مجلة أميركية عن أنفاق حماس: تفوقت حتى على ما فعله أسامة بن لادن بالأميركان
"يتعين على الجيوش أن تأخذ في الحسبان هذه الاستخدامات المبتكرة للعمل تحت الأرض"
"حماس أعادت ابتكار حروب الأنفاق، وأنفاقها في غزة ستكون مصدر إلهام".. هكذا وصف مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تكتيكات المقاومة الفلسطينية في استخدام باطن الأرض خلال الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ففي مقال لها، وصفت الأستاذة المساعدة في جامعة رايخمان الإسرائيلية، دافني ريتشموند باراك، شبكة أنفاق حماس بأنها "لم يسبق لها مثيل".
وقالت الكاتبة التي تعمل في جامعة تتبع معهد الحرب الحديثة ومعهد ليبر للقانون والحرب البرية في الأكاديمية العسكرية الأميركية (وست بوينت)، إن "حماس عندما هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، جرّتها إلى واحدة من أسوأ حروب الأنفاق عبر التاريخ".
تجربة فريدة
والأكثر أهمية من ذلك هو أن حماس، من خلال استمرارها في العمل تحت الأرض على مدى أشهر، تسببت في تأخير انتصار إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تكاليف دبلوماسية وسياسية لا يمكن تصورها.
وفيما يتعلق بحروب الأنفاق، فإن الحرب الوحيدة التي يمكن مقارنتها بتلك الحرب الجارية هي الحرب العالمية الأولى، التي مات فيها عدد لا يحصى من الجنود البريطانيين والألمان أثناء محاولتهم كشف الأنفاق وتلغيمها وحفرها.
فلا توجد أي تجارب أخرى لاستخدام الأنفاق في الحروب تقارب هذه التجربة، لا التحصينات التي استخدمها أسامة بن لادن في جبال أفغانستان التي مكنته من الهروب من القوات الأميركية والتخطيط لهجمات دون الكشف عنها.
ولا تلك التي استخدمتها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مالي، لشن هجمات من مخابئ تحت الأرض شبه منيعة. ولا التي استخدمها تنظيم الدولة، لتنفيذ هجمات على القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا.
فاستخدام حماس للأنفاق متقدم للغاية إذا ما قارناه بما هو معتاد من الجهات الفاعلة غير الحكومية، لدرجة أن ما فعلته حماس يشبه إلى حد كبير الطريقة التي تستخدم بها الدول الهياكل تحت الأرض لحماية مراكز القيادة والسيطرة.
ولقد أدى تعزيز حماس لقدراتها تحت الأرض إلى "زعزعة تقييم إسرائيل لمدى خطر التهديدات القادمة من باطن الأرض."
ولم تتخيل إسرائيل أن تتورط في حرب أنفاق بهذا الحجم، اللهم إلا أنها كانت تركز على إزالة أنفاق حماس التي تعبر إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
ومن المرجح أن تحفز الحرب في قطاع غزة تطوير عقيدة جديدة وأساليب جديدة للتعامل مع هذا النوع الفريد من الحروب.
وما من شك في أن شبكة أنفاق حماس لفتت انتباه الجيوش والجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى، وجميعها تشير إلى مدى فعالية تلك الشبكة في بقاء حماس في غزة.
والآن بعد أن تغلبت حماس على أغلب العقبات الملازمة لحروب الأنفاق -والتي منها صعوبة الاتصال والتنقل، وانخفاض مستويات الأكسجين، ورهاب الأماكن المغلقة- فقد توفرت أمامنا كل الأسباب التي تجعلنا نقول إن هذا التكتيك سوف يستمر في الانتشار.
وقد أعاد توظيف حماس الابتكاري للأنفاق تعريف الأهمية الإستراتيجية للأرض، وغيّر طبيعة المواجهات العسكرية.
ولا شك أن البقاء تحت الأرض لفترات طويلة ليس بالأمر الهين، وقد أفاد بذلك مئات المقاتلين الأوكرانيين الذين عاشوا في أنفاق أسفل مصنع آزوفستال للصلب، خلال الهجوم الروسي على ماريوبول في عام 2022.
فسرعان ما نفد الطعام ومياه الشرب لدى تلك القوات، التي افتقرت إلى أبسط الترتيبات الصحية والطبية، ناهيك عن الاتصال بالإنترنت والقدرة على الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي. لكن في غزة، لم يشكل أي من هذا مشكلة بالنسبة لحماس.
وفي حين لم يتمكن الذين يعيشون ويقاتلون في أنفاق أزوفستال الأوكرانية من البقاء على قيد الحياة لأكثر من شهرين تحت الأرض، فإن حماس تحافظ على وجود عسكري في الأنفاق لمدة تقرب من ثمانية أشهر.
ويرجع أداء حماس الذي حطم الأرقام القياسية إلى تصميمها متاهة طويلة من الممرات تحت الأرض تمتد عبر غزة، وتشمل مطابخ مجهزة بالكامل، وغرف قيادة مفروشة، ومراكز بيانات متطورة، ودورات مياه مبلطة، وزنزانات احتجاز مسيجة، ومناطق مهام خاصة.
وتبدو حماس متحررة من القيود الجيولوجية، والصعوبات الهندسية والتخطيطية، والخوف من القدرة على البقاء.
فقد كان لدى الحركة متسع من الوقت لصقل مهاراتها وتجريبها وتحسينها، ومن المؤكد أن عقودا من الحفر على الحدود المصرية، وداخل غزة، وداخل الأراضي الإسرائيلية ساعدت في ذلك.
وألمح المقال إلى النفق الذي اكتُشف بالقرب من معبر إيريز، والذي بلغ عرضه حوالي 10 أقدام وعمقه 164 قدما، والذي حُفر باستخدام معدات مدنية هي الأولى من نوعها بالنسبة لحماس.
ومع ذلك، يؤكد أنه "مهما بلغت المهارة في حفر الأنفاق، فلا يمكنها أن تجهّز المقاتلين للبقاء لفترات طويلة تحت الأرض؛ فالظروف قاسية والأكسجين شحيح والتواصل مع العالم الخارجي محدود".
لكن حماس أظهرت -ومازالت- أن سنوات من التدريب والتخطيط الدقيق بإمكانها أن تساعد في التغلب على هذه العقبات.
وتحتوي أنفاق حماس على أماكن للنوم، وقاعات اجتماعات، ومبانٍ أخرى مجهزة بالتهوية والكهرباء والمراحيض، وأماكن للاستحمام، وشبكات سباكة، وشبكات اتصالات بدائية لكنها فعالة".
ومع هذا التحسن في البنية التحتية، تضاءلت سلبيات العيش والعمل تحت الأرض.
وقد أتاحت المخزونات الهائلة من الوقود والغذاء والمياه داخل الأنفاق العيش والقيام بعمليات عسكرية تحت الأرض، كما أن المرافق الواسعة لإنتاج الأسلحة تحت الأرض ضمنت استمرار إمدادات السلاح وتوزيعها دون انقطاع.
“لا تُرى فوق الأرض”
ومن المعروف أن مستخدمي الأنفاق في كل مكان يخرجون من النفق لإعادة تموين أنفسهم، واستنشاق الهواء النقي، والتواصل مع العالم الخارجي، غير أن قيادة حماس لا تكاد تُرى فوق الأرض.
وفي أبريل/نيسان 2024، ظهرت تقارير تفيد بأن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، زار قواته فوق الأرض، ولكن لفترة وجيزة.
وليس من الواضح عدد المرات التي خرج فيها مقاتلو حماس من الأنفاق لإعادة الإمداد أو لإعادة تنشيط أنفسهم. لكن الأمر الواضح هو أن حماس تمكنت من توجيه العمليات العسكرية دون انقطاع.
وعلى الرغم من تعرضها لبعض الضربات -خاصة عندما عطل القصف الإسرائيلي أنظمة اتصالاتها- فقد تمكنت حماس بشكل عام من ضمان استمرار هيكلها القيادي من قاعدتها العسكرية تحت الأرض.
ويشبه استخدام حماس للهياكل تحت الأرض إلى حد كبير الطريقة التي تستخدم بها الدول تقليديا -وليس الجهات الفاعلة غير الحكومية- باطن الأرض.
إذ تعتمد الدول على هياكل تحت الأرض تعمل كمخابئ دائمة يصعب الوصول إليها، بحيث تكون قادرة على العمل كمراكز للقيادة والسيطرة في أوقات الأزمات.
ومن شأن هذه المرافق المدفونة عميقا أن تستضيف قادة البلاد، وتدعم البنية التحتية لإنتاج الأسلحة، وتضمن استمرار التسلسل القيادي في حالات الطوارئ".
ومن المعروف أن كندا والصين وإيران وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة تمتلك هذه الأنواع من المرافق المدفونة بعمق، وهي أكبر حجما وأفضل تجهيزا وأكثر تحصينا وأعمق من الأنفاق البدائية.
وألمح المقال إلى أن "المنشآت النووية الإيرانية محفورة على عمق يزيد على 300 قدم تحت الأرض (في حين لا يصل عمق أغلب الأنفاق إلى أكثر من 200 قدم)، ونتيجة لذلك، فهي بعيدة عن متناول حتى أقوى الأسلحة".
وفي المقابل، استخدمت جماعات مسلحة الأنفاق لحماية نفسها من تكنولوجيا المراقبة في الأساس، والعمل دون أن تُكتَشف، كما استخدمت أنفاقا بدائية للاختباء وتنفيذ هجمات مفاجئة.
لكن الأمر في غزة مختلف فالعديد من الأنفاق التي كشفها الجيش الإسرائيلي تشبه الهياكل الموجودة تحت الأرض الموجودة في إيران وكوريا الشمالية من حيث حجمها وعمقها وطريقة بنائها.
لقد أصبح سقفها المقوس الأسمنتي سمة مميزة لأنفاق حماس، حيث استُخدم الأسمنت أيضا لبناء ممرات أنفاق أكبر.
ومقارنة بأنفاق حماس السابقة، تلك التي حفرتها بين مصر وغزة في أواخر التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد شهدت هندستها للأنفاق تحسنا كبيرا.
وأصبحت أنفاق حماس الآن أقل عرضة للانهيار، ومضاءة جيدا، وأكثر ملاءمة للعيش. كما زادت حماس أيضا من اعتمادها على الأنفاق كجزء من إستراتيجيتها، وتحديدا كيفية توظيفها للأنفاق.
إذ ترى حماس أن الأنفاق استثمار إستراتيجي طويل الأمد، مصمم لضمان بقاء هيكلها القيادي في الحرب، وليس مجرد تكتيك لمواجهة قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الإسرائيلية.
ولا تستطيع الجيوش محاربة الأنفاق التكتيكية، بينما عليها الآن أن تحارب تهديدات إستراتيجية قادمة من باطن الأرض.
ولن تكون القنابل الخارقة للتحصينات، على سبيل المثال، كافية لتدمير مثل هذه الهياكل الأعمق والأكثر قوة.
ويعكس التحول نحو الاستخدام الأكثر إستراتيجية للأنفاق، تركيز حماس على قدرتها على البقاء بدلا من مجرد القتال تحت الأرض.
وأشارت إلى أن وجود تلك الأنفاق في غزة أثّر على العمليات الإسرائيلية في القطاع بطرق لا حصر لها. فقد أدى إلى تقويض احتمالات تحقيق نصر إسرائيلي سريع، وإبطاء وتيرة العمليات، وجعل إنقاذ الرهائن أكثر صعوبة، وتعقيد البيئات العسكرية والسياسية لإسرائيل.
تغيير طبيعة الحروب
واستدركت الكاتبة بالقول إن هناك جانبا واحدا كثيرا ما يُتغاضى عنه، رغم أنه يحمل عواقب وخيمة على حروب المستقبل: ألا وهو أن إستراتيجية حماس في العمل من باطن الأرض أدت إلى تقليص أهمية سطح الأرض.
وفي هذا السياق، وصف الصحفي الإسرائيلي، رون بن يشاي، هذا النوع الجديد من القتال بأنه بحق "حرب تُشن على مستويين مختلفين".
"ففي المراحل الأولى من الحرب، سعى الجيش الإسرائيلي إلى السيطرة على السطح لكشف أنفاق حماس والدخول إليها في نهاية المطاف".
"ولكن مع تقدم العمليات، تحول الاهتمام الإسرائيلي إلى الممرات من وإلى باطن الأرض، وأصبح السطح مجرد قناة للوصول إلى الأنفاق والهياكل تحت الأرض، ولم يعد محور القتال".
وأضافت الأكاديمية الإسرائيلية أنه "نتيجة لذلك، تغيرت طبيعة مواجهات العدو (تقصد المقاومة الفلسطينية) والمناورات البرية".
وتابعت: "من المعروف أن حروب الأنفاق تجعل العدو غير مرئي وبعيد المنال"، مشيرة إلى التشبيه الشائع لهذا النوع من الحروب بأنه مثل لعبة "اضرب الهدف" (Whack-a-Mole)، حيث يخرج العدو من الأرض في لعبة مطاردة لا تنتهي.
أما في غزة، فالأمر قد تجاوز ذلك، حيث "اختفى العدو بشكل شبه كامل، ابتلعته شبكة الأنفاق الهائلة تحت الأرض، وأصبح اسم اللعبة "انتظر الهدف"، وفق توصيف الأكاديمية الإسرائيلية.
وبما أن الانتظار لم يسفر عن أي نتائج، فقد اضطر الجيش الإسرائيلي إلى استخدام كل الحيل الممكنة لإخراج مقاتلي حماس من تحت الأرض.
وهذا لا يعني أن مقاتلي حماس لا يظهرون أبدا، إذ إنهم يطلقون قذائف قاتلة مضادة للدبابات ضد القوات الإسرائيلية، وينفذون أنواعا أخرى من الكمائن.
وتظهر الطريقة التي تعمل بها حماس أن استخدامها للأنفاق لم يعد تعريف البيئة في باطن الأرض فحسب، بل أيضا أعاد تعريف قيمة وطبيعة القتال فوق سطح الأرض.
فالمواجهات مع الجانب الآخر باتت وتيرتها أقل، وكما هو الحال مع الأنفاق نفسها، فإن تلك المواجهات يصعب اكتشافها هي الأخرى.
وعلى سبيل المثال، فإن الفخاخ التفجيرية الموجودة بالقرب من ممرات الأنفاق تدلل على وجود مقاتلين لحماس، ولكن المقاتلين أنفسهم لا يكونون في مرمى البصر، وأخيرا عندما يخترق الجيش الإسرائيلي الأنفاق، يكون المقاتلون قد انتقلوا إلى جزء مختلف من شبكة الأنفاق.
وفي هذه البيئة القتالية، لا تقع المواجهات بشكل طبيعي، بل يجب أن تكون مدبرة سلفا ومخططا لها بدقة. حيث إن الحرب تحت الأرض قد حلت محل الحرب فوق الأرض في غزة، فمن الممكن أن يحدث ذلك في مكان آخر.
وعلى الجيوش أن تفكر في كيفية التعامل مع الدور المتضائل لسطح الأرض عندما يتحول العدو من الاستخدام التكتيكي لباطن الأرض إلى الاستخدام الإستراتيجي له.
فسطح الأرض سيظل ذا صلة بالحرب، على الأقل من حيث السماح بالوصول إلى الهياكل الموجودة تحت الأرض والتحكم فيها، وكموقع نهائي لمعظم المواجهات العسكرية.
لكن هذه التطورات تشير إلى أنه من الأفضل أن تؤطّر دراسة حروب الأنفاق كمجال منفصل، وليس كمجرد فرع من فروع الحرب البرية.
حدود التكنولوجيا
وترى ريتشموند باراك أن القتال في غزة أظهر أن تقدم تكنولوجيا مكافحة الأنفاق فشل في ردع تنظيمات مثل حماس من اللجوء إلى حرب الأنفاق.
ويمكن القول إن إسرائيل تمتلك التكنولوجيا الأكثر تقدما في العالم في مجال مكافحة الأنفاق، فقد نشرت تقنيات متقدمة للكشف عن الأنفاق وتحييدها لمواجهة تهديد أنفاق "حزب الله" اللبناني المتجهة إلى إسرائيل في عام 2018.
كما درّبت إسرائيل وحدات خاصة على حرب الأنفاق، وشيدت مرافق تدريب وطورت أجهزة استشعار تحت الأرض لحماية حدودها، وأتقنت المهمة الصعبة المتمثلة في رسم خرائط الأنفاق باستخدام الطائرات المسيّرة.
وفي الفترة الزمنية ما بين عملية "الجرف الصامد" (تسميها المقاومة "العصف المأكول") في عام 2014، وهي آخر حرب برية شنتها إسرائيل في غزة، وبين هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، طوّر الجيش الإسرائيلي قدراته بشكل كبير في الحرب تحت الأرض.
مع التركيز على التدريب وكشف الأنفاق والمعدات اللازمة لهذا النوع من الحروب. لكن التكنولوجيا الإسرائيلية المتفوقة والتدريب المتقدم لم يثن حماس عن استثمار قدر كبير من الوقت والموارد البشرية في بناء الأنفاق.
وفي الوقت نفسه، دفع التقدم التكنولوجي إسرائيل إلى الاعتقاد بأنها سحقت مساعي حماس في استخدام باطن الأرض، على الرغم من أن العكس كان هو الصحيح. فبعبارة بسيطة: مع تحسن التكنولوجيا، تكثفت عمليات الحفر.
فمن جهة، قللت إسرائيل من تقدير التداعيات الإستراتيجية لحرب الأنفاق إذا ما استُخدمت على نطاق واسع، ومن جهة أخرى، بالغت في تقدير قدرة التكنولوجيا على مواجهة هذا النوع من الحرب.
وركزت إسرائيل على الجوانب التكتيكية وعلى الأنفاق العابرة للحدود، تاركة لحماس الحرية في تطوير قدرات تحت الأرض بنسب غير مسبوقة.
وفهم هذه المفارقة هو درس أساسي من هذه الحرب، فلا يمكن للتكنولوجيا ولا للتفوق العسكري أن يوقفا بمفردهما الاستخدام الموسع للأنفاق.
والتكنولوجيا فشلت في ردع التهديدات في باطن الأرض ومواجهتها، وتدرك حماس تمام الإدراك أنه حتى التكنولوجيا الأكثر تطورا المتاحة حاليا لن تكون كافية لمواجهة مثل هذه القدرات، وبالتالي لديها ثقة عميقة في هذا التكتيك.
وحماس كانت تعلم أن شبكة الأنفاق الواسعة التي تمتلكها في غزة من شأنها أن تبطئ الرد الإسرائيلي، وتقلل من الميزة التنافسية التي تتمتع بها إسرائيل، وتحمي كبار قادة حماس في القطاع.
والحرب منخفضة التكنولوجيا في غزة أثبتت نجاعتها، وهو نجاح من شأنه أن يعزز حروب الأنفاق في كل مكان.
وأسر حماس إسرائيليين في الأنفاق مكّنها من تعظيم أهدافها السياسية والعسكرية إلى ما هو أبعد كثيرا من هدفها المعلن المتمثل في إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
فلقد أدى أسر إسرائيليين إلى تمزيق المجتمع الإسرائيلي، ودفع الحكومة الإسرائيلية إلى ربط النصر بأهداف متضاربة وبعيدة المنال.
وورقة الضغط هذه منحت حماس قوة على طاولة المفاوضات، ودفعت حلفاء إسرائيل إلى مطالبتها بتنازلات مقابل إطلاق سراح المحتجزين، هذا فضلا عن أنها سهّلت الحرب النفسية القاسية التي تشنها حماس.
وختمت ريتشموند باراك مقالها بتقديم توصية عامة، قائلة إنه "يتعين على الجيوش أن تأخذ في الحسبان هذه الاستخدامات المبتكرة للعمل تحت الأرض، والتي يمكن أن تضع الدول على حافة الشلل العملياتي والسياسي".
وذلك "حتى تتمكن الجيوش من توقع كيفية استخدام خصومها لتكتيكات العمل من باطن الأرض في حروب المستقبل".