في ظل العدوان على غزة.. لماذا تقترح إيران إجراء مناورات عسكرية مع العراق؟
في زيارة غير مسبوقة إلى بغداد، طلب رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء محمد باقري، إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع العراق، خلال لقاءات عدة أجراها مع القادة العراقيين، استغرقت مدة ثلاثة أيام، وذلك بالتزامن مع توترات تشهدها المنطقة.
يأتي المقترح الإيراني بعد أكثر من خمس سنوات على آخر مناورات عسكرية جرت بين البلدين، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وتزامنا مع إعلان العراق الانتصار على تنظيم الدولة، الأمر الذي أثار تساؤلات عن توقيت طلب إيران إعادة تكرارها.
وفي سنة 2014، استطاع تنظيم الدولة اجتياح الأراضي العراقية قادما من مناطق سوريا، وتمكن من فرض سيطرته على ثلث مساحة البلد، لتبدأ معركة ضده شارك فيها العديد من الدول، منها إيران والولايات المتحدة، واستمرت حتى نهاية عام 2017.
استعداد عراقي
زيارة باقري الرسمية الأولى له إلى العراق في 2 ديسمبر/كانون الأول 2023، أكد خلالها رئيس الأركان الإيراني، أن إجراء مناورات مشتركة على حدود البلدين سيضمن استقرار الأمن، وهي فرصة لزيادة التقارب والاستفادة لكلتا الدولتين من القدرات المتبادلة.
وشملت اجتماعات باقري خلال تواجده في العراق، اللقاء مع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ووزيري الداخلية عبد الأمير الشمري، والدفاع ثابت العباسي، إضافة إلى مستشار الأمن الوطني، قاسم الأعرجي، ومسؤول الحشد الشعبي فالح الفياض.
ونقلت وكالة "نور نيوز" الإيرانية في 3 ديسمبر، عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة في إيران، محمد باقري، قوله إن "إجراء المناورات المشتركة على الحدود الإيرانية العراقية بأنه يضمن الأمن المستديم لكلا البلدين".
وأشار باقري إلى مرحلة تنظيم الدولة، التي عدها صفحة ذهبية في تاريخ إيران والعراق، لافتا إلى أن "البلدين يمتلكان تجارب جيدة وقيمة في الحرب ضد الإرهاب، لذا بإمكانهما مقاسمة التخطيط الجيد لهذه التجارب القيمة".
وخلال لقائه رئيس أركان الجيش العراقي الفريق ركن عبد الأمير يار الله، أكد باقري أهمية القواسم المشتركة الكثيرة بين الجانبين والعلاقات القائمة بين الشعبين الايراني والعراقي.
وبين أن "العراق يشهد في الوقت الحالي أمنا واستقرارا جيدا ويسير في طريق النمو والتطور".
بدوره، أعرب رئيس الأركان العراقي، الفريق ركن عبد الأمير يار الله، عن استعداد القوات المسلحة العراقية بشكل كامل لتنمية التعاون العسكري والدفاعي والتدريبي والمناورات المشتركة وتبادل الخبرات مع جمهورية إيران، حسبما ذكرت الوكالة الإيرانية.
ورغم حديث اللواء باقري عن المناورات العسكرية مع العراق، وإبداء الجهات العراقية المعنية استعدادها للمشاركة فيها، لكن لم يُكشف عن وقت تنفيذها، ولا المنطقة المخصصة لهذه التمرينات العسكرية بين البلدين.
وعادة ما تجري القوات المسلحة الإيرانية مناورات منفردة في المناطق المحاذية لإقليم كردستان العراق شمال البلاد، كجزء من فعاليات سنوية تنظمها في ذكرى اندلاع حرب الخليج الأولى (العراقية- الإيرانية)، والتي استمرت من 1980 وحتى 1988.
توقيت حساس
وبخصوص الهدف من وراء الطلب الإيراني لإجراء مناورات عسكرية مع العراق في الوقت الحالي، قال العضو السابق في اللجنة الأمنية بالبرلمان العراقي "حامد المطلك"، إن إيران مثل غيرها من الدول تسعى وراء مصالحها في المنطقة، وطرح موضوع التمرينات يأتي في هذا السياق.
وأوضح المطلك لـ"الاستقلال" أن "إيران لن تقدم على خطوة إلا وتصب في خانة مصالحها الخاصة، لذلك هي تريد أن تزج بما تمتلك من علاقات مع الدول ومنها العراق، في صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية القائم بالمنطقة".
ولفت إلى أن "الوضع الذي يراد فيه إقامة المناورات العسكرية غير مريح، لأن ما يجرى بالمنطقة وخصوصا في غزة واضح للجميع، إضافة إلى الكثير من الصدامات الحاصلة بين الجانب الأميركي وفصائل مدعومة من إيران سواء في سوريا أو العراق".
ومنذ 7 أكتوبر وحتى اليوم، يشهد قطاع غزة عدوانا إسرائيليا مكثفا، راح ضحيته أكثر من 16 ألف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، وذلك ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، على خلفية الانتهاكات ضد الفلسطينيين ومقدسات المسلمين.
وتابع: "لذلك العراق مطلوب منه أن يحسب خطواته بشكل دقيق، مع أنه مطلوب منه في الوقت نفسه أن يديم علاقة حسن الجوار مع كل الدول المحيطة، لكن وفق مصالحه ومصالح شعبه".
ورأى المطلك أن "على العراق ألا يكون عاملا مساعدا في إشعال لهيب المنطقة، أو أن يكون أداة في هذا الجانب، فالتدخل من إيران أو أميركا أو غيرهما في شؤوننا الداخلية أمر مرفوض، لأن مصلحة الشعب واستقرار المنطقة فوق كل تقدير".
ونوه إلى أن "اختيار طهران مثل هذا التوقيت لم يكن اعتباطا، وإنما يتزامن مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة بكل تأكيد، وأن زيارة لمدة ثلاثة أيام، يجريها مثل هذه الشخصية وموقعها المتقدم في القيادة الإيرانية يشير إلى أهمية المناورات بالنسبة لإيران".
وزاد المطلك، قائلا: "أي قرار من الحكومة العراقية أو الجهات المعنية بالشأن العسكري، لا بد أن يأخذ في الاعتبار حسابات كثيرة، لأن من حق العراق أن يرفض المشاركة في مثل هذه المناورات إذا كان وراءها إيصال رسائل إيرانية إلى أطراف خارجية".
ومع أن مناورات عام 2017 بين البلدين، تزامنت مع الانتصار على تنظيم الدولة، لكن البعض عد توقيتها في 10 أكتوبر، بمثابة تلويح بالقوة لإقليم كردستان العراق بعد إجرائه استفتاء للانفصال في 25 سبتمبر من العام نفسه، ورفضته بغداد وطهران وقتها بقوة.
هدف رئيس
وفي السياق ذاته، قال الخبير الأمني العراقي، سرمد البياتي، إن "المناورات المشتركة التي ستجرى بين العراق وإيران، وفق مقترح باقري وما يمكن أن يصدر عن الجانب العراقي، ستكون على الحدود بين البلدين، لا سيما من جهة إقليم كردستان".
وبيّن البياتي خلال تصريح له لصحيفة "الشرق الأوسط" في 3 ديسمبر، أن "العراق من جهة إقليم كردستان يرتبط بحدود طويلة تبلغ أكثر من 600 كيلومتر، وهذه المسافة طويلة وتحتاج إلى تنسيق مشترك".
وأشار إلى أن "الهدف الرئيس كما أتوقع لهذه المناورات المشتركة هو الجماعات المسلحة، وإن جرى سحبها من المناطق الحدودية مع إيران إلى مناطق داخل العراق، لكنها تبقى تؤشر على وجود خلل".
ورأى الخبير الأمني العراقي أن "المناورات المشتركة في بعض القواطع الأمنية يجرى من خلالها التأكد من أن هذه المناطق باتت خالية من وجود الجماعات الإيرانية المعارضة المسلحة التي تتخذ من بعض أراضي كردستان الحدودية مع إيران ملاذات لها".
في 19 سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت بغداد إخلاء مقرات مجاميع المعارضة الإيرانية، الموجودة داخل أراضي العراق الحدودية الشمالية مع إيران، وذلك ضمن اتفاق أمني وقعته بغداد وطهران في مارس من العام ذاته، حسب بيان للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين.
ووفق البيان، نُقلت هذه المجاميع إلى مكان بعيد عن الحدود بعد نزع السلاح منهم تمهيدا لعدهم لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين، مؤكدة انتشار قوات الحدود الاتحادية (العراقية) في تلك المناطق والوجود بشكل دائم ورفع العلم العراقي فيها.
وتعلن السلطات الأمنية الإيرانية بين الحين والآخر، قصف مقار لجماعات تصفها بـ"الإرهابية" في مناطق إقليم كردستان العراق، مهددة في أكثر من مناسبة باجتياح العمق العراقي في حال لم تنزع السلطات في بغداد سلاح هذه المجاميع وإبعادها عن أراضيها.
ومنذ أكثر من أربعة عقود، يحتضن إقليم كردستان العراق أحزابا كردية إيرانية معارضة، منها: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية، والحياة الحرة (البيجاك)، ومنظمة النضال الكردستاني، وحزب سربستي، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".