رغم جرائمها في غزة.. هكذا تواصل إيطاليا تزويد إسرائيل بالأسلحة
“إيطاليا معرضة للاتهام بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بقطاع غزة”
كشفت تحقيقات استمرار إيطاليا في تزويد الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة، رغم ما يرتكبه من جرائم في غزة، مكذبة تصريحات حكومة روما في ردها على الدعوات المطالبة بوقف ذلك.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، قد صرح في يناير/ كانون الثاني 2024، بأن بلاده أوقفت إرسال الأسلحة إلى إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم ترسل أي نوع من الأسلحة منذ ذلك الوقت.
وجاء ذلك في رده على انتقادات زعيمة الحزب الديمقراطي المعارض إيلي شلاين، التي كانت قد دعت إلى وقف إمدادات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، وخاصة إلى إسرائيل "حتى لا تؤجج الصراعات المستمرة في تلك المنطقة".
وهو ما نفاه نائب رئيسة الحكومة تاياني قائلا "لقد قررنا عدم إرسال أي أسلحة أخرى إلى إسرائيل، بدءا من 7 أكتوبر، فلا داعي للجدال في هذا الموضوع".
تداعيات كبيرة
وألمح موقع إيطالي إلى إمكانية أن تقود هذه التحقيقات إلى اتهام إيطاليا بـ"التواطؤ" مع الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين المتطرفين في ارتكاب جرائم مروعة ضد الفلسطينيين.
ونقل موقع "إنسايد أوفر" أن المجموعة الإيطالية "ليوناردو"، شركة متعددة الجنسيات متخصصة في مجالات الطيران والأمن والدفاع (مقرها روما)، قامت بتوفير الدعم للاحتلال الإسرائيلي المتسبّب حاليا في تصعيد إقليمي وزودته بقطع غيار للطائرات التي يتدرب عليها طياروه العسكريون.
وكشف التحقيق أن الشركة قامت بعد 7 أكتوبر 2023 بتوفير "المساعدة الفنية عن بعد وإصلاح العتاد وتوريد قطع الغيار"، لأسطول طائرات التدريب إم-346، التي تنتجها شركة "إلينا إرماكي"، والتي كانت قد تسلمتها إسرائيل بين عامي 2014 و2015.
وقد اعترفت الشركة بهذا لمجلة "ألتري إيكونوميا"، في إطار تحقيق استقصائي طويل نُشر مطلع أكتوبر.
وخلص إلى أن إيطاليا واصلت تصدير مواد عسكرية إلى إسرائيل، حتى بعد بدء العدوان العسكري على قطاع غزة وهو ما يدحض أكاذيب أعضاء الحكومة الإيطالية في هذا الشأن.
وأظهر التحقيق أن قيمة نشاط الدعم اللوجستي الممنوح لطائرات التدريب المذكورة بلغ حوالي 7 ملايين يورو عام 2024.
وأوضح أن هذه المقاتلات لا تُستخدم بشكل مباشر في قصف قطاع غزة وهي ليست مسلحة، إلا أنها لا تزال تُستخدم لتدريب طياري سلاح الجو الإسرائيلي على قيادة مقاتلات أخرى في العمليات الحربية في الشرق الأوسط.
واستنكر الموقع الإيطالي أن "هذه الهجمات تسببت في دمار كبير في غزة ومناطق أخرى، بالإضافة إلى ما أدت إليه من تداعيات إنسانية كبيرة".
ودفع ذلك المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان في مايو/ أيار 2024، إلى طلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في 4 أكتوبر 2024 عن ارتفاع حصيلة العدوان ضد القطاع إلى 41 ألفا و802 شهيدا، و96 ألفا و844 جريحا منذ 7 أكتوبر 2023، هذا إلى جانب نزوح نحو مليوني شخص.
كما أسفرت الهجمات الإسرائيلية على لبنان عن مقتل أكثر من ألفي شخص، وإصابة 9 آلاف و535 منذ 8 أكتوبر 2023، وفق تقرير "وحدة إدارة الكوارث" التابعة لوزارة الصحة اللبنانية.
انتهاكات خطيرة
وفي ظل هذا الوضع، وصف الموقع الإيطالي تصريحات أعضاء الحكومة، على غرار وزير الخارجية أنطونيو تاياني ووزير الدفاع غويدو كروسيتو، اللذين تحدثا عن تعليق الصادرات العسكرية إلى إسرائيل بـ"المتناقضة مع الحقائق".
ووجه كذلك انتقاده إلى الصحف الإيطالية الشهيرة لعدم إجرائها تحقيقات في المسألة، خاصة على إثر انتقادات زعيمة الحزب الديمقراطي المعارض إيلي شلاين.
وسلط الموقع كذلك الضوء على ما كشفه التحقيق الذي أجراه المؤرخ العسكري إدواردو فونتانا، ونشره في المدونة الإلكترونية "أكتا بيليكا".
وأوضح من خلاله أن بيانات المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء تشير إلى أن تعليق صادرات الأسلحة تعلق فقط بالتصاريح الجديدة، في حين استمرت عمليات التسليم المتعلقة بالتصاريح المصادق عليها.
وللإشارة تبلغ مدة تصاريح تصدير الأسلحة، التي تمنحها وحدة تصاريح مواد الأسلحة (UAMA) 18 شهرا على الأقل ويمكن تمديدها.
وشكلت إيطاليا ثالث أكبر مصدر للأسلحة إلى إسرائيل في العقد 2013-2023، بعد الولايات المتحدة وألمانيا.
وتشمل هذه الأسلحة، بحسب فونتانا، مكونات طائرات إف-35، وقنابل وطائرات بدون طيار، وذخائر وأنظمة حربية أخرى مفترضا بأنها قد تكون استخدمت في قصف غزة ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، مثل اليمن ولبنان وسوريا.
وتحظر القوانين الإيطالية تصدير الأسلحة إلى البلدان التي تخوض حربا أو التي تستخدم القوة بشكل غير متناسب، ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، ما لم تكن هناك التزامات دولية تبرر ذلك.
واستنتج "إنسايد أوفر" غياب أي عوائق أمام إرسال الأسلحة إلى إسرائيل حتى بعد 7 أكتوبر والمذابح المستمرة الواضحة التي تجرى في القطاع.
وفي نفس السياق، أشار كذلك إلى تواصل واردات الأسلحة من إسرائيل، مثل أنظمة سبايك المضادة للدبابات، "وهو ما يعكس التعاون القوي بين البلدين في قطاع الدفاع".
وأكدت المجموعة الإيطالية "ليوناردو" بأن المعدات وقطع الغيار التي زودت بها طائرات التدريب العسكري الإسرائيلية، تندرج في إطار أنشطة صيانة وبأنها أجرت تقييما بعناية من أجل عدم استخدامها ضد المدنيين في غزة.
إلا أن الموقع الإيطالي لا يستبعد فرضية أن يعرض ذلك إيطاليا، خاصة في حال فرض عقوبات على إسرائيل، إلى اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وبالتالي اتهامها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية.
ونوه إلى أن التحقيقين اللذين "تم إجراؤهما بوسائل قليلة وبشجاعة كبيرة، يكشفان كيف أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إيطاليا وإسرائيل لم تتأثر وذلك على حساب التقديرات الأخلاقية والقانونية".
كما أنها استمرت رغم "عدم شعبية إسرائيل بشكل كبير بين الإيطاليين"، لا سيما أن 7 فقط من كل 100 يؤيدون تحركاتها، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "يوجوف" الدولية.