حمالو المتاعب على حدود العراق.. لماذا تقتل إيران "الكولبار" الأكراد؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تعيش شريحة من أكراد إيران يطلق عليها "الكولبار"، حياة قاسية يسقط أفرادها قتلى ومصابين بشكل يومي، جراء مهنتهم المحفوفة بالمخاطر، والتي يتكسبون منها قوتهم في مناطقهم الفقيرة الحدودية مع العراق غرب البلاد، حيث تندر فرص العمل.

"الكولبار" تسمية تطلق على الحمّالين الذين ينقلون البضائع على ظهورهم بطريقة فريدة، وذلك عبر الحدود الإيرانية لمسافات طويلة، معظمها في المناطق الكردية الجبلية الفقيرة المتاخمة للعراق، لكن السلطات الإيرانية تصفهم بأنهم "مهربون".

مضاعفة القتل

في كل شهر تتصاعد أعداد القتلى من هذه الشريحة، إذ قالت منظمة "هينجاو" الحقوقية إن ما لا يقل عن 118 حمّالا عابرا للحدود "الكولبار" قتلوا أو أصيبوا غرب إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما يمثّل زيادة بنحو ثلاثة أضعاف مقارنة بالشهر السابق.

وأفادت المنظمة التي تتخذ من النرويج مقرا لها خلال بيان في 5 ديسمبر، بأنه "في الشهر الماضي، توفي 8 من الحمالين (الكولبار)، أحدهم تحت سن 18 عاما، وأصيب 110 آخرون بجروح، بينهم 14 قاصرا، حيث تواصل إيران حملتها على التجارة غير المشروعة عبر الحدود".

وبحسب "هينجاو"، فإن أكثر من 93 بالمئة من الضحايا قتلوا نتيجة "إطلاق نار مباشر" من القوات المسلحة الإيرانية، إذ وقعت أكثر الإصابات في محافظة كردستان غرب إيران، 93 حالة، تليها كرمنشاه، 22 حالة، ثم أذربيجان الغربية، 3 حالات.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن موقع "كولبار نيوز" المعني بأخبار هذه الشريحة في نوفمبر، فإن ما مجموعه 85 حمّالا قتلوا في المناطق الحدودية وعلى الطرق السريعة في المحافظات الغربية أذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه بين مارس وسبتمبر 2023.

ومن بين أسباب الوفاة إطلاق النار المباشر من قبل القوات العسكرية، والعواصف الثلجية، وبرودة الطقس، والسقوط من الجبال والمرتفعات، حسبما أورد الموقع.

ومنذ عام 2012 حتى نهاية عام 2021، أفاد موقع "كولبار نيوز" بأنّ "ما لا يقل عن 547 كولبارا لقوا حتفهم، وأصيب أكثر من 1601 منهم في كرمانشاه وأذربيجان الغربية وكردستان".

وعلى مدى العقد الماضي، فقد المئات من الكولبار حياتهم أو أصيبوا بجروح أثناء قيامهم بنشاطهم في المناطق الوعرة المتجمدة، سواء برصاص قوات الأمن الإيرانية، أو ظروف العمل التي يعيشونها.

وفي هذه النقطة، يعلق الكاتب الكردي العراقي، رستم محمود، خلال مقال نشرته مجلة "المجلة" العربية الصادرة من لندن، قائلا: "مجموع الأحزاب الكردية الإيرانية، ومعها المنظمات الحقوقية والناشطون المدنيون، الإيرانيون عموما والأكراد منهم خصوصا، يحمّلون السلطات الإيرانية مسؤولية ما يجري يوميا بحق هذه الطبقة من العاملين".

وأوضح أن "سلوك عناصر الجيش والأجهزة الأمنية في نقاط المراقبة الحدودية الإيرانية تجاه أفراد الكولبار لا يتصف بأي مستوى من المسؤولية، فالنار تطلق مباشرة عليهم، ويُسدد عناصر القوات الإيرانية طلقاتهم نحو المناطق المُميتة من أجسادهم، من دون أي تحذير صوتي أو إنذار مسبق بإمكانية إطلاق النار".

ولفت إلى أن "هذه الجهات تتهم السلطات الإيرانية باستخدام عمليات الاغتيال ضد عمال الكولبار لترهيب المجتمعات الكردية في إيران، إذ تربط المنظمات الحقوقية بين تنامي أعداد ضحايا الحمّالين وتصاعد أشكال الاحتجاج والتظاهر التي تناهض النظام الحاكم في المناطق الكردية من إيران، فهي واحدة من أدوات النظام لتهديد وابتزاز المجتمع الكردي".

مهنة شاقة

وبخصوص طبيعة العمل التي تزاولها هذه الشريحة، كشفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 26 يناير 2021، أن من يعرفون بـ"الكولبار"، وهم الأشخاص الذين ينقلون البضائع المُهرَّبة على ظهورهم بين إيران وحكومة إقليم كردستان العراق، يعيشون مأساة قاتمة وشديدة وذلك بسبب صعوبة المهنة.

وبحكم هذه المهنة، يضطر "الكولبار" إلى حمل بضائع تصل إلى 120 كيلوغراما على ظهره عبر تضاريس حدودية جبلية خطيرة وملغومة، وذلك بعد أن أصبح النقل غير المشروع للبضائع على الحدود بين إيران وكردستان العراق مصدر دخلٍ لآلاف الأشخاص.

وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن "الكولبار في إقليم كردستان العراق يقومون بشراء المنتجات الإلكترونية والسجائر والأقمشة من أربيل (عاصمة الإقليم) ومناطق أخرى، ويسلِّمون البضائع لتجار في إيران وبعد فحص البضائع  تُدفَع أجور هؤلاء الحمّالين".

ولفتت إلى أن الكولبار يقومون بحمل بضائعهم  طيلة 12 ساعة في اليوم كلِّ مرة، ويتقاضون أجورا تتراوح بين 7 و12 دولارا، مشيرة إلى أن أعمارهم تتراوح ما بين 15 إلى 75 عاما، حتى إن هناك الكثير منهم ممن تخرجوا في الجامعات ومنهم أطباء ومهندسون مُتعطِّلون عن العمل.

الكولبار وفي شهور الشتاء يحاولون عبور الممرات الجبلية التي تصطف على جانبيها الثلوج، التي يصل ارتفاعها إلى متر، متعرضين للموت أو الإصابات التي قد تتسبَّب في الإعاقة، وفقا للصحيفة.

ونقلت عن عالم الاجتماع الإيراني حميد رضابور، قوله إن الكولبار ظهروا بسبب الأزمة الاقتصادية في محافظات كردستان إيران وأذربيجان الغربية وكرمنشاه.

وأضاف رضابور أنه لا توجد مصانع في المنطقة ليعمل فيها الناس فهناك مُعلِّمون ومهندسون وعاطلون عن العمل يعملون ككولبار، بالإضافة إلى أطفالٍ دون سنِّ الـ18، وكبار يناهزون الـ70 من العمر.

نظرة المسؤولين

وعن موقف المسؤولين الإيرانيين وتعاطيهم مع قضية الكولبار، فقد شهدت تباينا، إذ يراها البعض بأنها مهنة غير قانونية، لأنهم يحملون حمولة فوق أكتافهم، ولا يدفعون جماركها، ولم تدخل الدولة من معابر رسمية، فيما يصرّح آخرون بعدم مخالفتها للقانون.

وبحسب تقرير لموقع "إيران واير" الإيراني المعارض، في 1 أبريل 2020، أن  مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي صرّح بأن "مهنة الكولبار لا تُعد علميات تهريب، والعمل الذي يقومون به لا يمثل أهمية في مجال التهريب، وإذا لم يتم التصدي لهم فلا توجد مشكلة".

لكنه، بحسب الموقع، "أثناء المتابعة القضائية لإحدى الملفات المتعلقة بإطلاق ضباط الشرطة أعيرة نارية على مواطن في المدينة الحدودية أظهر المدعي العام في النيابة العسكرية رسالة من مكتب مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد تم التأكيد فيها أن ضباط حرس الحدود لا يمكن إدانتهم بتهمة أنهم أطلقوا النار على الكولبار وقتلوهم أو أصابوهم".

وكان الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، عندما رئيسا للسلطة القضائية، قد صرح في وقت سابق خلال زيارة لمحافظة كردستان الإيرانية (لم يذكر التاريخ) بأنه عندما يتحدث عن تهريب البضائع فالمقصود ليس كولبارَين، وينبغي إعادة هيكلة مهنة الكولبار.

 

واقترح رئيسي في حينها "إعادة هيكلة مهنة الكولبار عبر مخاطبة البرلمان، لكن بالنظر لاعتراض مراكز الأبحاث البرلمانية توقف المقترح، ولم يحصل على أصوات في جلسة التصويت عليه".

وفي عام 2010 صادق المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على قرار من أجل إنهاء مهنة الكولبار، والذي بموجبه يتم تخصيص 10 بالمئة من إجمالي الدخل الناتج من عبور الحدود كل عام لإنشاء المصانع والورش وخلق فرص عمل في المناطق الحدودية، لكن المقترح لم يُنفّذ.

وفي أبريل/ نيسان 2018، صادق وزير الداخلية الإيراني السابق، عبد الرضا رحماني فضلي، على قرار المجلس الوزاري من أجل إعادة تأهيل مهنة الكولبار، وطلب من محافظي المحافظات الحدودية والأجهزة المعنية دراسة موانع نشاط هؤلاء الحمّالين في المحافظات الحدودية وتقديم السبل المقترحة.

وبحسب مادة تقنين الجرائم والعقوبات والمادة 2 من قانون العقوبات الإيراني، فإن مهنة الكولبار لم تُذكر على أنها جريمة في أي مادة من مواده، ولم تُحدد لها عقوبة قانونية في الدستور الإيراني.

وبحسب المادة 18 من القانون الإيراني لمكافحة تهريب البضائع والعملة الصعبة، فإنه يحكم على مرتكب جريمة تهريب البضائع والعملة الصعبة أو التحفظ عليها بغرامة نقدية تتناسب مع نوع البضائع، إضافة إلى ضبطها، لكن ما يحدث مع الكولبار هو أنهم يتعرضون لإطلاق أعيرة نارية صوبهم مباشرة.