حال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.. ما إمكانية تدفق مليشيات إيران إلى لبنان؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تثار تساؤلات أخيرا حول إمكانية أن يستقطب حزب الله اللبناني مقاتلين من باقي فصائل محور إيران، حال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، وسط تسخين متواصل من الجانبين.

وطرح البعض سيناريوهات عديدة أبرزها تحول لبنان إلى سوريا أخرى، تستقطب مليشيات من كل حدب وصوب كما يحدث مع هذه الجارة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

فضلا عن القلق من أن تستغل إيران مرحلة الضعف التي ستصبح عليها دولة الاحتلال لو دخلت حربا شاملة جديدة مع حرب الله لتوجيه ضربات قاتلة لإسرائيل.

من سوريا للبنان

وحاولت وكالة “أسوشيتد برس” 23 يونيو/حزيران 2024 استنطاق مسؤولين من فصائل مدعومة من إيران ومحللين حول احتمالات تدفق آلاف المقاتلين من أذرع إيران للبنان للانضمام إلى معركة حزب الله ضد إسرائيل إذا تحول الصراع لحرب شاملة.

مسؤولون من هذه الجماعات المدعومة من إيران أكدوا للوكالة الأميركية أنهم قد يتحدون مرة أخرى، ولكن هذه المرة ضد إسرائيل.

وذلك على غرار ما فعلوا في سوريا وتجمعوا هناك لقتال المعارضة السورية السنية على مدار 13 عاما، ما رجح كفة الميزان لصالح رئيس النظام المتحالف مع إيران بشار الأسد.

إذ ينتشر بالفعل الآلاف من هؤلاء المقاتلين في سوريا ويمكنهم التسلل بسهولة عبر الحدود التي يسهل اختراقها.

مسؤول في جماعة مدعومة من إيران في العراق قال لوكالة أسوشيتد برس في بغداد "سنقاتل جنبا إلى جنب مع حزب الله إذا اندلعت حرب شاملة".

وأشار مسؤول آخر في جماعة لبنانية مدعومة من إيران إلى أن مقاتلين من قوات الحشد الشعبي العراقية ولواءي “فاطميون” الأفغاني و”زينبيون" الباكستاني والحوثيين في اليمن قد يتجهون إلى لبنان للمشاركة في الحرب.

وقد تحدث عن هذا أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، في خطابه يوم 19 يونيو/حزيران 2024 مبينا أنه يتجهز للقتال مع قواته ضد إسرائيل، مليشيات من إيران والعراق وسوريا واليمن ودول أخرى.

أكد أن قادة هذه المليشيات "عرضوا في السابق إرسال عشرات الآلاف من المسلحين لمساعدة حزب الله"، لكنه قال إن الجماعة لديها بالفعل أكثر من 100 ألف مقاتل، وأضاف: "قلنا لهم شكرا، ولكننا لدينا أعداد ضخمة".

ومع أن نصرالله أوضح أن المعركة بشكلها الحالي لا تستخدم سوى جزء من القوة البشرية لحزب الله، في إشارة واضحة إلى المقاتلين المتخصصين الذين يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة، لكن هذا قد يتغير في حالة نشوب حرب شاملة. 

وقد ألمح نصر الله إلى هذا الاحتمال في وقت مبكر خلال خطاب ألقاه عام 2017 قال فيه إن مقاتلين من إيران والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان "سيكونون شركاء" في مثل هذه الحرب.

وكان تقرير صادر عن “المجلس الأطلسي”، في مايو/أيار 2020 قدر أن حزب الله لديه حوالي 30 ألف مقاتل نشط وما يصل إلى 20 ألف احتياطي في ذلك الوقت، أي 50 ألفا.

واندلع آخر صراع واسع النطاق بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، عندما خاض الطرفان حربا استمرت 34 يوما وأسفرت عن مقتل حوالي 1200 لبناني و140 إسرائيليا.

ومنذ اشتعال موجة الاشتباكات الحالية، قُتل أكثر من 400 شخص في لبنان، بينهم 70 مدنيا والباقي من حزب الله، فيما قُتل 16 جنديا إسرائيليا و11 مستوطنا على الجانب الإسرائيلي.

واشتعل التصعيد بين الطرفين عقب تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 عملية طوفان الأقصى وما تبعه من عدوان إسرائيلي على غزة. 

سيناريو المليشيات

وعقب وصول الربيع العربي إلى سوريا عام 2011، وانطلاق المظاهرات المناهضة لحكم الأسد، رد النظام السوري بالرصاص وقتل الآلاف، وحين بدأت قوى معارضة سورية تتشكل للرد على عنفه، أرسلت إيران الغوث.

قدمت إيران منذ عام 2011 دعما كبيرا للنظام السوري، كان أهمه إرسال مليشيات شيعية من عدة دول أبرزها لبنان (حزب الله) والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، لقتال المعارضة السنية وتدمير المدن التي تتحصن بها، كما استعانت بروسيا لقمع الانتفاضة السورية المدنية.

انتشار المليشيات التابعة لإيران في سوريا بدأ في مايو/أيار 2011، أي بعد نحو شهر ونصف من اندلاع الاحتجاجات الشعبية.

وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" يبلغ عدد هذه المليشيات (سورية، عراقية، لبنانية، أفغانية، باكستانية) ما لا يقل عن 65 ألف عنصر يتوزعون في مناطق سيطرة النظام.

وفي أغسطس/آب 2020، ذكر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أن عدد هؤلاء أكثر من 100 ألف عنصر، منضوون في 70 مليشيا.

كان من أبرز من دعموا بشار الأسد من أذرع إيران من المليشيات العربية “حزب الله” اللبناني، و"لواء أبوالفضل العباس" العراقي.

وكذلك "كتائب حزب الله" العراقي، و"حركة النجباء العراقية"، و"عصائب أهل الحق"، و"فيلق الوعد الصادق".

بخلاف مليشيا "سرايا طلائع الخرساني" العراقية التي تعد الجناح العسكري لـ "حزب الطليعة الإسلامي"، و"قوات الشهيد باقر الصدر"، و"لواء الإمام الحسين"، و"لواء ذو الفقار"، "لواء صعدة اليمني" الحوثي.

وكذلك وتشكيلات عديدة أخرى صغيرة، مثل: "لواء عمار بن ياسر"، و"لواء أسدالله الغالب"، و"سرايا عاشوراء"، و"جيش المؤمل"، و"لواء اليوم الموعود"، و"لواء بقية الله"، و"فوج التدخل السريع".

أيضا ساعد بشار الأسد من المليشيات الشيعية غير العربية: "لواء الفاطميون" المكون من الأفغان الهزارة، و"لواء زينبيون" الذي انشق عن سابقه ويضم باكستانيين وأفغانا من الشيعة ويتلقى عناصره تدريبات في إيران.

القلق من هذا السيناريو هو أحد أسباب تعهد أميركا رسميا بحماية إسرائيل لو دخلت في حرب مع حزب الله، ما قد يشمل تنفيذها هجمات بحق الحزب.

كما يفسر تدفق صفقات سلاح جديدة على تل أبيب، ونقل حاملة الطائرات "أيزنهاور" من البحر الأحمر للمتوسط، واستدعاء وفد عسكري برئاسة وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أميركا 20 يونيو 2024 لمناقشة خريطة الحرب وتداعياتها المحتملة. 

وأكد مسؤولون أميركيون كبار لوفد عسكري وسياسي إسرائيلي زار واشنطن أنه في حال اندلاع حرب شاملة على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله، فإن إدارة الرئيس جو بايدن، مستعدة تماما لدعم حليفها، وفق شبكة "سي إن إن" الأميركية 20 يونيو 2024.

وخلال هذا اللقاء أكد وزير الخارجية توني بلينكن "التزام الولايات المتحدة الثابت بأمن إسرائيل"، وفق ما قال المتحدث باسمه، ماثيو ميلر.

مع هذا ترى "باربرا ليف"، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أن إدارة بايدن تعمل "بشكل متواصل لمنع إيران ووكلائها في لبنان والعراق واليمن من استغلال الأزمة في غزة والسعي إلى توسيع الصراع"، وفق صحف أميركية.

ووفقاً لمقابلات أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية 21 مارس/آذار 2024 مع مسؤولين أميركيين، فقد كانت إسرائيل ترغب في ضرب حزب الله، فور بدء إسناده غزة في 8 أكتوبر 2023، خشية قيامه باجتياح أراضيها أيضا، لكن واشنطن رفضت.

قال المركز: "كانوا قلقين من أن تؤدي ضربات إسرائيل في لبنان إلى إشعال حرب إقليمية دون داع، وكانوا متشككين في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية التي تفيد بأن هجوما وشيكا من حزب الله سيحدث".

وأكد خبراؤه أن على واشنطن زيادة الجهود الدبلوماسية لمنع نشوب حرب شاملة، "لأنها ستدمر إسرائيل ولبنان معا، وتشعل حريقا أوسع نطاقا في منطقة قابلة للاشتعال بالفعل، وتؤدي لهجمات على القوات الأميركية بالمنطقة".

ويؤكد المركز أنه بجانب أن حزب الله حسن جيشه بشكل كبير منذ عام 2006 وخزن أكثر من 120 ألف قطعة سلاح في لبنان وسوريا، فهو لديه جيش احتياطي من أذرع إيران.

قال إن "الشركاء الإيرانيين والقوات الوكيلة في لبنان وسوريا والعراق ودول أخرى في جميع أنحاء المنطقة، يمكن أن تجعل التهديد القادم من الشمال في إسرائيل يزداد سوءًا بمرور الوقت".

كما أن تجربة حزب الله في القتال دعماً لبشار الأسد في سوريا على مدى العقد الماضي أتاحت له الوصول إلى قدرات وكفاءات تستخدمها الجيوش التقليدية، وزادت قدراته على إجراء مناورات منسقة لقوات أكبر، واستخدام المدفعية.

وقد أكد المحلل الأميركي "جيمي ديتمر" في تقريرين بمجلة "بوليتيكو" 21 يونيو 2024، وموقع "صوت أميركا" 17 أبريل/نيسان 2016 أن قادة حزب الله أخبروه أن "عملياتهم في سوريا كانت بمثابة بروفة مفيدة لحربنا القادمة مع إسرائيل".

لكن عددا متزايدا من المسؤولين والمحللين في إسرائيل وخارجها ومنهم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيال هولاتا، يخشى أن يكون تصعيد حزب الله “بمثابة إلهاء، يسمح لإيران بتحقيق تقدم غير مسبوق في برنامجها النووي”، وفق مجلة "فورين بوليسي" 16 يونيو 2024.

تغيير ميزان القوى

وتشير تقديرات مراكز أبحاث إلى أن هذا السيناريو المحتمل، الخاص بانضمام أذرع إيران، لو اندلعت حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، لن يحول لبنان إلى سوريا أخرى.

ولكن سيتفرع عنه سيناريوهات أخطر، تتمثل في دخول أطراف دولية الحرب، ومن ثم تغيير شامل في ميزان القوى بالمنطقة.

وربما تسريع انهيار الدولة الصهيونية التي يخشى اليهود أن تنهار في عمر 80 عاما مثل ممالكهم السابقة.

التقارير الأجنبية ترى أن القوى الغربية الكبرى لن تسمح بالاستقرار في المنطقة، إلا إذا تحققت مصالحها، وخرجت إسرائيل منتصرة نسبيا من المعارك الحالية، لذا ستصعد نحو الحرب وقد تتدخل فيها بشكل مباشر.

هذا السيناريو، سيحول المنطقة العربية لحالة عداء مباشر مع أميركا والغرب خصوصا إذا دعمت قبرص واليونان إسرائيل بمطاراتها واتفاقات التعاون العسكري، وقصفهم حزب الله.

وسيفيد هذا روسيا لجهة تعزيز نفوذها بالمنطقة العربية ومحاولة حسم قضية حرب أوكرانيا في ظل انشغال الغرب في هذه المواجهة الشاملة.

وحذر نصرالله من أن جماعته ستقاتل "بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا سقف" في حال اندلاع حرب أوسع مع الاحتلال، وأنه لن يكون هناك مكان في إسرائيل آمنا من هجمات حزب الله في البحر والبر والجو"، في إشارة لسيناريو المواجهة الشاملة.

كما حذر نصر الله قبرص للمرة الأولى من أن حزب الله قد يعدها "جزءا من الحرب" إذا استمرت في السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها وقواعدها لإجراء تدريبات عسكرية، ما يعني تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، كما ألمح قادته في تعقيبهم على هذه التهديدات.

وقد أكد تقرير لـ "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" 21 مارس/آذار 2024 أنه "حتى لو حققت إسرائيل هزيمة حاسمة لحزب الله في حرب شاملة، فلن يؤدي ذلك إلى تدمير الجماعة نظرا لجذورها العميقة في لبنان ودعم إيران القوي لها".

وقد بدأ المحللون الإسرائيليون يخشون هذا السيناريو، فقد حذر "رفيف دروكر" في صحيفة "هآرتس" 24 يونيو 2024، من أن "الحرب مع حزب الله في لبنان ستقودنا إلى هزيمة مطلقة".

ودعا للرد على إذلال حزب الله اليومي لإسرائيل بقصفها بالمسيرات، بالاكتفاء بتعزيز بتقوية خطوط الدفاع عن البلدات والخطوط الحدودية شمال إسرائيل كي لا يجتاحها مقاتلو الحزب كما فعل مقاتلو كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في جنوب الأراضي المحتلة.

ووصف المحلل "تسفي برئيل" في مقال بصحيفة "هآرتس" 2024 إستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي يتردد أنها “تدمير لبنان للضغط على حزب الله وفرض اتفاق بين الطرفين” بأنها "فاشلة".

وذلك لأن "العالم لا يمكن أن يسمح بأن يكون لبنان غزة ثانية"، كما أن حزب الله سيدمر إسرائيل أيضا.

ذكر المحلل الإسرائيلي أن الأمر في لبنان مختلف عن غزة، لأن حزب الله يسعى للحفاظ على مصالحه ومصالح إيران حتى بعد الحرب، بحيث لا يفقد سيطرته السياسية في بيروت.

ويرى موقع "بوليتيكو" الأميركي 21 يونيو 2024 أن نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، سيكون مدمرا بالنسبة لكل الأطراف ويعصف بالمنطقة بأكملها وخارجها. 

كما من شأن ذلك أيضا أن يلحق الضرر بعملية التطبيع الهشة التي تقودها الولايات المتحدة، بين الدول العربية وإسرائيل.

لكن الموقع الأميركي يؤكد أنه رغم الدمار المتوقع من هذه الحرب الشاملة، يؤيد معظم الإسرائيليين ضرورة شن هجوم كبير في نهاية المطاف، بنسبة 36 بالمئة وفقا لاستطلاع للرأي أجراه "معهد سياسة الشعب اليهودي".

وأوضح أن القوميين والأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه نتنياهو يرون أن الهجوم على لبنان لن يكون فقط لحماية إسرائيل من أعدائها.

ولكنهم يزعمون أن الحرب فرصة للاستيلاء على جنوب لبنان، الذي يعدونه جزءا من "أرض الله الموعودة" ويجب أن يستوطنها الإسرائيليون.