خطر الانهيار.. هل يعود العمال الفلسطينيون إلى العمل داخل الأراضي المحتلة؟
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يواجه اقتصاد السلطة الفلسطينية "خطر الانهيار" بسبب منع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل، وفقا لما ذكره معهد أمني عبري.
ومع اقتراب ليالي رمضان المتوترة، يرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن "العودة التدريجية والمضبوطة للعمال الفلسطينيين، الذين لا يشكل عملهم خطرا أمنيا، قد تسهم في تخفيف التوترات المتزايدة بسبب الوضع الاقتصادي".
وفي هذا الإطار، ناقش المعهد تفاصيل الوضع الاقتصادي الفلسطيني، وكيف يمكن منع تفشي الغضب على نطاق واسع.
تراجع ملحوظ
ومع مرور نحو خمسة أشهر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من الواضح -بالنسبة للمعهد العبري- أنه "لا نهاية تلوح في الأفق".
وتابع: "منذ ذلك الوقت، يعمل الجيش بقوة في (إبادة) قطاع غزة، كما أنه نجح في قمع العديد من المحاولات لتنفيذ عمليات مقاومة في الضفة الغربية".
إضافة إلى ذلك، ذكر المعهد أن جيش الاحتلال "رد على الجبهة الشمالية، والتي بدأها حزب الله".
ومع كل هذه التوترات، قال المعهد إن "الحياة في إسرائيل تعود ببطء إلى مسارها الطبيعي، باستثناء بعض المناطق التي أُجلي سكانها، وبسبب تجنيد العديد من العمال في الاحتياط".
وفي الوقت نفسه، سلط الضوء على كون "الساحة الفلسطينية بعيدة كل البعد عن العودة إلى المسار الصحيح".
ومن وجهة نظره، فإن "قطاع غزة، الذي هو في عين العاصفة، يدفع الثمن بسبب الضغوط العسكرية الإسرائيلية".
ومن ناحية أخرى، لفت المعهد إلى "حدوث تراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية".
ووفقا له، يرجع ذلك جزئيا إلى "القرارات التي اتخذت في إسرائيل عند اندلاع العدوان، والتي تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية في المنطقة".
وبشأن القرارات، أشار المعهد إلى أن "إسرائيل قررت خفض الضرائب التي تحول السلطة الفلسطينية كل شهر جزءا منها إلى قطاع غزة".
بالإضافة إلى الاستقطاعات المستمرة منذ عدة سنوات في الأموال المخصصة لعائلات الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
علاوة على ذلك، منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، فرضت إسرائيل حظرا شاملا على دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى أراضيها، وفق ما ورد عن المعهد.
اقتصاد متشابك
بالنسبة للعمل في الأراضي المحتلة، أكد المعهد الأمني على أهميته الكبيرة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني.
وينص بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع عام 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، على تقديم المساعدة للاقتصاد الفلسطيني من أجل تعزيز نموه.
ولكنه عمليا -بحسب توضيح المعهد- أنشأ اتصالا واعتمادا متبادلا بين اقتصاد فلسطين واقتصاد الاحتلال.
ومع ظهور الاستقرار الأمني على المستوى الميداني، أبدت إسرائيل انفتاحا أكبر على دخول العمال الفلسطينيين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبشأن وضع العمال في إسرائيل، أوضح المعهد أنه "قبل الحرب الأخيرة، عمل حوالي 165 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل نفسها وفي مستوطنات الضفة الغربية. حيث يعمل حوالي 130 ألف منهم بتصريح، وعدد آخر غير معروف، والمقدر بحوالي 35 ألف، بدون تصريح".
وتابع: "لكن منذ 7 أكتوبر، فقد حوالي 150 ألف من الذين عملوا داخل الخط الأخضر مصدر رزقهم".
وأردف: "ورغم أن العمال يدركون التشدد الكبير في موقف إسرائيل هذه المرة مقارنة بالماضي بعد عملية حركة حماس، وأيضا في ظل عدم إدانة السلطة الفلسطينية لـ(طوفان الأقصى)، إلا أنهم مازالوا يأملون في العودة إلى وظائفهم".
من منظور الاقتصاد الكلي، أوضح المعهد أن "الدخل من العمل في إسرائيل وفي المستوطنات كان يمثل حوالي 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، كما كان بمثابة دعم قوي للحفاظ على استقرار السلطة الاقتصادي".
وفي عام 2022، أدخل هؤلاء العمال أكثر من أربعة مليارات دولار إلى الاقتصاد الفلسطيني، في حين بلغ إجمالي الميزانية السنوية للسلطة في ذلك العام حوالي ستة مليارات دولار.
وفيما يخص الأجور، قال المعهد إن "أجر عامل البناء في الأراضي المحتلة بلغ حوالي 300 شيكل (83 دولارا) في اليوم، أي أكثر من ضعف متوسط أجر العمال في الضفة الغربية، والذي يبلغ حوالي 115 شيكل (نحو 32 دولارا) في اليوم الواحد".
وفي الوقت الحالي، وبعد قرارات الحكومة الإسرائيلية، أصبحت السلطة الفلسطينية معرضة لخطر الانهيار الاقتصادي، وفق المعهد العبري.
وأوضح: "حيث أصبح الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني من معدل بطالة وصل إلى نحو 40 بالمئة، غير قادر على أن يوفر -لمن يتمكن من العثور على عمل في الضفة الغربية- نفس مستوى الأجور الذي يقدمه لهم سوق العمل الإسرائيلي".
من جهتها، تضطر السلطة إلى تسريح وقطع الرواتب التي تدفعها للعديد من موظفيها، ومن بينهم العاملون في الأجهزة الأمنية، كما تحاول حشد الضغوط الدولية على إسرائيل، محذرة من مخاطر تدهور وضعها الاقتصادي.
اقتصاد ينهار
وفي غضون ذلك، لفت المعهد إلى أن "منع دخول العمال الفلسطينيين يضر أيضا بالاقتصاد الإسرائيلي، فضلا عن تضرره أساسا بسبب خسائر الحرب".
جدير بالإشارة أن معظم العمال الفلسطينيين الذين عملوا في الأراضي المحتلة قبل 7 أكتوبر كانوا يعملون في قطاعات البناء والزراعة والمطاعم.
وأوضح المعهد أن الأضرار التي لحقت بصناعة البناء كبيرة بشكل خاص، حيث إنها توظف 100 ألف عامل فلسطيني، أي حوالي ثلث جميع العاملين في هذه الصناعة في الأراضي المحتلة.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، هناك تباطؤ ملحوظ في هذا القطاع، حيث توقفت العديد من المشاريع أو تباطأت وتيرة تقدمها بشكل كبير.
وبحسب المعهد، لم تتوقف مؤسسات المقاولات في إسرائيل منذ أسابيع طويلة عن التحذير من التهديد الذي يحوم حول قطاع البناء.
وتبين -وفقا لما ذكره المعهد- أن البحث عن عمال بدلاء من إسرائيل أو دول أخرى، كما في حالات مماثلة في الماضي، "أصبح أمرا صعبا".
ويرى المعهد أنه "من الممكن أن تكون هناك سياسة انتقائية ومراقبة من شأنها أن تمنح اللجوء للفلسطينيين الأقل خطرا، ولا سيما العمال الأكبر سنا والمتزوجين وأولئك الذين لديهم أطفال".
ويوصي المعهد: "قبل ليالي رمضان، حيث يتزايد الاستهلاك في الأسواق وكذلك التجمعات الاجتماعية، ومع اتساع الأجواء العنيفة في الضفة الغربية وتزايد الغضب في إسرائيل، لا بد من اتخاذ إجراءات لتخفيف التوترات ومنع انتشار الغضب على نطاق أوسع".
ويرى أن "الإعلان عن العودة التدريجية للعمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، حتى لو بدأت عملية التنفيذ في نهاية شهر رمضان، سيبعث الأمل بين الكثيرين الذين تعتمد سبل عيشهم على العمل في الأراضي المحتلة".