رفض ولاية مادورو الثالثة بفنزويلا.. ربيع لاتيني أم خطة أميركية لنهب النفط؟

12

طباعة

مشاركة

مع إعلان مجلس الانتخابات في فنزويلا فوز الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، بولاية ثالثة في انتخابات 28 يوليو/تموز 2024 وحصوله على 51 بالمئة من الأصوات، حتى شهدت البلاد أزمة سياسية كبيرة ونزلت المعارضة للشوارع.

المعارضة الليبرالية أكدت أن 73 بالمئة من إحصاءات الانتخابات الحكومية التي حصلت عليها، أظهرت أن مرشحها إدموندو غونزاليس أوروتيا، حصل على أكثر مما حصل عليه الرئيس الحالي مادورو.

وقالت إن ذلك يتماشى أيضا مع استطلاعات رأي مستقلة (تبين أنها أميركية) أجريت قبل المنافسة أظهرت تفوق المعارضة.

وخرج محتجون إلى شوارع كراكاس، ومع نزول المعارضة للشارع وسط احتجاجات عنيفة، بدأت وسائل إعلام الغرب تروج إلى أن فنزويلا تشهد “ربيعا لاتينيا” وثورة شعبية ضد مادورو. 

دخلت أميركا على الخط وأعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن فوز مرشح المعارضة بالانتخابات الرئاسية، وأنها تعترف به رئيسا، مؤكدا أن النتيجة المعلنة من قبل مادورو “لا تمثل إرادة الشعب الفنزويلي”.

وبدأ دعوات من شخصيات أميركية كبيرة منهم الملياردير إيلون ماسك ورجال أعمال آخرون ومسؤولون لدعم انقلاب عسكري في فنزويلا، فضحها صحفيون وكتاب، أكدوا أن الهدف الأميركي هو “نفط فنزويلا وثرواتها، لا حبا في الديمقراطية”.

وتعد فنزويلا، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم وأغنى بلد في أميركا اللاتينية.

ماذا جرى؟

وبدأت الاضطرابات بعد "الخطأ الفادح" للإذاعة والتلفزيون الفنزويلي الذي أظهر أن نسب الأصوات التي حصل عليها جميع المرشحين تزيد عن 109 بالمئة بدلا من 100 بالمئة، ما عدته المعارضة دليلا على التزوير.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، قالت إنهم حصلوا على 40 بالمئة من أوراق الفرز الرسمية وأنها أظهرت فوز مرشح المعارضة "غونزاليس" بنسبة 70 بالمئة من الأصوات، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" في 29 يوليو 2024.

ورفضت المعارضة ما أعلنه "المجلس الانتخابي" الموالي للحكومة، الذي أعلن أن مادورو فاز بنسبة 51 بالمئة من الأصوات مقابل 44 بالمئة لغونزاليس.

وهاجمت مادورو، الذي يتولى السلطة منذ عام 2013، وشككت في فوزه وفي نزاهة المجلس الانتخابي، ودعت أنصارها للنزول إلى الشوارع، فبدأوا في القيام بأعمال عنف وإسقاط تماثيل للرئيس اليساري السابق هوغو تشافيز. 

وعدت المعارضة الانتخابات أفضل فرصة لها منذ أكثر من عقد من الزمن للإطاحة بالرجل القوي مادورو، الذي يلقي الكثيرون باللوم عليه في الانهيار الاقتصادي لهذا البلد الغني بالنفط وهجرة الملايين من المواطنين"، وفق "واشنطن بوست".

وأظهرت استطلاعات الرأي التي صدرت بعد إغلاق مراكز الاقتراع أن غونزاليس حصل على 65 بالمئة من الأصوات، وهو أكثر من ضعف نسبة مادورو التي بلغت 31 بالمئة، وفقا لمركز "إديسون" للأبحاث الأميركي.

واستندت المعارضة الفنزويلية ووسائل الإعلام الأميركية لهذا الاستطلاع، لشركة "إديسون" للأبحاث المرتبطة بالحكومة الأميركية للرأي في فنزويلا، لتؤكد أن هناك "تزويرا" في الانتخابات.

وتعمل "إديسون" مع الدعاية الحكومية الأميركية المرتبطة بوكالة المخابرات المركزية وكانت نشطه في أوكرانيا وجورجيا والعراق.

وبناء على هذا الاستطلاع، زعم بلينكن مطلع أغسطس/آب 2024 أن هناك "أدلة قاطعة" على أن مرشح المعارضة غونزاليس فاز بالانتخابات الرئاسية لا مادورو.

وقال إن "إعلان النتائج من قبل المجلس الوطني للانتخابات الذي يسيطر عليه مادورو كان معيبا بشدة، مما أسفر عن نتيجة معلنة لا تمثل إرادة الشعب الفنزويلي، جردت الانتخابات من أي مصداقية".

وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" في 29 يوليو 2024 تهاجم مادورو في الانتخابات الرئاسية وتشكك في فوزه ونزاهة "المجلس الانتخابي". 

فيما وصف الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، اعتراف بلينكن بفوز المعارضة بالرئاسة بأنه "مبالغة"، وقال إن بلينكن "تجاوز حدوده".

وخاض السباق 10 مرشحين، لكن المنافسة كانت تنحصر بين مادورو، والدبلوماسي السابق غونزاليس (74 عاما)، الذي حل بصورة مفاجئة محل زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، عند إعلان السلطات عدم أهليتها للترشح.

دعوة للانقلاب

وكانت مفارقة غريبة أن تنطلق دعوات من أميركا "الديمقراطية" لتشجيع العسكريين في فنزويلا علنا للانقلاب على الرئيس مادورو.

وتدخل إيلون ماسك مالك شركة "إكس"، المتعاون مع المخابرات الأميركية ودعا إلى انقلاب عسكري على مادورو البوليڤاري المناصر لفلسطين.

وهدده قائلا: "أنا قادم إليك يا مادورو . سأحملك إلى غوانتانامو على ظهر حمار!".

 

 

وظهرت قائدة عسكرية أميركية تحرض على الانقلاب وتقول إن فنزويلا لديها أكبر احتياطي نفطي وموارد معدنية هامة، ما دعا محللين أميركيين للسخرية من الدعوات التي تدعمها واشنطن للانقلاب العسكري في فنزويلا.

وقالوا: "ندعو إلى احترام إرادة الشعب في فنزويلا بينما نقوم بتنظيم انقلاب عسكري أطاح برئيس منتخب في مصر ورئيس وزراء في باكستان، فهل هذا حقا يتعلق بالديمقراطية أم بشيء آخر؟".

وقال صحفيون أجانب: “لا تنسوا أنه عام 2002، رعت حكومة أميركا انقلابا عسكريا أطاح لفترة وجيزة بالرئيس الفنزويلي المنتخب ديمقراطيا تشافيز، ثم اعترفت الولايات المتحدة على الفور بحكومة الأقلية اليمينية غير المنتخبة”.

ودبرت أميركا انقلابا في 11 أبريل/نيسان 2002 ضد الرئيس اليساري السابق تشافيز لكنه سرعان ما فشل، وظهر جنرالان من الهاربين في أميركا ليدعوا لانقلاب جديد عام 2024.

وسبق أن كشف السيناتور الأميركي كريس ميرفي عن تدخل الولايات المتحدة في فنزويلا قائلا: "حاولنا القيام بانقلاب في فنزويلا خلال أبريل 2019، فانفجر في وجهنا".

ودعا رجال أعمال أميركيون لجمع 100 مليون دولار لدعم الجيش الفنزويلي حتى يقوم بانقلاب، مؤكدين أن بلادهم سبق أن خصصت 15 مليون دولار للانقلاب في فنزويلا و"هذا غير كاف"، وفق قولهم.

وحركت أميركا دميتها في الارجنتين، الرئيس اليميني المتطرف، خافيير مايلي، الذي أيد بقوة الإبادة الجماعية في غزة، ليدعو علنا إلى القيام بانقلاب عسكري في فنزويلا، ويطالب الجيش بالإطاحة بالرئيس "دفاعا عن الديمقراطية والإرادة الشعبية".

وفي 2 أغسطس 2024، اتهمت حكومة فنزويلا رسميا الولايات المتحدة بالوقوف وراء ما وصفته بـ"محاولة انقلاب"، بعدما اعترفت أميركا وبعض الحكومات الإقليمية بمرشح المعارضة فائزا في الانتخابات الرئاسية.

وقال وزير الخارجية إيفان جيل إن اعتراف واشنطن بمرشح المعارضة غونزاليس يظهر أنها "في طليعة محاولة انقلاب".

وزعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، التي تقف حاليا وراء دعوات الانقلاب العنيفة ضد مادورو بدعم أميركي، من داعمي إسرائيل.

وسبق في عام 2018، أن كتبت رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتوسل إليه لبدء تدخل عسكري ضد حكومة بلادها "الاشتراكية".

كما وقعت "ماريا" عام 2020 اتفاقية تعاون مع حزب الليكود الإسرائيلي، لتعزيز العلاقات.

بالتزامن مع دعوات الانقلاب واحتجاجا على النتائج، اندلعت احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة في جميع أنحاء فنزويلا.

وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في العاصمة كراكاس، وقتل نحو 20 شخصا في الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات، وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وقال مادورو إنه تم اعتقال ما لا يقل عن 1200 شخص فيما يتصل بالمظاهرات.

 

 

ودعت زعيمة المعارضة، أنصارها إلى التحرك ضد نظام مادورو لإجباره على التراجع عن إعلان فوزه وتسليم السلطة لمرشّحها.

وقالت في مقال رأي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع أغسطس 2024 إن "معظم" فريقها مختبئون حاليا، وأن البعض، بما في ذلك أولئك الموجودون في السفارة الأرجنتينية، يخشون وقوع مداهمة وشيكة".

وأفادت ماريا: "أكتب هذا من مكان مختبئ، خوفا على حياتي وحريتي. قد يتم القبض عليّ وأنا أكتب هذه الكلمات"، وقال مصدر من حملتها لشبكة “سي إن إن” في 2 أغسطس إنها "محمية حاليا".

وكان رئيس الجمعية الوطنية خورخي رودريجيز، وهو عضو في الدائرة الداخلية لمادورو، دعا في 30 يوليو 2024 إلى اعتقال كل من ماريا وغونزاليس. 

ورغم أن النيابة العامة في البلاد أوضحت لاحقا أنه لم يتم إصدار مذكرة اعتقال لأي من شخصيتي المعارضة، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من احتمال استهدافهما من قبل حكومة مادورو.

ودعا الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية، لويس ألماغرو، المحكمة الجنائية الدولية إلى إدانة مادورو بشأن ما وصفه "حمام الدم" في فنزويلا، مطالبا من المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس المنتهية ولايته.

وعبر منصة "إكس"، كتب ألماغرو: "وعد مادورو بحمام دم.. وهذا ما يفعله، حان الوقت لكي تصدر المحكمة الجنائية الدولية بيانات اتهام ومذكرات توقيف بحق المسؤولين الرئيسين بمن فيهم مادورو. حان وقت العدالة"

ولحل المشكلة، دعا بيان لوزراء خارجية مجموعة السبع فنزويلا إلى نشر "النتائج المفصلة للانتخابات بشفافية تامة"، وطلب "من ممثلي الانتخابات مشاركة جميع المعلومات على الفور مع المعارضة والمراقبين المستقلين"، وفق وكالة “رويترز” في 30 يوليو 2024.

سر النفط

التحرك الأميركي لدعم المعارضة في فنزويلا لم يكن حبا في الديمقراطية، ولكن بسبب نفط كاراكاس ومواردها المعدنية الغنية.

وتتمتع فنزويلا بأكبر احتياطيات من النفط في العالم، لكنها فشلت في الاستفادة من هذه الثروة النفطية، بسبب مزيج من المشكلات سواء السياسية أو الاقتصادية، فضلا عن تعرض البلاد لعقوبات أميركية قاسية.

أيضا تمتلك فنزويلا ثاني أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي في الأميركتين بعد الولايات المتحدة، إذ بلغت 5.1 تريليونات متر مكعب، بنهاية عام 2023، وفقا لبيانات “أويل آند غاز جورنال”، انخفاضا من 5.5 تريليونات متر مكعب عام 2022.

وفق أحدث البيانات التي رصدتها مجلة "أويل آند غاز جورنال" نهاية 2023، كانت الإحصائيات تشير إلى أن فنزويلا تمتلك ما يُقدر بنحو 303.2 مليارات برميل من احتياطيات النفط المؤكدة بعد أن بلغت ذروة عند 303.8 مليارات برميل عام 2020.

ويعني ذلك أن فنزويلا هي الدولة صاحبة أكبر احتياطيات في أوبك، أو تُشكّل نحو 24.5 بالمئة من إجمالي احتياطيات المنظمة البالغة 1.241 تريليون برميل.

كما أنها تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة عالميا، وأعلى من احتياطيات السعودية البالغة 267.23 مليار برميل.

وبحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بلغ إنتاج فنزويلا 910 آلاف برميل يوميا بحلول نهاية مايو/ آيار 2024.

وفي 15 يونيو/حزيران 2024، قال وزير النفط بيدرو تيليشيا إنه متفائل بأن إنتاج النفط الفنزويلي سيصل إلى مليون برميل يوميا قريبا، لأول مرة منذ أكثر من خمس سنوات.

وبلغ إنتاج النفط ذروته عام 2008 بمعدل 3.5 ملايين برميل، لكنه تراجع بعد سنوات من سوء الإدارة والعقوبات الأميركية الصارمة.

وانخفض إنتاج البلاد إلى أقل من مليون برميل يوميا عام 2019 عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات إثر إعادة انتخاب مادورو المثيرة للجدل عام 2018.

وشهد إنتاج النفط تراجعا مستمرا منذ الانقلاب العسكري الفاشل عام 2002 وحتى عام 2020، ثم تحسّن قليلا بعدها.

فبعد أن تجاوز إنتاج فنزويلا 3 ملايين برميل يوميًا في 2002، انخفض باستمرار ليصل إلى نحو 2.3 مليون برميل يوميا نهاية عام 2015.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، قررت إدارة الرئيس جو بايدن تخفيف العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي، لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد، ما أعطى أملًا في زيادة الإنتاج والصادرات.

لكن واشنطن أعادت فرض العقوبات مجددا في أبريل/نيسان 2024، متهمة حكومة مادورو بالاستمرار في قمع المعارضين قبل الانتخابات الرئاسية في 28 يوليو 2024.