ذكرى حرب اليمن.. لماذا دعا الحوثيون السعودية لتوقيع "خارطة السلام"؟
كاتب يمني رأى أن الحوثيين يسعون إلى ابتزاز السعودية من خلال هذه الدعوات
في الذكرى العاشرة للحرب الدائرة في اليمن، وانطلاق حملة "عاصفة الحزم" العسكرية التي قادتها السعودية، طالبت مليشيا الحوثي، الرياض بالمضي قدما نحو "إحلال السلام المستدام"، مشيرة إلى أن "المراوغة ليست في صالحها".
المطالبة الحوثية أثارت تساؤلات عن دلالاتها، ومدى إمكانية مضي السعودية في خارطة "الحل السياسي"، التي توقفت عقب أشهر من انطلاقها بعدما تواصلت المملكة مع الحوثيين داخل اليمن في أبريل/ نيسان 2023، واستضافتهم بالرياض في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
وفي أغسطس/ آب 2014، انقلبت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على السلطات الشرعية في اليمن، ثم شكلت السعودية في مارس 2015، "التحالف العربي"، وأعلنت تنفيذ حملة عسكرية تحت اسم "عاصفة الحزم"، لإيقاف تقدم الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء.
"خارطة السلام"
وفي 26 مارس 2024، وجه رئيس مجلس الحكم التابع للحوثيين مهدي المشاط دعوة من أجل السلام إلى "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية.
وأكد في خطاب عشية الذكرى العاشرة لانطلاق حملة "عاصفة الحزم" في اليمن، "حرصه التام والمتجدد على المضي قدما في طريق السلام، ونطمئن الجميع بأن اليمن لا يمثل خطرا على أحد".
وقال المشاط: "أدعو قادة التحالف إلى المضي قدما نحو إحلال السلام المستدام وإنهاء العدوان"، مشيرا إلى أن جماعته بإحياء هذا اليوم لا تحتفي بالحرب التي "فرضت علينا، وإنما بقرار الدفاع وبصمود شعبنا".
قبل ذلك، قال عضو المجلس السياسي للحوثيين، محمد علي الحوثي، خلال مقابلة تلفزيونية في 25 مارس، إن "على السعودية بوصفها قائدة العدوان في اليمن بعد أميركا، أن تحرك موضوع السلام وتمضي فيه، لأن المراوغة ليست في صالحها".
وقال القيادي الحوثي إن "الجماعة توصلت خلال المفاوضات مع المملكة، إلى اتفاق مبادئ وإطار عام عن الشق الإنساني وهو أولوية بالنسبة لنا"، لافتا إلى أن الوضع الجاري بينهم وبين السعودية هو "خفض للتصعيد وليس هدنة".
وأشار إلى أن جماعته "أوصلت رسالة للسعودية بأنها ستكون هدفا لو سمحت للطيران الأميركي باستخدام أراضيها أو أجوائها في العدوان على اليمن".
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، قد أعلن في 14 مارس 2024، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن أن "مجال وساطته في اليمن، أصبح أكثر تعقيدا رغم الجهود المبذولة لحماية عملية السلام بعيدا عن التأثيرات الإقليمية".
لكن غروندبرغ قال رغم ذلك، خلال الإحاطة، إن الجهود مستمرة لوضع صيغة نهائية لخريطة طريق لحل الأزمة اليمنية، مردفا بالقول: "أعتقد أن اليمنيين يشاركونني الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق هذه التطلعات".
وتدخل حرب اليمن في 26 مارس 2024، عامها العاشر بعد تسع سنوات على انطلاق حملة عاصفة الحزم في أواخر مارس 2015، دعما للحكومة اليمنية بعدما أخرجها الحوثيون من العاصمة صنعاء.
وتشهد الحرب جمودا عسكريا منذ سنوات مع سيطرة الجماعة الشيعية المدعمة من إيران على معظم المراكز الحضرية الكبرى، بدعوى أنهم "يحاربون نظاما فاسدا وعدوانا أجنبيا".
ضغوط أميركية
وعن دلالات دعوات الحوثي، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري، إن "هذه التصريحات تأتي في إطار افتراض أن الحوثيين انتصروا في الحرب، وأنهم يفرضون شروطهم على السعودية".
وأضاف البكيري في حديث مع "الاستقلال" أن "الدعوات الحوثية تشير أيضا إلى زيادة في طلب التنازلات من السعودية في ملف اليمن، خاصة ما يتعلق بالتعويضات والحصول على الأموال وإعادة الإعمار".
وتابع: "بالتالي خطاب هؤلاء كان نوعا من الابتزاز للسعودية، وكذلك يدل على موقف المملكة المتراخي والمنهزم، لأن سياسات الرياض هي من أوصلتها إلى هذه المرحلة من الضعف وتقدم التنازلات الكبيرة للجماعة نتيجة نهجهم في اليمن".
ولفت البكيري إلى أن "مسار خارطة الحل السياسي متوقفة حتى الآن، وهناك ضغوط أميركية على السعودية لعدم المضي بهذا الطريق، وكذلك المسؤولون السعوديون لا يمتلكون الشجاعة للقول للأميركيين بأنهم سيمضون في هذا المسار".
وأشار إلى أن “رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك، تحدث قبل أسبوع (نهاية مارس 2024) عن موت خارطة الطريق وانتهائها، لكن بعدما جرى استدعاؤه من السعودية واجتماعه بوزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، صدر بيان بأن الجهود (السياسية) لا تزال قائمة”.
وكتب وزير الدفاع السعودي على منصة “إكس” في 21 مارس، قائلا: "بتوجيه من القيادة التقيت أخي دولة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني أحمد عوض بن مبارك، واستعرضنا التطورات باليمن، ومساعي استكمال وتنفيذ خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة".
وتابع: "كما بحثنا الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، ومسار السلام، لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن".
ورأى البكيري أن "هذا الارتباك يدل على أن السعودية بين نارين، الأولى المضي في هذه الخارطة، والثانية الغضب الأميركي في حال جرى المضي فيها"، مؤكدا أن "المملكة هي الطرف الرئيس في هذه المعركة، وأن سياساتها هي التي أوصلتهم إلى هذا المسار".
وأردف: "هذا يدل على أن كل السياسات التي ارتكبت باسم الشرعية اليمنية أو التحالف العربي، لم تكن تقوم على قواعد واضحة فيما يتعلق باحترام إرادة اليمنيين الشركاء في هذه المعركة، وكانوا يرون أنهم توابع للمملكة، بالتالي وضعت نتائج هذه السياسات الحوثيين وجها لوجه مع السعودية".
وشدد البكيري على أنه "من الأخطاء الإستراتيجية القاتلة التي وقع بها السعوديون هي في طريقة وأسلوب تعاملهم وتعاطيهم الضحل مع الملف اليمني، بالتالي هم اليوم يدفعون ضريبة تلك السياسات العدمية".
هدنة سارية
ويعيش اليمن في الوقت الحالي هدنة بين الأطراف المتصارعة منذ 2022، والتي أعقبها في أبريل/نيسان 2023، توجه سفير السعودية لدى اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، فيما وصفه بأنه مسعى لـ “تثبيتها”.
وفي 14 سبتمبر 2023، وصل وفد من الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض لأول مرة منذ انقلابه على الشرعية، وأجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين بوساطة عُمانية، استمرت 5 أيام.
وصف الوفد الحوثي الذي عاد إلى صنعاء في 19 سبتمبر 2023، محادثاته مع المسؤولين السعوديين في الرياض بأنها كانت جدية وإيجابية على رغم أنه لم يتم خلالها إعلان أي تقدم.
وقال عضو المكتب السياسي للحوثيين علي القحوم، إنه ستكون هناك "جولة جديدة... حيث اتسمت المفاوضات بالجدية والإيجابية والتفاؤل في تجاوز التعثر والعقد في ملفات مختلفة منها خاصة القضايا الانسانية وصرف رواتب الموظفين وتخفيف معاناة الشعب اليمني جراء العدوان والحصار".
وأضاف القحوم خلال تدوينة نشرها على موقع "إكس" أن الوفد عاد إلى صنعاء "للتشاور مع قيادته.. واطلاعها على نتائج المفاوضات".
وفي السياق ذاته، قال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام خلال تدوينة له على منصة "إكس" إنه في إطار المساعي التي تبذلها سلطنة عمان في وساطتها لدعم السلام وإنهاء الأزمة الإنسانية، أجرى الوفد الحوثي لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي في الرياض نوقشت خلالها بعض الخيارات لتجاوز الخلافات.
من جهته، قال وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، في تغريدة على منصة "إكس" إنه التقى الوفد الحوثي في الرياض وأكد له وقوف المملكة إلى جانب اليمن وشعبه وحرصها على استئناف الحوار للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن بإشراف الأمم المتحدة.
منذ منتصف العام 2014 واليمن غارق في حرب بين السلطات الشرعية مدعومة من قوات التحالف العربي، وبين الحوثيين المدعومين من إيران، والذي تسبّب بمقتل وإصابة مئات الآلاف وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
لكن حدة القتال في اليمن تراجعت بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في أبريل 2022، إذ لا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.