"غزوة الكنتاكي".. ماذا وراء مهاجمة مليشيات إيران لمطاعم أميركية بالعراق؟

يوسف العلي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت مهاجمة عناصر من المليشيات الموالية لإيران في العراق، عددا من المطاعم الأميركية ببغداد، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، خصوصا بعدما أعلنت السلطات الحكومية اعتقال عدد من المنفذين، ووصفت عملهم بأنه "إرهاب"، وعمليات تخريبية.

وفي 3 يونيو/ حزيران 2024، هاجم نحو 15 شخصا يرتدون كمامات، ويستقلون سيارات نوع (تاهو) أميركية، مطعمي "كي. أف. سي" و"تشيلي هاوس" الأميركيين، إضافة إلى محل "جوكلت بار" التركي، في منطقة شارع فلسطين ببغداد، وحطّموا الموجودات والزجاج الخارجي.

تورط أمنيين

وعلى وقع الهجمات التي نالت مطاعم وشركات أميركية، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، في 4 يونيو، أنها "اعتقلت بعملية نوعية عددا من المتهمين وفق قانون مكافحة الإرهاب، اعترفوا خلال التحقيق بالاشتراك مع مجموعة من المتهمين الهاربين بأعمال التخريب هذه".

وذكرت الوزارة أنه "تبين أن بعضهم للأسف ينتمي إلى أحد الأجهزة الأمنية، وأن قيامهم بالأعمال كان بحجة الإضرار بالمصالح الأميركية، وجرى توقيفهم أصوليا بغية إحالتهم إلى المحاكم المختصة".

وفي اليوم التالي، أعلنت الوزارة اعتقال "مجموعة جديدة" من الأشخاص بتهمة تنفيذ عمليات اعتداء نالت مطاعم، ووكالات أجنبية، في بغداد، ونشرت صورة تضم ثمانية أشخاص لا تظهر ملامح وجوههم.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن مصادر أمنية وطبية في 3 يونيو، قولها إن  "قوات الأمن العراقية شنت حملة على مثيري شغب في بغداد هاجموا فرعا لسلسلة مطاعم كنتاكي فرايد تشيكن، مما أدى إلى إصابة ثلاثة بالذخيرة الحية واعتقال 12 على الأقل".

بالتزامن اتهمت جماعة تطلق على نفسها "حركة شباب القدس الثائر" الشيعية، السفارة الأميركية في بغداد بتوجيه أوامرها لقوات الأمن العراقية التي أطلقت الرصاص في اتجاه المهاجمين لفرع المطعم الأميركي.

ودعت الجماعة حديثة التشكيل، خلال بيان لها في 3 يونيو، الأجهزة الأمنية العراقية إلى أن "يكونوا للظالم خصما وللمظلوم عونا، وألا ينساقوا إلى الجرف الضحل في ضفاف الإرادة الصهيوأميركية".

وختمت بيانها قائلة: "لتعلم الحكومة العراقية أننا نحن من يقرر وسيبقى قرارنا هو (لا لوجود أي مصالح أميركية – إسرائيلية) على أرض العراق الطاهرة، ولن نسمح أن تكون أراضينا مشاريع استثمارية لتسليح الجيش الصهيوني أو حكومة الاحتلال المجرمة".

ويأتي البيان في أعقاب تدوينة للمسؤول الأمني لكتائب "حزب الله" في العراق، أبو علي العسكري، أكد فيها أن "الواجب الشرعي والأخلاقي يحتم علينا جميعا المشاركة بمقاطعة وطرد توابع الاحتلال (الأميركي) التجسسية المتغطية بعناوين مدنية وألا تمنح الحرية لنشاطاتها في أرضنا العزيزة، على أن يكون ذلك بأدوات غير (السلاح)".

ودعا "العسكري" خلال تدوينته نشرها على منصة "تلغرام" في 3 يونيو، الأجهزة الأمنية إلى "دعم الحركة الجماهيرية التي تعمل على طرد هؤلاء، وألا ينساقوا خلف الأوامر الأميركية الصادرة من العمليات المشتركة (تابعة لوزارة الدفاع العراقية)".

"غزوة الكنتاكي"

الهجمات التي نالت سلسلة مطاعم أميركية في بغداد، أطلقت عليها وسائل إعلام ومنصات عراقية تسمية "غزوة الكنتاكي"، والتي أكدت أنها ليست لها علاقة بنصرة قطاع غزة الذي يتعرض إلى عدوان إسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وخلّف أكثر من 37 ألف شهيد.

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي لـ"الاستقلال" إن "الهجوم على المطاعم الأميركية بالتأكيد مفتعل وليس له أي علاقة بالغضب الشعبي تجاه الجرائم الصهيونية على قطاع غزة".

وأوضح المهداوي أن "هذه المطاعم موجودة في شارع فلسطين ببغداد قبل أحداث 7 أكتوبر، لماذا لم يتعرض لها أحد إلا اليوم؟ خصوصا أن احتجاجات عدة خرجت في بغداد وعمّان وغيرها من المدن العربية لم تتعرض لأملاك الناس بالتحطيم كما حصل معنا".

ولفت إلى أن "مليشيا كتائب حزب الله تعمل على ابتزاز الحكومة العراقية بورقة الاستقرار الأمني وجلب الاستثمارات الأجنبية إلى العراق، التي يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إليها".

وأشار إلى أن "واحدة من الروايات المتداولة، هي أن سلسلة مطاعم (كي أف سي، تشيلي هاوس) مملوكة لعائلة آل بنية (السنية)، وأن كتائب حزب الله أرادت مشاركتها في هذه المشاريع، لكن عندما رفضت الأخيرة تعرضت مصالحها للهجوم بحجة أنها تدعم إسرائيل".

وتابع: "كتائب حزب الله قاموا بابتزاز (خليل وحسن آل بنية) من أجل مشاريعهم، وتدخل رئيس الوزراء، ووقف بجانب بيت بنية وتلقى تهديدا مفاده بأن مناطق (شارع فلسطين، زيونة، والكرادة) للكتائب، ولا يفتح  مشروع إلا بموافقتهم، بالتالي لا تتدخل".

وفي السياق ذاته، علق الإعلامي العراقي، أحمد ملا طلال، قائلا: "ناموا واطمئنوا لا يوجد شيء، القصة وما فيها: فصيل مسلح كان يريد الحصول على فرصة استثمارية مميزة في بغداد، فرفض السوداني منحه إياها لأسباب تخص مستقبله السياسي".

وأضاف الملا عبر تدوينة على بمنصة "إكس" في 5 يونيو، أن "السوداني منح هذه الفرصة إلى طرفٍ آخر. فرد عليه الفصيل: إذن سنربك الوضع الأمني في بغداد عن طريق مقاومة الدجاج المقلي. وعليك تحمل النتائج".

تبادل الاتهامات

الحادثة تسببت بانقسام داخل الشخصيات، القريبة من المليشيات المسلحة، والحكومة العراقية، ووصل الأمر إلى حد تبادل الاتهامات بين الطرفين، بالانتماء إلى "الإرهاب"، وحزب "البعث"، وهي الصفات التي تطلق ضد من يعادي النظام القائم في العراق بعد عام 2003.

وقال المحلل السياسي القريب من المليشيات، حيدر البرزنجي خلال مقابلة تلفزيونية في 5 يونيو، إن "التفجير والهجوم على المطاعم بهذه الطريقة، يعد إرهابا"، نافيا أن يكون هؤلاء معارضين للحكومة. 

 وردا على ذلك، قال أحمد عبد السادة، القريب من المليشيات الشيعية وقوى الإطار التنسيقي (الحاكمة)، إنه “في الفترة السابقة كنت ألمح لنموذج ارتزاقي رخيص جدا يتمثل بحيدر البرزنجي”.

وأردف في تغريدة على "إكس" في 7 يونيو: “كنت أتجنب ذكر اسمه لحسابات عدة، ولكن بعد أن اتهم هذا المرتزق شباب المقاومة بممارسة الإرهاب، لم يعد هناك من خيار سوى ذكر اسمه لوضع النقاط على الحروف”.

وأيضا "للتحذير من نموذج كهذا يستغل اسم الحشد الشعبي والمقاومة لاختراق أوساط الحشد والمقاومة لتحقيق منافعه الشخصية"، وفق قوله.

وتابع: "لا يمكن أن نسكت ونتستر على نموذج له تاريخ ملوث بامتداح البعث وصدام (حسين رئيس العراقي الراحل)- هناك أسرار خطيرة عن ماضيه سأكشفها في الوقت المناسب-، وهو نموذج لا بد من فضحه والتبرؤ وتنظيف المشهد منه لكي لا يتم حشر الشرفاء معه في الخانة نفسها".

وفي المقابل، قال النائب الشيعي المستقل في البرلمان العراقي، سجاد سالم، إن "فصائل مما يُسمى (المقاومة العراقية) ستُنهي إرهاب الاستثمار الأجنبي في العراق وابتزاز رجال الأعمال والاغتيالات بضمان مشاريع ميناء الفاو وطريق التنمية مستقبلا والاستثمار".

وأوضح سجاد خلال تدوينة على "فيسبوك" في 5 يونيو أن القضية لا تتعلق بفلسطين أو غزة أو مقاطعة، وإذا تَهّيأ مفاوض لهؤلاء ومقابل هذا الضمان (حفظ مصالحهم) فهم على استعداد ليس للتهدئة فحسب، وإنما لإدانة "عدوان غزة على القدس أيضا"، بحسب وصفه.

ووصف النائب المستقل، النظام السياسي الذي تأسس في العراق بعد عام 2023 أنه "أميركي"، وأن ما يحصل حاليا هو ابتزاز سياسي"، حسبما صرّح خلال مقابلة تلفزيونية 4 يونيو.

وقال سجاد، إن "الفصائل لديهم إستراتيجية للضغط على السفارة الأميركية، ويتهجمون على قواعدها ومن ثم يجلسون مع الأميركان ويتصالحون معهم مقابل مصالح معينة".

وأوضح النائب المستقل أن "هذا النظام السياسي (في العراق) أميركي، وأن عنصر المليشيا يستقل تاهو (سيارة أميركية) ولديه (آيفون) ويحمل سلاحا أميركيا ويهاجم مطعم (كي أف سي) الأميركي"، مؤكدا أن "الأطراف السياسية فشلت في رسم حالة توافق مجتمعي".