"طلعت مصطفى وإبراهيم العرجاني".. كيف يخدم وزراء السيسي في شركات خاصة؟

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 3 يوليو/ تموز 2024 (الذكرى الحادية عشرة للانقلاب العسكري بمصر) قامت حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأداء اليمين الدستورية أمام رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، كأول حكومة في عهدته الثالثة، وثالث حكومة خلال سنوات حكمه الذي شمل 12 تعديلا وزاريا أيضا. 

وخيَّمت نقاط مثيرة للجدل على الحكومة الجديدة، في مقدمتها تضارب المصالح، فعدد من وزراء الحكومة البارزين يعملون لصالح شركات خاصة ولهم ارتباط وثيق بها. 

فمن هم هؤلاء الوزراء؟ وما مدى التعارض بين سلطتهم ووظيفتهم؟ وكيف ينظر قانون تنظيم العمل إلى تلك الحالة؟ 

موظف لدى العرجاني

في 3 يوليو نشرت الصفحة الرسمية "لرئاسة مجلس الوزراء المصري" بيانها عن السيرة الذاتية للمهندس "محمد إبراهيم أحمد شيمي"، وزير قطاع الأعمال العام الجديد. 

ووفقا للبيان فإن الوزير يشغل منصب الرئيس التنفيذي لإحدى شركات مجموعة العرجاني، المملوكة لرجل الأعمال المصري المثير للجدل إبراهيم العرجاني، الذي يقود أيضا مليشيات اتحاد قبائل سيناء المتحالفة مع الجيش. 

وضمت مسيرة شيمي سجلا من الوظائف والمناصب العليا في عدة شركات حكومية وخاصة.

وكانت آخر محطاته قبل الوزارة مباشرة، أنه يشغل منصب الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب بشركة Energy Cadence (كادينس للطاقة والاستشارات الهندسية وتطوير المشروعات).

وذلك منذ مايو/ آيار 2023 وحتى الآن، وفقا لموقع الوظائف "لينكد إن"، وكذلك تحتفظ صفحة الشركة على الموقع نفسه باسم "محمد إبراهيم" شيمي ضمن قائمة موظفيها.

وتتبع كادينس مجموعة العرجاني، المملوكة لإبراهيم العرجاني الذي صعد نفوذه المالي والسياسي والأمني منذ عام 2013، وهو من المقربين للسيسي وجهاز المخابرات العامة. 

وزارة ومدارس 

وكذلك يأتي وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، وهو مدير مجموعة مدارس "NIS" المملوكة لوالدته نيرمين إسماعيل.

هذه المجموعة من المدارس التي يديرها الوزير الجديد، تستهدف أبناء الطبقة العليا الراقية، وهي من المؤسسات التعليمية الخاصة باهظة الثمن والتكاليف. 

وتمتلك نرمين إسماعيل والدة الوزير، عددا من المدارس الخاصة في مناطق "مدينة نصر، والتجمع الأول، والشروق، بورسعيد، والعاصمة الجديدة، 6 أكتوبر". 

وتبلغ مصاريف هذه المدارس، بحسب موقع "مصراوي" المحلي في 5 يوليو 2025، نحو 211 ألف جنيه للطالب (4.400 دولار)، بينما يصل سعر "الباص المدرسي" لقرابة 30 ألف جنيه. 

وتضم مدارس "NIS" حوالي 13 ألف طالب، وفي 2019، باعت والدة الوزير محمد عبد اللطيف حصة 43.5%، من شركة التعليم المتقدم المالكة لمجموعة المدارس إلى صندوق المشروعات المصري الأميركي.

في صفقة بلغت قيمتها ما يقارب من نصف مليار جنيه، والصندوق هو شركة خاصة ممول من الحكومة الأميركية، ما يعني أن وزير التربية والتعليم في مصر يعمل في مؤسسة خاصة لها شراكة واسعة مع حكومة دولة أجنبية، وبينهما مصالح مشتركة واسعة. 

سطوة الإمارات

هناك نموذج آخر يعد أفدح مما سبق، وهو نموذج وزيرة التعاون الدولي "رانيا المشاط"، التي تعمل لدى مؤسسة مملوكة لدولة أجنبية بالكامل.

ففي أغسطس/ آب 2023، أخذت تصريح من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بتعيينها في عضوية مجلس إدارة مصرف أبوظبي الإسلامي الإماراتي.

ويعد المشاط من الوزراء الموثوقين لدى السيسي، حيث دخلت إلى الحقيبة الوزارية، في 14 يناير/ كانون الثاني 2018، عندما وافق البرلمان على التعديلات الوزارية، التي شملت تولي رانيا المشاط وزارة السياحة، خلفا ليحيى راشد.

ولأول مرة تتولى سيدة منصب “السياحة” منذ أنشئت الوزارة عام 1966، ما يدلل على مدى ثقة السيسي فيها.

واستمرت المشاط في منصبها وزيرة للسياحة حتى 22 ديسمبر/ كانون الثاني 2019، عندما صدر قرار جمهوري بتعيين مجموعة من الوزراء الجدد، منهم رانيا المشاط، وزيرة للتعاون الدولي.

وتسبب تعيين المشاط بمجلس إدارة مصرف أبوظبي الإماراتي في تساؤلات حول قانونية الإجراء الذي يعني الجمع بين عمل حكومي ووظيفة خاصة بدولة أخرى.

وتسبب الإعلان عن الأمر في غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحفظ كثير من المسؤولين حتى المؤيدين للنظام المصري.

وفي 8 أغسطس، تقدم النائب بالبرلمان المصري محمد الصمودي، بسؤال برلماني، إلى المستشار حنفي جبالي رئيس المجلس، وإلى مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، حول مدى ملاءمة قرار تعيين الوزيرة في مجلس إدارة أحد المصارف الإماراتية، لأحكام القانون والدستور.

وقال الصمودي، في سؤاله: "أثار إعلان تعيين وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط عضوا في مجلس إدارة أحد البنوك الخليجية مقابل 40 ألف دولار شهريا، جدلا واسعا والكثير من الغضب بين المواطنين في الشارع المصري".

وأرجع البرلماني ذلك إلى وجود شبهة تضارب مصالح بين المنصبين، وذكر أنه يشكل مخالفة صريحة للدستور الذي يحظر على الوزراء الجمع بين أكثر من منصب.

“طلعت مصطفى”

على نفس النسق جاء تعيين وزير المالية "أحمد كوجوك"، فبتتبع سيرته الذاتية تم الكشف أنه خلال عمله كنائب لوزير المالية السابق (محمد معيط) جرى تعيينه في عضوية مجلس إدارة مجموعة هشام طلعت مصطفى الاستثمارية.

والتي وقعت في 2 يوليو 2024، عقد استثمار مشروع "ساوث ميد" بالساحل الشمالي، على مساحة 23 مليون متر مربع، باستثمارات بلغت تريليون جنيه (21 مليار دولار).

ورغم أن مجموعة طلعت مصطفى القابضة أحد أكبر شركاء الإمارات في مصر أعلنت تلقيها خطابا من شركة "مصر للتأمين" بصفتها عضو بمجلس إدارة المجموعة.

يفيد باستقالة كجوك من تمثيله لها في عضوية مجلس إدارة المجموعة نظرا لتعيينه وزيرا للمالية، إلا أن السؤال يظل قائما عن وجوده بمجلس الإدارة بينما كان نائبا لوزير المالية.

مخالفة قانونية 

حالات الوزراء تثير سؤالا بارزا، هل الأمر يعد مخالفا للقانون المصري، ويمثل تضاربا للمصالح.؟

يجيب عن هذا قانون تنظيم العمل الذي يضع محظورات على الموظف العام وفقا للائحة "الخدمة المدنية".

حيث حددت المادة 151 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، المحظورات التى يجب على الموظف العام تجنبها، بالإضافة إلى عدم مخالفة القوانين واللوائح والقرارات.

وتنص المادة 151 على أن يحظر على الموظف مخالفة القوانين، واللوائح، والقرارت، والنظم المعمول بها، ويحظر عليه على الأخص، أن يجمع بين وظيفته وأى عمل آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة إذا كان من شأنه الإضرار بأداء واجبات الوظيفة أو كان غير متفق مع مقتضياتها.

وكذلك يحظر عليه أن يؤدى أعمالا للغير بأجر أو بمكافأة ولو فى غير أوقات العمل الرسمية إلا بأذن من السلطة المختصة.

ومع ذلك يجوز أن يتولى الموظف بأجر أو بمكافأة أعمال القوامة أو الوصاية أو الوكالة عن الغائبين أو المساعدة القضائية إذا كان المشمول بالوصاية أو القوامة أو الغائب أو المعين له مساعد قضائى ممن تربطهم به صلة قربى أو نسب حتى الدرجة الرابعة.

وينطبق هذا القانون على الموظف العام في مصر، من أول رئيس الجمهورية، إلى جميع الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وصولا إلى أصغر كادر وظيفي داخل دولاب الدولة.

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث المصري محمد ماهر إن "الأمر ليس بجديد في مصر بل يعود لخواتيم حكم الرئيس السابق حسني مبارك تحديدا خلال فترة حكومة رئيس الوزراء أحمد نظيف عندما سيطر رجال الأعمال على الدولة وقبضوا على اقتصادها، وشهدنا وزراء مثل المليارديرات رشيد محمد رشيد ومحمد منصور. 

ولفت ماهر إلى أن الوضع حاليا مختلف بشكل أسوأ وأشد حيث باتت الشركات الأجنبية وحكومات دول مثل السعودية والإمارات لها اليد العليا من خلال وكلائها.

وأضاف أن الوزير هنا لا يملك قراره ولا هو رجل أعمال بمعنى الكلمة، بل هو أداة لطرفين أحدهما أجنبي والآخر عسكري. 

ومضى يقول: الجانب الأكثر خطورة ليس في وجود هؤلاء بل في ضرب عرض الحائط بالتشريعات والقوانين والتقارير الرقابية، وفي معيار الاختيار وجودة الأداء، فما يجرى في مصر لا يحدث في أشد جمهوريات الموز بؤسا في إفريقيا وأميركا اللاتينية.