حلقة جديدة من الأزمات بين الجزائر وفرنسا.. ما انعكاساتها على إسبانيا؟
تأتي هذه التطورات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بالجزائر في يوليو/ تموز 2024
مع تفاقم مشاكلها مع فرنسا بسبب عزم الأخيرة الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء تحت السيادة المغربية، يبدو أن الجزائر بدأت في تليين علاقتها مع إسبانيا التي كانت توترت العلاقة معها بسبب القضية ذاتها.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة “الإندبندينتي” الإسبانية إن الجزائر بدأت في إظهار علامات استعدادها لاستئناف المعاملات التجارية الثنائية مع إسبانيا بعد فتور أستمر شهور.
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، لتتحول العلاقة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت "البوليساريو" قيام ما سمته "الجمهورية العربية الصحراوية" عام 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوا بالأمم المتحدة، وفي المقابل عمل المغرب على إقناع العديد من هذه الدول بسحب اعترافها بها في فترات لاحقة.
ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته وهو طرح أعلنت إسبانيا دعمها إياه، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
مرحلة جديدة
وفي إشارة إلى هذا التحول، نقلت الصحيفة عن وزير التجارة وترقية الصادرات الجزائري، الطيب زيتوني، قوله إن بلاده ستعمل على تصدير 150 ألف طن من الحديد إلى إسبانيا خلال الأيام المقبلة.
وجاءت هذه الخطوة بعد عامين من تعليق السلطات معاهدة حسن الجوار وتجميد المعاملات من وإلى إسبانيا، ردا على التغيير التاريخي لموقف الحكومة الإسبانية في نزاع الصحراء.
وبحسب التفاصيل التي قدمها وزير التجارة في مقابلة مع التلفزيون الجزائري، سيتم تنفيذ عملية التصدير من قبل شركة توسيالي، وهي شركة جزائرية تابعة لشركة تركية تنتج الصلب والحديد ويقع مقر إنتاجها في ضواحي وهران.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركة الجزائرية تغطي 70 بالمئة من احتياجات البلاد من مواد البناء.
وبحسب المسؤول الجزائري، فإن بلاده منفتحة على إقامة روابط اقتصادية مع إسبانيا إذا طلبت مدريد إقامة علاقات اقتصادية حقيقية.
ورأى أن موقف الحكومة الإسبانية من القضية الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن أن يمهد الطريق لاستئناف العلاقات التجارية الثنائية.
لكنه أصر على أن الشركات الجزائرية "صارمة" ولا تعمل مع "دول لا تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".
وزعم الوزير أن قرار قطع المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا جاء "نتيجة قرارات اتخذها مستثمرون جزائريون وليس قرارا سياسيا".
سنتان من الجمود
ونقلت الصحيفة أن جمعية البنوك الجزائرية قررت تعليق التحويلات من وإلى إسبانيا على خلفية الأزمة الدبلوماسية التي أثارها قرار بيدرو سانشيز بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء المستعمرة الإسبانية السابقة.
وحول هذا القرار، اعترف رجل أعمال إسباني له استثمارات لها وزنها في الأراضي الجزائرية قبل بضعة أشهر في محادثة مع صحيفة "الإندبندينتي"، قائلا: "في الجزائر، السرية تامة حول هذه المسألة".
ولا تزال بعض الشركات تعاني من عدم السداد الناتج عن الإغلاق، بينما اختارت شركات أخرى، للتحايل على حق النقض، إرسال بضائعها عبر دول مجاورة مثل البرتغال أو إيطاليا.
في يناير/كانون الثاني 2024، رفعت الجزائر جزئيا الحصار المفروض على الصادرات الإسبانية، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات التجارية لمنتجات الدواجن الإسبانية.
لكن، ليس من المرتقب أن تتوسع المعاملات في هذا القطاع في المستقبل القريب.
وفي هذا الصدد، قال رجل الأعمال: "ستأتي "الاستثناءات وفقا لمصالح الجزائر، وستتبلور على أرض الواقع في حال كانت تصب في مصلحة الشركات الإسبانية".
في ديسمبر/كانون الأول 2023، انقلب ما بدا وكأنه ذوبان الجليد في العلاقات الدبلوماسية، مع وصول سفير جزائري جديد إلى مدريد، إلى حصار جديد.
وفي شباط/ فبراير 2024، ألغيت زيارة خوسيه مانويل ألبارس المقررة إلى الجزائر قبيل موعدها المنتظر بقليل بسبب القيود ومطالب معينة لوزير الخارجية الإسباني.
وفي مواجهة مثل هذا المشهد والتزام الحكومة بزيادة الاستثمارات في المغرب، بدأت بعض الشركات الإسبانية في الانسحاب من السوق التي كانت تجتذب ذات يوم اهتماما هائلا من قبل المستثمرين الإسبان.
وتتوقع المصادر التي استشارتها الصحيفة ظهور بعض العلامات على ذوبان الجليد، مع عقد اجتماعات بين كبار المسؤولين من كلا البلدين.
وجاءت هذه الخطوات في خضم تغييرات على الساحة الجزائرية، حيث تشرف البلاد على الانتخابات الرئاسية في يوليو/ تموز 2024 ووسط حلقة جديدة من الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا.
وعلى وجه الخصوص، نددت الجزائر هذا الأسبوع بالحركة التي قامت بها الحكومة الفرنسية لدعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التطورات تعلن عن فجوة جديدة في العلاقات المعقدة دائمًا بين باريس والجزائر، وسط أصداء الاستقلال الجزائري الذي تشوبه عدة انتقادات.
وأوضحت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن "الحكومة الجزائرية علمت بأسف واستنكار شديدين بالقرار غير المتوقع وغير المناسب وغير البناء الذي اتخذته الحكومة الفرنسية، التي تدعم بشكل لا لبس فيه ودون تحفظ مخطط الحكم الذاتي للصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية".
اتفاقات طاقة بالخلفية
وأشارت صحيفة أ بي ثي إلى أن شركة الطاقة الإسبانية، ناتورجي، قد أبرمت خلال هذا الشهر اتفاقية لتوريد الغاز من الجزائر مع سوناطراك الجزائرية. وبهذه المناسبة، يؤكد الإسبان والجزائريون علاقتهم القوية ويضمنون تعديل الأسعار حسب السوق.
مستفيدة من عرض النتائج لنص السداسي الأول، حيث حققت أرباحا بحوالي 1.043 مليون يورو، أعلنت شركة ناتورجي أنها توصلت إلى اتفاق لتحديد الأسعار لسنة 2024 مع سوناطراك.
وأوضحت الشركة التي يرأسها فرانسيسكو رينيس أن "هذا الاتفاق يؤكد متانة العلاقة بين سوناطراك وناتورجي، ويضمن أن تعكس الأسعار ظروف السوق الحالية، ويسلط الضوء على الالتزام بأمن الإمدادات".
ونوهت الصحيفة إلى أن شركة كريتيريا كايشا القابضة الإسبانية، أكدت في 16 نيسان/ أبريل 2024، أنها تجري محادثات مع مجموعة استثمارية محتملة، وهي شركة طاقة، التي تتفاوض من أجل صفقة استحواذ مشتركة على "ناتورجي".
وأخيرا ذهب كل الجهود سدى. لم يتم التوصل إلى اتفاق مع كريتيريا أو المساهمين فيها. وفي 10 تموز/ يونيو 2024، أعلنت الشركة القابضة أن مفاوضاتها مع طاقة بشأن التعاون المحتمل فيما يتعلق بناتورجي قد انتهت ولم يتم التوصل إلى اتفاق.
وتجدر الإشارة إلى أن صفقة الاستحواذ على ناتورجي قد كانت محط اهتمام البلدان المنتجة للطاقة.
وبعد سعي بلدان الخليج، وتحديدا شركة طاقة، للسيطرة على الشركة الإستراتيجية الإسبانية، طفا على السطح التنافس بين الجارتين المغاربيتين، الجزائر والمغرب، من أجل الاستحواذ على أسهم في شركة ناتورجي.
وعلى الرغم من أن لكل دولة خطتها التي تحاك في كنف السرية، إلا أن النصيب الأكبر من الكعكة كان من حظ الجزائر التي تمكنت من إبرام صفقة مع الشركة الطاقية الإسبانية.
ويعكس هذا المعطى الأهمية التي توليها إسبانيا إلى علاقاتها التجارية مع الجزائر، وخاصة في مجال الطاقة.