ديكتاتورة بنغلاديش.. هل تضع "ثورة الطلاب" نهاية 20 عاما من الظلم؟
"هُزمت حسينة واجد وجيشها على يد الشعب"
منذ استقلالها عام 1971، والنار تشتعل تحت الرماد في بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة، بسبب أمرين.
الأول، انتقام الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة من علماء المسلمين الذين رفضوا فصل البلاد عن باكستان، عقب تفتيت شبه القارة الهندية عام 1971، لأنهم عدوا هذا تفتيتا للوحدة الإسلامية للبلدين ومؤامرة هندية عالمية.
وتبعه أمر آخر يتمثل في نظام توظيف وضعه النظام الديكتاتوري مع العسكر عام 1992، يُخصص حصة كبيرة من الوظائف العامة لأقارب "أبطال الحرب"، أي أبناء الضباط والمحظوظين من أعضاء الحزب الحاكم.
وذلك بدعوى أن آباءهم قاتلوا من أجل استقلال البلاد عن باكستان في عام 1971، وبموجبه كان يجرى تعيين آلاف الفاشلين وإبعاد الكفاءات.
كانت الثورة في البلاد تحتاج، شأنها شأن الربيع العربي في البلدان العربية، إلى مجرد فتيل اشتعال، لأن الاحتجاجات في الشوارع ليست جديدة على هذه الدولة الواقعة في جنوب آسيا.
وهو ما قدمه نظام الديكتاتورة "حسينة واجد" للطلاب حين قمع احتجاجاتهم المطالبة بعدالة التوظيف، وقتل العشرات منهم بالرصاص، فانطلقت "ثورة الطلاب" والشعب.
وتحكم بنغلاديش، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 170 مليون نسمة، "الشيخة حسينة" منذ 20 عاما، بينها 15 عاما على التوالي منذ عام 2009، وآخر ولاية فازت بها كانت في يناير/كانون الثاني 2024، وسط اتهامات واسعة بالتزوير.
وهي رئيسة حزب عوامي (أي الشعب) الذي أسسه والدها مجيب الرحمن الذي فصل بنغلاديش عن باكستان عام 1971.
ويرى كثير من البنغاليين أن حزب رابطة عوامي، الذي تأسس عام 1949 في الهند، كان أداة وذراعا لنيودلهي التي دعمته في تدمير الوحدة الإسلامية مع باكستان، وأنه بقايا للاستعمار والهيمنة البريطانية على المسلمين.
ثورة الطلاب
بدأت الاحتجاجات في جامعة دكا المرموقة في الأول من يوليو/تموز 2024، ثم انتشرت لاحقا إلى حرم جامعية ومدن أخرى في جميع أنحاء البلاد في تجمعات شوارع يومية تضمنت إغلاق السكك الحديدية والطرق.
تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف في 15 يوليو عندما هاجم أعضاء رابطة شاترا البنغلاديشية (الجناح الطلابي لحزب رابطة عوامي الحاكم) الطلاب المحتجين داخل حرم جامعة دكا.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وأنصار الحكومة، حيث نشرت بنغلاديش كتيبة العمل السريع شبه العسكرية، لقتل الطلاب.
وهي كتيبة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 بسبب "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
كانت الاحتجاجات هذه المرة عنيفة، وهدفها المطالبة بالتعيين في الوظائف وفقًا لآليات الجدارة والاستحقاق، لا نظام الحصص، الذي يراه الطلاب منحازًا إلى أبناء أنصار رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة.
وتعد الوظائف الحكومية في بنغلاديش ذات رواتب جيدة مقارنة بتلك الموجودة في القطاع الخاص، كما توفر أيضاً مزايا تقاعدية آمنة.
ويتنافس سنويا 400 ألف خريج على 3 آلاف وظيفة حكومية، وهناك 18 مليون شاب عاطل عن العمل.
وفي أعقاب الاحتجاجات الطلابية عام 2018، قلصت السلطات النظام التوظيفي وألغته ضمنا، بعدما اتهمها المتظاهرون باستخدام هذه الحصص كوسيلة لمكافأة الموالين للحزب الحاكم (رابطة عوامي).
لكن المحكمة العليا ألغت قرار تقليصه في يونيو/حزيران 2024، وأمرت بإعادة تخصيص 30 بالمئة من الوظائف لـ "أبناء المحاربين في حرب التحرير ضد باكستان عام 1971"، فأغضبت الشباب مجددا.
ويقول الطلاب إن النظام الذي يحجز الوظائف لأقارب أبطال الحرب يعد تمييزيا، ويريدون أن يكون التوظيف قائما على أساس الكفاءة.
وحين تظاهر الطلاب مجددا أوائل يوليو 2024، لجأت السلطة لإطلاق الرصاص عليهم، بدلا من الاستجابة لمطالبهم، ما أشعل الاحتجاجات للمطالبة بإسقاط النظام وليس فقط نظام التوظيف.
رحيل حسينة
ومع استمرار سقوط القتلى، أصبحت الاحتجاجات الدامية في بنغلاديش، تشكل تهديدًا غير مسبوق لحكم الشيخة حسينة، حيث يطالب المتظاهرون برحيلها، فيما فرضت السلطات حظرا للتجول.
ووصف مدير مكتب آسيا في "مجموعة الأزمات الدولية" "بيار براكاش، لوكالة الأنباء الفرنسية، المظاهرات هذه المرة بأنها "قد تكون التحدي الأكبر لنظام رابطة عوامي منذ وصوله إلى السلطة"، مؤكدا أن "الوضع خطير".
وقال الخبير في شؤون بنغلاديش بجامعة أوسلو مبشر حسن، في 19 يوليو، إن الاحتجاجات تحولت إلى "تعبير أوسع عن السخط على الحكم الاستبدادي لحسينة".
وأضاف لصحيفة "الغارديان" البريطانية: "إنهم يحتجون ضد الطبيعة القمعية للدولة، حيث يشكك المتظاهرون في قيادة حسينة، ويتهمونها بالتمسك بالسلطة بالقوة ويطلق عليها الطلاب لقب الدكتاتور".
وأكد الأمين العام لحزب عوامي الحاكم "عبيد القادر"، أنه تم منح ضباط الشرطة سلطة إطلاق النار على من ينتهكون حظر التجول، وأمر وزير الاتصالات، زنيد أحمد بالك، بقطع شبكة الإنترنت، وفق وكالة الأنباء الفرنسية 20 يوليو 2024.
ويبدو أن الشيخة حسينة، التي تحكم بنغلاديش بالحديد والنار، وتتحالف مع متعصبي الهندوس ضد خيارات المسلمين، وتعدم العلماء بدم بارد، على وشك السقوط وسط أنباء غير مؤكدة عن هروبها إلى إسبانيا من وجه ثورة الطلاب.
حسابات بنغلاديشية على مواقع التواصل زعمت أن الديكتاتورية حسينة رئيس وزراء بنغلاديش لخمس فترات متتالية، والتي حكمت بلادها مثل حكام الشرق الاوسط العسكريين بالحديد والنار وقتلت علماء المسلمين، هربت إلى إسبانيا.
قالوا: "هُزمت حسينة واجد وجيشها على يد الشعب، وعلى الرغم من مقتل أكثر من 150 شخصا، فإن الغضب الشعبي لم يتوقف في دكا، حيث يوجد بحر من الناس في الشوارع".
وتقول الأستاذة المساعدة لعلم الاجتماع في جامعة دكا "سامينا لطفة"، إن ما فاقم الغضب وأشعل الثورة أننا "نشهد قدرا كبيرا من الفساد، خاصة بين المقربين من الحزب الحاكم، والفساد مستمر منذ فترة طويلة دون أن تتم معاقبته".
أكدت لموقع "بي بي سي" البريطاني 20 يوليو أن وسائل التواصل الاجتماعي في بنغلاديش بات يهمين عليها في الأشهر الأخيرة مناقشات حول فساد بعض كبار المسؤولين السابقين في عهد حسينة.
بما في ذلك قائد الجيش السابق، ورئيس الشرطة السابق، وكبار مسؤولي الضرائب، ومسؤولو التوظيف في الدولة.
وبالإضافة إلى اتهامات الفساد، يشير العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان إلى أن مساحة النشاط الديمقراطي تقلصت على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
وتقول مديرة قسم جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش ميناكشي جانجولي، لـ "بي بي سي": "لم تكن هناك عملية انتخابية حرة ونزيهة موثوقة على مدى ثلاثة انتخابات متتالية".
وتضيف: "ربما قللت الشيخة حسينة من تقديرها لمستوى الغضب الشعبي وعدم الرضا الذي يشعر به الناس بسبب حرمانهم من الحق الديمقراطي الأساسي في اختيار زعيمهم".
ربيع آسيوي
فقد توسعت الاحتجاجات وقُتل 115 من الطلاب، وجرى إحراق مبنى التلفزيون البنغالي، وأمرت المدارس والجامعات بإغلاق أبوابها.
واقتحم متظاهرون في 19 يوليو 2024 سجنا في منطقة نارسينجدي بوسط بنجلاديش وأطلقوا سراح مئات السجناء قبل أن يضرموا النار في المبنى.
واخترقت مجموعة تسمى نفسها "ذا ريزيستنس" (المقاومة)، المواقع الإلكترونية الرسمية للبنك المركزي ومكتب رئيس الوزراء والشرطة، وبثت رسالة موحدة تقول "أوقفوا قتل الطلاب".
ويشير تحليل لمجلة "مسلم ماترز"، أو "Muslim matters" في 17 يوليو 2024، يهدف لاستكشاف "تأثير الربيع العربي على بنغلاديش" أنه "امتد من القاهرة إلى البنغال في دكا".
وأوضح أن ما أعقب الربيع العربي من موجة قمع سياسي لا هوادة فيها، وكان هدفها إسكات الحركات الإسلامية المعتدلة والقادة الذين سعوا إلى إحداث التغيير، شهدته بنغلاديش أيضا.
المجلة التي تهتم بشؤون العالم الإسلامي خاصة في آسيا، أوضحت أن "الشيخة حسينة، تخوفت من الثورات في العالم العربي، لذا بادرت بشن حملة قمعية لمنع الثورة في بلادها".
وأوضحت أن الحملة القمعية في بنغلاديش استهدفت في المقام الأول الجماعات الإسلامية، تماما كما حدث في مصر.
إذ كان يُنظر إلى "أي شيء إسلامي" على أنه تهديد لحكم حسينة، خاصة أن فكر علماء الجماعة الإسلامية في البنغال هو فكر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وفق "مسلم ماترز".
وشكلت “حسينة” محاكمة قمعية (المحكمة الدولية لجرائم بنغلاديش) بحجة محاكمة مجرمي الحرب في بلادها لذين عارضوا استقلالها عام 1971.
وكانت تستهدف ثلة من علماء المسلمين الذين بدأت في إعدامهم منذ عام 2013، بالتزامن مع انقلاب العسكر في مصر على الثورة.
بدأت بمطالبة البرلمان بتعديل قانون الجرائم لعام 1973 لمحاكمة المعارضين وعددهم 195 من حرب عام 1971.
لم تتضمن القائمة الأصلية للمطلوب محاكمتهم حينئذ أي قيادة من جماعة إسلامية بنغلاديشية، لكن قائمة "محدثة" في عام 2013 تضمنتهم جميعا، بحسب مجلة "مسلم ماترز".
وأسفرت المحاكمات المفبركة عن إدانات وأحكام عديدة، بما في ذلك السجن المؤبد وعقوبة الإعدام، مثل شنق مطيع الرحمن نظامي البالغ من العمر 73 عاما، أمير الجماعة الإسلامية البنغلاديشية من عام 2000 حتى إعدامه عام 2016.
قتل العلماء
ولعبت الجماعة الإسلامية دورا حاسما في توحيد شرق وغرب باكستان.
لكن "باكستان الشرقية"، التي كانت منفصلة جغرافيًا عن الغرب، كان بها عدد كبير من السكان البنغاليين ولغتها وثقافتها وتاريخها مختلف نسبيا.
وأسهمت هيمنة "باكستان الغربية" على القوة السياسية والاقتصادية في البلاد، في شعور الباكستانيين الشرقيين بالإهمال، فظهرت دعوات استقلال بنغلاديش في الشرق وانفصلت.
من قادوا هذا الانفصال، ومنهم قائده "مجيب الرحمن"، والد الشيخة حسينة، هاجموا الجماعة الإسلامية، وقالوا إنها لم تدعم جهود الاستقلال.
وخلال حرب تحرير بنغلاديش عام 1971، عارضت الجماعة الإسلامية في شرق باكستان (بنغلاديش الحالية) الاستقلال على أساس الوحدة الإسلامية والخوف من الحرب العنيفة، محذرين من دعم الهند وتمويلها الكامل للانفصال.
ورغم دورها في دعم نهضة بنغلاديش، تعرضت الجماعة الإسلامية لحملة قمع سياسية لا هوادة فيها غذتها اتهامات لا أساس لها من الصحة من قبل معتنقي عقيدة هندوتفا الهندية بارتكاب جرائم حرب خلال "حرب التحرير".
وبعد أن نالت بنغلاديش استقلالها عام 1971، استهدفت الحكومة، الجماعة الإسلامية بصفتها خصما سياسيا.
واعتقلت السلطات قيادة الجماعة الإسلامية وحظرت حزبها، ومنذ ذلك الحين والمحاكمات الجائرة تجري بحقهم بحجة أنهم ارتكبوا جرائم حرب منذ عشرات السنين في حرب الاستقلال عام 1971، ونصبت المشانق لهم.
كانت مسوغات اتهام السلطة للجماعة الاسلامية هي أن قادتها قادوا فرقة "البدر" التي كانت لجنة شعبية مسلحة، عاونت الجيش الباكستاني ضد المتمردين (الذين استقلوا ببنغلاديش)، إبان الحرب بين الهند وباكستان في 1971.
والتي استمرت 6 أشهر، وأسفرت عن انفصال شرق باكستان وإعلان دولة بنغلاديش المستقلة.
وقد بدأت حسينة واجد تصفياتها السياسية ضد الجماعة الإسلامية عام 2013 خشية ثقلها الجماهيري.
وتذرعت بمعارضة هذه الجماعة للانفصال عن باكستان وارتكاب بعض قادتها لجرائم حرب وتصفيات لمؤيدي الانفصال.
وتجرأت وأعدمت عام 2016، وللمرة الخامسة خلال سنة واحدة، زعماء للجماعة الإسلامية المعتدلة، أبرزهم الشيخ مير قاسم، والشيخ "مطيع الرحمن نظامي".
وذلك بعد إدانتهم بجرائم وهمية لا وجود لها يزعم أنها تعود إلى حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان قبل 53 عاما.
ويقول منتسبين للجماعة الإسلامية إن حكومة بنغلاديش أعدمت الصف الأول من قاداتهم، وحاليا الصف الثاني محكوم عليه أيضا بالإعدام وينتظر التنفيذ.