"الاستقلال الثاني".. ماذا عن التحديات التي تواجه حكومة بنغلاديش الجديدة؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

فرّت رئيسة الوزراء السابقة لبنغلاديش الشيخة حسينة إلى الهند بعد مظاهرات واحتجاجات تسببت في مقتل المئات وأنهت حكمها الذي استمر لأكثر من 20 عاما، وحلت محلها حكومة مؤقتة بقيادة المصرفي محمد يونس الحائز على جائزة "نوبل" للسلام. 

وفي تقرير حول التحديات التي تواجه هذه الحكومة المؤقتة، أوضح معهد إيطالي أن أحداث أغسطس/ آب 2024، التي وصفها الكثيرون بـ "الاستقلال الثاني"، دشنت مرحلة جديدة في تاريخ بنغلاديش، فيما يكتنف في الوقت نفسه الكثير من الغموض حول مستقبل البلاد.

وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن "بداية نهاية عهد الشيخة حسينة كانت في يونيو/حزيران 2024 باندلاع سلسلة من الاحتجاجات الطلابية تنديدا بنظام الحصص في الوظائف العامة".

وفي وقت قصير، اشتدت حدة الاحتجاجات وأسفرت عن مقتل المئات من المتظاهرين الشباب على يد الشرطة، وأمام تفاقم التوترات، اضطرت الشيخة حسينة لمغادرة البلاد.

مهمة شاقة

وأشار المعهد الإيطالي إلى أن المعارضة اتهمت لسنوات عديدة رئيسة الوزراء المخلوعة بتأسيس "نظام استبدادي وإسكات أي صوت معارض والسيطرة على السلطات التشريعية والقضائية، وكذلك الصحافة".

ونتيجة تسارع الأحداث وتطوراتها، سادت مخاوف من دخول البلاد مرحلة من عدم الاستقرار الشديد، لكن كانت هناك رغبة واضحة في ملء الفراغ السياسي بسرعة منذ اللحظات الأولى لفرار حسينة.

خاصة في ظل ضغوط مارسها المتظاهرون، يشير المعهد الإيطالي، الذين طالبوا بتشكيل حكومة مدنية بقيادة محمد يونس، الشخصية البارزة على المستوى الوطني والخارجي وهو ما أُعلن عنه بالفعل في 7 أغسطس.

وقال إن "مهمة شاقة تقع على عاتق حكومة يونس المؤقتة تتمثل في إخراج بنغلاديش من حالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه حاليا، وخاصة استعادة الديمقراطية وكذلك استقلالية البرلمان والقضاء والصحافة، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين واستعادة ثقة المواطنين".

كما ستتولى الحكومة مهمة تنظيم انتخابات جديدة لم يحدد موعدها في الوقت الحالي.

وعلى الجانب الاقتصادي، شدد المعهد على أن الحكومة المؤقتة أمام حتمية "طمأنة المستثمرين الدوليين الذين تفاعلوا بشكل سلبي مع هروب حسينة خاصة وأنها كانت تشكل بالنسبة لهم ضمانة للاستقرار". 

وفي هذا الصدد، يذكر أن بنغلاديش حصلت في يناير/ كانون الثاني 2024 على قرض بقيمة 4.7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الاقتصاد، فيما تجري الحكومة الحالية محادثات للحصول على قرض إضافي بقيمة 3 مليارات دولار.

علاوة على ذلك، سيتعين على السلطة التنفيذية المؤقتة التحكم في نسق نمو معدل التضخم الذي وصل إلى 12 بالمئة في يوليو/ تموز وخفض نسبة البطالة، خاصة بين الشباب (تقدر بنحو 15 بالمئة). 

ومن المتوقع أن تبلغ نسبة النمو في السنة المالية 2024-2025 أقل من 6 بالمئة، بعد أن كان متوسط النمو السنوي في السنوات الأخيرة يقارب 7 بالمئة.

وذكر المعهد كذلك بضرورة القيام بإصلاحات تشمل النظام الضريبي وجعله أكثر شفافية وفعالية، وكذلك النظام المصرفي، ووضع حد للفساد المستشري وتحسين آليات سداد القروض. 

وأكد على ضرورة زيادة الإنفاق العام وتنويع الصادرات، خصوصا أن الملابس منخفضة التكلفة تشكل 85 بالمئة من إجمالي السلع المصدرة، ويتوقع أن تساعد هذه التغييرات في توفير حوافز جديدة للاقتصاد.

تغيرات مضطربة

على الصعيد السياسي، أكد المعهد البحثي الإيطالي صعوبة استعادة الديمقراطية داخل المؤسسات خاصة بعد ما اتسمت به خلال عهد حسينة، متحدثا كذلك عن أهمية وجود معارضة "حقيقية وذات مصداقية".

وشدد على “ضرورة إبقاء الجيش بعيدا عن السياسة بعد أن أدى دورا أساسيا في تشكيل الحكومة الجديدة وضمان عدم عودته إلى التدخل في الشؤون السياسية للبلاد التي في سجلها تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية”.

وفيما يخص تداعيات ما حدث في بنغلاديش على السياسة الخارجية، أشار المعهد إلى تباين ردود فعل الجهات الدولية على فرار حسينة وتشكيل حكومة محمد يونس. ويذكر أن رد فعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى غربية، أقامت علاقات جيدة مع حسينة في الماضي، كان بالدعوة إلى "ضبط النفس وبانتقال سلمي ومنظم".

ومن ناحية أخرى، وصف موقف روسيا والصين بـ"الأكثر واقعية"، خصوصا وأنهما أعربتا عن رغبتهما في التعاون مع الحكومة الجديدة، والاستمرار في الحفاظ على علاقات ودية ومثمرة مع بنغلاديش.

ويجزم أن الجارة الهند كانت الطرف الأكثر استياء من التطورات في بنغلاديش، لا سيما أنها مثلت على مر السنين أقرب حليف لحكومة حسينة التي اختارت الفرار إليها.

 ورغم التوترات، خاصة فيما يتعلق بمسائل حدودية، ظلت العلاقات بين البلدين ثابتة ومستقرة.

 وفي الوقت الحالي، تخشى حكومة ناريندرا مودي أن تتخذ دكا مسافات عن بلاده وتقترب من الصين، المنافس اللدود لها في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي. 

علاوة على ذلك، تشعر الهند بمخاوف أيضا من أن يؤدي عدم الاستقرار في بنغلاديش إلى عودة الحركات المسلحة وإمكانية أن تتسلل إلى أراضيها بسهولة كما حدث في الماضي، يضيف المعهد الإيطالي.

وزعمت تقارير تعرض الأقلية الهندوسية في بنغلاديش بعد الإطاحة برئيسة الوزراء السابقة إلى اعتداءات وهو ما أثار قلق نيودلهي.

من جانبها، قالت الحكومة المؤقتة في أول بيان رسمي لها على إثر تعيينها "أخذنا علما بقلق بالغ بالهجمات على أقليات دينية في بعض الأماكن".

وبذلك استنتج المعهد الإيطالي أن بنغلاديش تمر بمرحلة من التغيرات المضطربة التي تؤثر على عدة جوانب، من السياسة الداخلية إلى الاقتصاد، فضلا عن العلاقات الدولية.

وخلص إلى أن “الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة؛ لفهم ما إذا كانت ستعبر المرحلة الانتقالية بنجاح وتمضي في طريق الديمقراطية والنمو الاقتصادي، فضلا عن الحفاظ على علاقات جيدة مع بقية العالم، أم أنها ستنحرف نحو عدم الاستقرار مجددا”.