بينما تواصل السعودية مباحثات السلام.. لماذا تسرع الإمارات خطوات تقسيم اليمن؟

منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في ظل أنباء تناقلتها مواقع يمنية بخصوص إكمال "المجلس الانتقالي اليمني" المدعوم إماراتيا استعداداته لإعلان انفصال جنوب اليمن في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أثيرت تساؤلات عدة عن مدى واقعية طرح مثل هذه الخطوة، وإلى أي حد يمكن تحقيقها.

فبدعم من الإمارات جرى تشكيل ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في مايو/ أيار 2017، برئاسة عيدروس الزبيدي، بهدف الانفصال بالجنوب وإعلانه دولة مستقلة، بعد وحدة طوعية شهدتها البلاد بين دولتي شمال وجنوب اليمن عام 1990.

لكن عدم صدور بيان رسمي من المجلس الانتقالي بخصوص تحديد موعد 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أثار شكوكا بخصوص الجهات التي أطلقت مثل هذه الأنباء، والتي تفاعلت معها شخصيات جنوبية، وأدلت بتصريحات تذهب باتجاه تأييد إعلان الانفصال في ذلك التاريخ.

خطوة إماراتية

وعلى وقع الانتشار السريع لهذه الأنباء، كشفت مواقع محلية يمنية أن الإمارات هي من تقف وراء بث هذه الأخبار، وأن وسائل إعلام تابعة لها كانت قد حددت يوم 30 نوفمبر، موعدا لانفصال جنوب اليمن.

وقال موقع "الأحقاف نيوز" اليمني في 14 أكتوبر، إن "صحيفة (العرب) المرتبطة بالاستخبارات الإماراتية، الصادرة من لندن، هي من حددت موعد فك الارتباط الشعبي بين جنوب اليمن وشماله" .

وأشار إلى أن "الإمارات تسعى إلى فرض القضية الجنوبية في أي مشاورات سلام قادمة في محاولة لفرض الانفصال وحصوله على شرعية دولية"، مشيرا إلى أن خلافات تدور حاليا في كواليس المجلس الرئاسي حول تشكيل وفد للمفاوضات ويصر الانتقالي على تشكيل وفد مستقل".

وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، شُكل المجلس الرئاسي اليمني، مع تنازل الرئيس السابق منصور هادي عن كامل صلاحياته لصالح المجلس، الذي رأسه رشاد محمد العليمي، وعضوية 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس، أحدهم عيدروس الزبيدي.

وكانت صحيفة "العرب" قد نشرت في 14 أكتوبر، تقريرا زعمت فيه أنه "جرى في مدينة عدن (عاصمة اليمن المؤقتة) بجنوب البلاد تحديد تاريخ الثلاثين من نوفمبر 2023، موعدا لإعلان فك الارتباط الشعبي بين جنوب البلاد وشمالها".

وادعت الصحفية أن "الخطوة التي أعلنها المجلس الانتقالي الجنوبي تأتي ضمن المساعي التي يبذلها الأخير لاستعادة دولة الجنوب المستقلّة التي كانت قائمة قبل تسعينيات القرن العشرين، وفرض ذلك كبند أساسي فيما قد يجرى التوصل إليه من تسوية لملف الصراع الدائر في اليمن".

ونقلت عن عبدالله الوالي، مستشار محافظ عدن، قوله إن "لجانا ستتشكل في عموم محافظات الجنوب وسيجرى إشهارها في ظرف أسبوعين، وذلك خلال إشرافه على اجتماع خصص لمناقشة الاستعدادات الجارية لتشكيل اللجنة التحضيرية لإعلان فك الارتباط الشعبي مع الجمهورية العربية اليمنية".

وأشار إلى أن "العامل الدافع لهذه الخطوة هو التجاهل من قبل المجتمع الدولي والإقليمي لقضية الجنوب"، مناشدا "كبار الفاعلين في الملف اليمني أخذ الرغبة الشعبية في فك الارتباط في الحسبان".

وأوضحت الصحيفة أن "علي النمري، مدير عام اللجان المجتمعية في عدن، أكد أنّ الثلاثين من نوفمبر سيشهد إعلان فك الارتباط الشعبي، وأنه لا سلام إلا بعودة دولة الجنوب العربي التي كانت عضوا في المنظمات الدولية والأممية وكانت لها سفارات في الخارج".

وبمعزل عن الإمارات، تقود السعودية منذ مدة مفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية في اليمن، إذ قد وصل وفد من الحوثيين إلى الرياض في 14 سبتمبر/ أيلول 2023، بدعوة من المملكة، لمناقشة التوصل إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول".

بدورها، أعلنت الخارجية السعودية خلال بيان لها، في 20 سبتمبر، ترحيبها بـ"النتائج الإيجابية" للنقاشات مع وفد صنعاء لاستكمال جهود مسار السلام في اليمن، مشيدة بمضامين لقاء وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان بن عبد العزيز، بالوفد.

ولفت البيان إلى أن النقاشات جاءت "استكمالا للقاءات الفريق السعودي التي أجراها في فترة سابقة مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني وفي صنعاء خلال الفترة من 8 إلى 13 أبريل/ نيسان 2023، وتم التوصل فيها إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خارطة طريق تتفق عليها الأطراف اليمنية كافة".

غياب المعطيات

وتعليقا على مدى إمكانية تطبيق مثل هذه الخطوة، رأى رئيس مركز "أبعاد" اليمني للدراسات والبحوث عبد السلام محمد، أن "هذه الأنباء واحدة من الدعايات التي دائما ما تأتي مع مراحل هذه الجماعات التي تحلم بالسيطرة واستغلال دولة تحكمها مثلها مثل بقية المليشيات في اليمن".

وأوضح محمد لـ"الاستقلال" أنه "لا يتوفر عامل واحد من العوامل التي يمكن القول إنها تهيئ لمرحلة استقلال المحافظات الجنوبية، لذلك أعتقد أن هذه الدعايات هي مجرد ضغط نفسي يمارسه المجلس الانتقالي على الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا)، وأيضا على السعودية".

وأوضح أن "ما يفند الموضوع هو غياب عوامل إعلان الانفصال، على جميع المستويات، المحلي والإقليمي والدولي، ولا على مستوى التنسيق مع الخارج، بالذات الولايات المتحدة أو الدول الخمس في مجلس الأمن، والشركاء الإقليميين، بل حتى على مستوى استعداد المجلس الانتقالي نفسه لإدارة الدولة".

وأشار إلى أنه "من ناحية محلية، فإن عيدروس الزبيدي هو بمثابة نائب رئيس الدولة حاليا، وبالتالي أي إعلان خارج هذا الإطار يُعد تمردا على الدولة وخيانة لها، وبالتالي يُقدّم إلى المحاكمة. لذلك لا يستطيع إطلاقا أن يقوم بهذا الشيء، حتى لو حاول بتحركات شعبية أو عسكرية".

على المستوى الشعبي، يضيف محمد، فإن "الأمر غير مهيأ له في أن يُخرج المجلس الانتقالي المسيرات الشعبية لإعلان الانفصال، خاصة أن من بين أهداف مليشيا الحوثي الوصول إلى بعض محافظات الجنوب، بمعنى أن أي  تحرك خطأ، قد يُسلم الجنوب مرة أخرى للحوثيين وإيران".

وأشار إلى أن "المجلس الانتقالي سبق أن فشل فشلا ذريعا في إدارة محافظ مدينة عدن وبعض المحافظات الجنوبية ولم يحقق أي شيء، بل إن الناس أصبحوا ينظرون إليه على أنه غير قادر على تحمل المسؤولية، وأن إعلان الانفصال يعد هروبا من المعركة الرئيسة مع إيران".

في الجانب الإقليمي، رأى محمد أن "هناك خلافات واضحة بين شريكي التحالف العربي في اليمن، وهما الإمارات والسعودية، وبالتالي فإن إعلان استقلال المحافظات الجنوبية مع أي جهة يتم بالاتفاق عليه، هل مع أبو ظبي أم مع الرياض؟"

وتابع: "إذا كان الاتفاق مع دولة الإمارات، فهذا سيثير سخط السعودية بشكل كبير، وهذا لا يُقبل به، خاصة أن الأخيرة لها النفوذ الأكبر في اليمن".

على المستوى الدولي، أكد الخبير اليمني أن "المجتمع الدولي غير مهيأ للسماع لمثل هذه الأشياء، في ظل انتقال العالم إلى مرحلة حرب، ويعلم أن هذا الأمر أي حركة فيه معناها انهيار المفاوضات مع الحوثيين، وكذلك انهيار الهدنة التي بدأت في أبريل 2022، وعودة اليمن لدائرة صراع وحرب جديدة، لن يقبل بها الخارج.

وخلص إلى أن "أميركا ومجلس الأمن والأمم المتحدة لن يقبلوا إطلاقا بعودة الحرب في هذه المرحلة لأنها ستكون منطقة صراع جديد، ربما تستفيد الصين وروسيا منها، وتخرج عن إطار التفاهمات مع المجتمع الدولي، وتكون مهيأة لدخول لاعبين إقليميين ودوليين جدد غير السعودية وإيران".

لم يصدر أي تصريح من الحكومة اليمنية الشرعية (المعترف بها دوليا) حتى يوم 15 أكتوبر، بخصوص ما تناقلته  وسائل إعلام محلية عن تحديد موعد لإعلان انفصال جنوب اليمن.

تعليق جنوبي

وعلى ضوء هذه الأنباء بخصوص الاستعداد للانفصال، قال منصور صالح، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن قرار فك ارتباط الجنوب باليمن الشمالي لن يكون قرارا أحاديا من طرف واحد، وإن كان في الأصل هو قرار يخص الجنوبيين وحدهم.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية في 15 أكتوبر عن صالح قوله، إن الأخبار التي تتحدث عن تاريخ محدد لفك الارتباط غير صحيحة، وتندرج ضمن إشاعات مطابخ الأعداء التي تحاول اللعب على عواطف الجنوبيين، وإصابتهم بالإحباط في حال مرور هذا الموعد دون تحقيق شيء، واعتبار ذلك فشلا سياسيا للقيادة الجنوبية".

ولفت القيادي في الانتقالي الجنوبي، إلى أن "المجلس يعمل بجدية وإصرار على تحقيق تطلعات شعب الجنوب باستعادة دولته عبر خطوات مدروسة، تتفق والقوانين والمعايير الدولية المتبعة في الحالات المشابهة للحالة الجنوبية، وقد قطع شوطاً كبيرا في هذا الاتجاه".

وتابع: نعمل على حشد دعم المجتمع الدولي لمطالب شعبنا وتبيان عدالة قضيته وحقه في استعادة دولته، وهي مطالب لا تتعارض مع مبادئ وقواعد الأمم المتحدة في منح الشعوب حق تقرير مستقبلها السياسي.

وبين صالح أن "الجنوب كان قبل الوحدة والارتباط مع الشمال دولة عضوا في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية، ومختلف المنظمات الدولية، هذه الدولة دخلت في مشروع سياسي للوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية، لكن الطرف الآخر لم يكن جادا ولا جاهزا للوحدة".

وفي 14 سبتمبر 2023، كتب عبدالخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي المقرب من رئيس الدولة محمد بن زايد، تدوينة على منصة "إكس"، اتهم فيها جهات (لم يسمها) بالسعي إلى تسليم جنوب اليمن إلى الحوثيين.

وتساءل عبدالخالق عبدالله في تدوينته، قائلا: "لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الإيرانية الانقلابية بصنعاء؟"

وأضاف أن "قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال، بل هي قضية تحرر وطني يسعى شعب الجنوب لتأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة، ويستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان".

طرح الأكاديمي الإماراتي، جاء بعد ساعات من تغريدة أطلقها، ضاحي خلفان نائب قائد شرطة دبي، قال فيها: إن "الأوساط الحوثية تتحدث عن فكرة إنشاء مملكة هاشمية يمنية.. إذا صحت الأخبار... ينبغي لمن يهمه الأمر مراجعة القرار".

وكانت الأمم المتحدة قد رعت هدنة بين الجيش اليمني، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليدخل اليمن بعدها في وضع يشبه الهدنة من دون إعلان، لكن البلاد تشهد بين الحين والآخر مناوشات مسلحة.