات الإرهابية" كمسألة معقدة في عملية التطبيع بين تركيا وسوريا
في ظل الجمود الراهن الذي يخيم على مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري بوساطة روسية، تكثر الأحاديث بشأن نقاط الخلاف الجوهرية بين الجانبين.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالاً للكاتب "سيدات أرجين" سلط فيه الضوء على مسألة تعريف "الجماعات الإرهابية"، مقدرا أنها من أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين.
مسألة معقدة
وقال الكاتب التركي إن مليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تشكل العمود الفقري لوحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني هي في طليعة المسائل الحساسة بالنسبة لتركيا.
ففي شمال نهر الفرات في سوريا وتحت حماية الولايات المتحدة يحتل حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يمثل الجانب السياسي لتمديدات حزب العمال الكردستاني في سوريا، موقعاً بارزاً في الهياكل الرئيسة لـ"الإدارة الذاتية" التي ظهرت هناك.
وتعد تركيا وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي والهياكل العسكرية والسياسية في شمال نهر الفرات تهديداً إرهابياً مباشراً.
وتعد مكافحة هذا التهديد أيضا، في إطار الحفاظ على سيادة سوريا، أحد نقاط التواصل المشتركة مع نظام الأسد.
ومن الشروط التي يطرحها النظام السوري لبدء الحوار مع تركيا هو تصنيف المجموعات التي يعدها النظام السوري بأنها إرهابية كمنظمات إرهابية.
وعلى ما يبدو من التصريحات المتعددة يعد النظام السوري المجموعات التي كانت تشن حربا مسلحة ضده في الحرب الأهلية، والتي كانت تعرف سابقاً باسم الجيش السوري الحر والتي تعرف الآن باسم الجيش الوطني السوري، إلى حد كبير إرهابية.
غير أن هذه المجموعات هي القوات المسلحة التي تعمل في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي في شمال سوريا.
لذلك، يظهر موضوع تعريف "الجماعات الإرهابية" كمسألة معقدة في عملية التطبيع بين تركيا وسوريا.
ميزان مجلس الأمن
ومع ذلك، يمكن أن تلعب القرارات المتعددة التي اتخذها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا دوراً موجهاً في تجاوز هذه العقبة.
لهذا الغرض، يمكننا اللجوء أولاً إلى القرار رقم 2254 الذي عده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2015 إطارا مرجعيا أساسيا لحل الأزمة في سوريا.
وأوضح الكاتب: يعرّف القرار رقم 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مكافحة أنشطة المنظمات الإرهابية في سوريا كواحدة من الأهداف الرئيسة.
وفي المادة الثامنة من القرار يتم تسجيل اسم بعض المنظمات الإرهابية التي تعمل في سوريا بشكل محدد؛ مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة والقاعدة.
يتم أيضاً تحديد إطار عام في نفس القرار لـ "الأفراد والمجموعات والكيانات والمبادرات التي يمكن أن تكون مرتبطة بتنظيم الدولة والقاعدة ويمكن تحديدها كإرهابية من قبل مجلس الأمن".
وبالتالي، يترك القرار مهمة تحديد المنظمات الإرهابية الجديدة لمجلس الأمن.
وأشار الكاتب إلى أن الجيش السوري الحر/الجيش الوطني السوري، على سبيل المثال، لم يتم تصنيفه بأي شكل من الأشكال على أنه إرهابي من قبل مجلس الأمن أو أي هيئة تابعة للأمم المتحدة.
وبالمثل، يتم قبول الهياكل السياسية التي تقف وراء الجيش السوري الحر/الجيش الوطني السوري كـ "المعارضة المعتدلة" في إطار عملية التفاوض الموجهة من قبل الأمم المتحدة.
لذلك، لا يمكن أن يكون هناك أساس قانوني لوضع الجيش السوري الحر/الجيش الوطني السوري في إطار مختلف بالاستناد إلى قرارات مجلس الأمن.
على سبيل المثال، منذ فترة طويلة تفصل روسيا بين "المعارضة المعتدلة – النصرة" في إعلاناتهم الرسمية بشأن إدلب.
بينما فيما يتعلق بالمجموعات الإرهابية المعرفة من قبل الأمم المتحدة، يظهر الجدول التالي: لا يوجد أي اختلاف في هوية تنظيم الدولة والقاعدة ككيانات إرهابية بين جميع الأطراف.
هيئة تحرير الشام
وأشار الكاتب التركي إلى المسألة المثيرة للجدل في هذا السياق هي الكيان المعروف باسم "هيئة تحرير الشام".
فمنذ البداية، كانت هيئة تحرير الشام هي نفسها جبهة النصرة، وهو تنظيم معترف به من قبل الأمم المتحدة كتنظيم إرهابي.
تأسس هذا التنظيم تحت اسم جبهة النصرة كتمثيل لتنظيم القاعدة في سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
وبعد أن خاض هذا الفريق معركة شرسة ضد النظام وبعد فوز النظام في الحرب الأهلية انسحب إلى إدلب، المدينة المجاورة لولاية هاتاي التركية.
وأضاف أن زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني ادّعى في عام 2017 أن اسم التنظيم تغير إلى "هيئة تحرير الشام" وأنه لم يعد له صلة بالقاعدة.
ومع ذلك، أشارت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة لمتابعة تنظيم الدولة والقاعدة والمنظمات الإرهابية المرتبطة بها في تقييمها إلى أنّ هيئة تحرير الشام لا تزال تابعة للقاعدة.
وفي عام 2018، أعلنت لجنة الأمن التابعة لمجلس الأمن الدولي هيئةَ تحرير الشام "تنظيما إرهابيا" وأدرجتها في قائمة العقوبات.
ووافقت تركيا أيضاً في أغسطس/ آب 2018 على هذه القائمة واعترفت بهيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي.
وتقوم اللجنة المعنية بالعقوبات التابعة لمجلس الأمن بتحديث قوائم المنظمات الإرهابية بشكل منتظم.
وعلى الرغم من جميع محاولات هيئة تحرير الشام للخروج من هذه القائمة، قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تحديثه لعام 2021 أن تبقى هيئة تحرير الشام في قائمة المنظمات الإرهابية.
ولفت الكاتب إلى أن أحد جوانب القضية التي تثير قلق تركيا هو هيمنة هيئة تحرير الشام الإقليمية في إدلب، وهو آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سوريا.
حيث يجد كلٌّ من نظام الأسد وروسيا هيئةَ تحرير الشام، التي يعرفها مجلس الأمن الدولي بأنها منظمة إرهابية، كمنافس مسلح لهما على خط إدلب الحدودي.
وتحتفظ تركيا بقوة عسكرية قوية في إدلب بالقرب من هيئة تحرير الشام بهدف الردع نظراً لمخاوفها من أن تؤدي حرب جديدة في المنطقة إلى موجة كبيرة من الهجرة نحو الحدود التركية.
وفي الوقت نفسه، كثيرا ما تشير البيانات المشتركة التي تم تبنيها في إطار عملية أستانا، والتي شاركت فيها تركيا إلى جانب روسيا وإيران، إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتشير صراحة إلى هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية وتعرب عن "مخاوفها" بشأن أنشطتها في إدلب.
ومن هذا المنطلق، لن يكون مستغرباً أن تفتح روسيا قضية هيئة تحرير الشام على أساس الاتفاقات المشتركة بينها وبين تركيا، كما فعلت كثيراً في الماضي.
من ناحية أخرى، في نصوص أستانا نفسها وفي البيان المشترك الأخير في 25 يناير/ كانون الثاني 2024، هناك أيضاً "إدانة" "لتصرفات الدول الداعمة للإرهاب التي تقوض وحدة الدولة السورية، بما في ذلك محاولات الحكم الذاتي غير الشرعي في شمال شرق سوريا.
من الواضح أن المبادرة المشار إليها هنا هي "الإدارة الذاتية" في شرق الفرات. وفي هذا السياق فإن الرسائل المشتركة لتركيا وروسيا وإيران موجهة نحو الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي/قوات سوريا الديمقراطية، وهي امتدادات لحزب العمال الكردستاني.