الساحل الإفريقي.. هل بات منطقة مواجهة جديدة بين المغرب والجزائر؟
“كلا البلدين يسعى لإعادة تشكيل نفوذه في المنطقة"
تنافس متزايد بين المغرب والجزائر في منطقة الساحل الإفريقي، حيث يسعى كل بلد لتوسيع نفوذه الجيوسياسي في المنطقة من خلال مشروعات مختلفة وإستراتيجيات متعددة.
وبالنسبة للمغرب، يبرز دوره في استخدام القوة الناعمة والتركيز على مبادرات التنمية الاقتصادية والإنسانية والدبلوماسية.
ومن جهة أخرى، تعيد الجزائر تشكيل إستراتيجيتها الإقليمية منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون للحكم عام 2019.
تغييرات جيوسياسية
وأشارت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إلى أنه “رغم أن الجزائر كانت تاريخيا لاعبا رئيسا في الساحل بفضل موقعها الجغرافي وإستراتيجيتها الأمنية، إلا أن تأثيرها تراجع أخيرا بسبب التركيز على القضايا الداخلية وتغير مواقف الحكومات في دول الساحل”.
وإجمالا، أبرزت المجلة في تقريرها أن “كلا البلدين يسعى لإعادة تشكيل نفوذه في المنطقة وسط تغييرات جيوسياسية كبرى تشمل تصاعد أدوار قوى جديدة مثل روسيا والصين، ورغبة دول الساحل في تحقيق استقلالية أكبر وتنويع شراكاتها”.
وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وبمناسبة الخطاب الملكي الذي ألقاه في الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، أطلق الملك محمد السادس الشعار الجيوستراتيجي الجديد للمغرب؛ وهو تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وذكرت جون أفريك أنه بعد شهر ونصف الشهر، استقبل وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، نظراءه من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد في مراكش، وذلك خلال اجتماع وزاري تنسيقي لما يُعرف بـ"مبادرة الأطلسي".
وكما تصف المجلة الفرنسية، تعد هذه اليد الممدودة من الرباط إلى دول الساحل لتعزيز "فك العزلة" والتكامل الاقتصادي لهذه المنطقة بمثابة "إهانة" للجزائر، التي لطالما طمحت للوصول إلى هذا المحيط الإستراتيجي.
ومع ذلك، فإن هذا المشروع، الذي يركز في هذه المرحلة على الربط العابر للحدود، لا يزال قيد المناقشات والدراسات بين الدول المعنية.
ومن جانبه، بعد ثلاثة أشهر، في 13 فبراير/ شباط 2024، وفي خطاب ألقاه بمناسبة الاجتماع الـ41 للجنة توجيه رؤساء الدول والحكومات في الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا "نيباد"، أعلن تبون عن "إنشاء مناطق حرة مع الدول الشقيقة، بدءا من موريتانيا، ثم دول الساحل مثل مالي والنيجر، بالإضافة إلى تونس وليبيا".
كذلك لم ينس الرئيس الجزائري تذكير الحضور بمشروعات أخرى على مستوى القارة، مثل الطريق العابر للصحراء الذي من المفترض أن يربط ست دول إفريقية، أو الطريق بين تندوف وزويرات (الجزائر-موريتانيا).
منافسة شديدة
وفي هذا السياق، لفتت "جون أفريك" إلى أن "المنافسة الشديدة بين الجزائر والمغرب امتدت لتتجاوز حدود (إقليم) الصحراء الغربية".
وأكدت أنه "منذ عقد من الزمن، تجري المواجهة بين الجارين المغاربيين في منطقة الساحل، مع تسارع ملحوظ في السنوات الأخيرة".
وبالعودة إلى عام 2014، حين قرر محمد السادس توجيه دبلوماسية مملكته بشكل أكبر نحو القارة، أشارت المجلة إلى أن النفوذ الجزائري في الساحل كان في طريقه بالفعل إلى التراجع.
والسبب في ذلك -وفقا لها- هو "السكتة الدماغية التي تعرض لها الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2013، ثم حركة الاحتجاج، بين عامي 2019-2021، التي دفعت السلطات إلى التركيز على الاستقرار الداخلي".
ومنذ انتخاب تبون عام 2019، تحاول الجزائر استعادة مكانتها التاريخية في الشؤون المغاربية والساحلية.
وفي الواقع، قالت الباحثة في مؤسسة البحث الإستراتيجي في باريس والمتخصصة في الديناميكيات الإستراتيجية والأمنية في إفريقيا، دجانابو سي، إلى أن "المنافسة الجزائرية-المغربية شكلت مواقف والتزامات البلدين في المنطقة الساحلية".
وأضافت أنه "على مدى أربعة عقود، كانت الجزائر لاعبا جيوسياسيا رئيسا في الساحل. وتعد الجزائر هذه المنطقة الحدودية حديقتها الخلفية أو ساحة نفوذها، مثلما تعدها فرنسا".
ولفتت المجلة إلى أن "المشاريع الضخمة للبنية التحتية، والتي أُعلن عنها في أوقات متفرقة كل من الجزائر والمغرب، تشكل حلما للكثيرين، لكنها لا تزال تواجه صعوبة في التحقق".
ومثال على ذلك، مشاريع أنابيب الغاز الشهيرة بين نيجيريا والجزائر، ونيجيريا والمغرب، التي تهدف إلى هدف مشابه تقريبا وهو إمداد أوروبا بالغاز.
توقعات الساحل
ولكن من ناحية أخرى، أوضحت "جون أفريك" أنه "حتى اللحظة، يتصدر المغرب في هذا المجال، حيث حصل مشروع (أنبوب الغاز الأطلسي الإفريقي) على الموافقة الرسمية من الدول الأعضاء في مجموعة دول غرب إفريقيا (CEDEAO) خلال قمة أبوجا في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
كما أُعلن عن تنظيم حفل توقيع رسمي قبل يونيو/ حزيران 2025.
وبالعودة إلى الحديث عن الخلافات بينهما، أوضحت المجلة أنه "من منظور الساحل، يلوم البعض المغرب والجزائر على خلافاتهما التاريخية، التي تعيق أي تكامل اقتصادي في الفضاء المغاربي وأي تعاون أمني فعال خارج حدودهما، بل وأكثر من ذلك، يلوم البعض الدولتين على نقص التزامهما الفعلي.
وقالت الباحثة في مؤسسة البحث الإستراتيجي في باريس، دجانابو سي، إن "هناك حاجة حقيقية للمغرب والجزائر لتشكيل قراراتهما من خلال منظور تنافسي، لأن هذا لم يعد مقبولا من قبل الحكومات والشعوب في الساحل".
وحسب قولها، فإن "الخرائط الجيوسياسية في الساحل تتغير، وتثير المنطقة أطماع العديد من القوى الكبرى مثل روسيا والصين وتركيا والإمارات".
وفي الوقت نفسه، وبالإشارة إلى أن المنطقة تشهد تحولات داخلية، تتابع الباحثة: "أصبح من الضروري حدوث تغيير في العقلية، مع الرغبة في الحصول على استقلال حقيقي في اتخاذ القرارات".
ومن ناحية أخرى، أبرزت المجلة الفرنسية أن "العديد من الدول الإفريقية، بشكل عام، لم تعد ترغب في الاعتماد على قوة معينة، مما يستلزم تنويع الشراكات".
واستطردت: “لهذا السبب، على سبيل المثال، لا تعتبر الدول الواقعة جنوب الصحراء روسيا موضوعا رئيسيا، بل تعدها شريكا مثل غيرها، رغم أن هذا البلد يظهر أيضا عدم كفاءته في مجال الأمن والاستقرار”.
وترى أنه "من الضروري أن تتحقق المبادرات التي تُوضع من قبل المغرب، الذي يميل أكثر نحو التعاونات التي تعود بالفائدة على الجميع".
أما فيما يخص الجزائر، اختتمت المجلة تقريرها بالتشديد على أن "الحكومات والشعوب في الساحل تنتظر منها وضوحا وشراكة أكثر تكافؤا".