من “ضربة بضربة” إلى القصف الاستباقي.. سر تغير إستراتيجية واشنطن بالعراق

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تعد الأولى من نوعها، وجهت الولايات المتحدة ضربة استباقية للمليشيات العراقية في مدينة جرف الصخر شمال محافظة بابل، أودت بحياة 4 عناصر من "كتائب حزب الله"، في مقر لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.

الهجمة العسكرية غير المسبوقة، والتي تُعد تحولا في إستراتيجية “ضربة بضربة” التي كانت تتبعها واشنطن في السابق، أثارت تساؤلات عن مدى قدرة الولايات المتحدة على كبح هجمات المليشيات التابعة لإيران التي تستهدف القوات الأميركية في العراق وسوريا. 

إستراتيجية جديدة

في 30 يوليو/ تموز 2024، تعرض مقر اللواء 47 من قوات الحشد الشعبي العراقي بمدينة جرف الصخر في محافظة بابل إلى قصف صاروخي أدى إلى مقتل أربعة من عناصر الحشد وإصابة آخرين بجروح.

وأوضح بيان للحشد الشعبي، أن "مقرا تابعا للواء 47 في قيادة عمليات الجزيرة تعرض إلى ثلاث ضربات جوية من قبل طيران أميركي مسير في منطقة السعيدات بناحية جرف الصخر بمحافظة بابل"، مما أدى إلى مقتل 4 من أفراد اللواء.

وأوضح البيان أن "الهجوم الأميركي استهدف ثلة من المجاهدين التقنيين أثناء تأدية واجبهم الوطني والأخلاقي في حماية أرض الحسين "عليه السلام" وتأمين زوار أربعينيته (مناسبة شيعية)".

من جهته، قال اللواء يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية إن "هذه التجاوزات الخطيرة وغير محسوبة النتائج من شأنها أن تقوّض، وبدرجة كبيرة، كل الجهود وآليات وسياقات العمل الأمني المشترك لمحاربة تنظيم الدولة في العراق وسوريا".

وتابع رسول خلال بيان له في 31 يوليو، قائلا: "كما من شأنها (الهجمات) أن تجرّ العراق والمنطقة برمتها إلى صراعات وحروب وتداعيات خطيرة، لهذا نحمّل قوات التحالف الدولي المسؤولية الكاملة لهذه التداعيات بعد أن أقدمت على هذا العدوان الغاشم".

ولفت المتحدث إلى أن "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة موجود ويعمل في العراق ضمن تفويض محدد، ولمهمة محددة وعدو مشترك متفق عليه، وإن هذه الاستهدافات تمثل خرقا خطيرا لهذه المهمة والتفويض".

بدورها، كشفت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، سابرينا سينغ، خلال مؤتمر صحفي، في 1 أغسطس 2024، أن "الضربة كانت دفاعية، وجرى تنفيذها بعد رصد هجوم على وشك الوقوع".

وأضافت سينغ، أن "الولايات المتحدة لن تتردد في اتخاذ التدابير الدفاعية لضمان سلامة جنودها ومصالحها في العراق والمنطقة".

وأشارت إلى أن "الوزير لويد أوستن كشف عن التغييرات الجارية والمستقبلية في القوات الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط، ولكن لا يوجد قرار بعد بشأن القدرات الدفاعية المتوقع نشرها".

وأوضحت سينغ، أن "هناك إجراءات إضافية تشمل تغييرات في وضع القوة الدفاعية الحالية والمستقبلية والتي ستتخذها الوزارة لدعم حلفائها في المنطقة"، لافتة إلى أن هذه الإستراتيجية قد تشمل "نشر قوات إضافية في المنطقة".

ورقة انتخابية

وتفاعلا مع هذه التطورات، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن واشنطن لديها معلومات كافية عن مخازن السلاح والوجود الإيراني في جرف الصخر، وتستهدفهم بين الحين والآخر".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "واشنطن تحاول بين مدة وأخرى تغيير أسلوبها في القصف مع العلم أنها قادرة على تدمير جرف الصخر بالكامل، لكن هي تختار الوقت المناسب من خلال نظرتها ليست فقط العسكرية، بل حتى السياسية وما يتعلق بالرأي العام الدولي".

وجرف الصخر مدينة سُنية يقدر عدد سكانها بـ(140 ألف نسمة) جرى تهجيرهم منذ استعادتها من "تنظيم الدولة" عام 2014، بقرار من المليشيات الشيعية المسلحة التابعة لإيران، بعدما فرضت سيطرتها على البلدة وحولتها إلى ثكنة عسكرية.

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأنه "لا يوجد ردع للمليشيات من خلال هذه الضربات، بل تجعلها واشنطن ورقة من أورقها وتستخدمها متى تشاء، خصوصا أن المليشيات وعلى مدى سنوات من هجماتها على القوات الأميركية لم تستطع إصابة جندي أميركي واحد".

وأشار إلى أن "العقيدة العسكرية الأميركية لا تتغير بين ليلة وضحاها، وأن فاعلية مثل هذه الهجمات ستكون بمثابة ورقة تستخدم في سباق الرئاسة بالولايات المتحدة، وخصوصا من معسكر الحزب الديمقراطي".

وفي السياق ذاته، قال الخبير الأمني والسياسي العراقي، محمد علي الحكيم، إن "الفشل بخفض التصعيد في المنطقة قد يدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى اغتيال شخصيات عراقية بارزة"، حسبما نقلت وكالة "بغداد اليوم" في 3 أغسطس 2024.

وقال الحكيم إن "الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الكيان الصهيوني ينفذان عمليات الاغتيال للشخصيات المعارضة لهم بعد الفشل في خفض التصعيد ضدهم عبر الخطوات الاخرى من العقوبات وغيرها".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة قد تستهدف شخصيات وقيادات بارزة في الحشد الشعبي والفصائل (المليشيات)، وهذا الأمر ينطبق على إسرائيل أيضا رغم أنها لا تريد فتح أي جبهة جديدة ضدها في المنطقة".

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن استخدام التحالف الدولي الضربة الاستباقية ضد المليشيات بعدما كانت سابقا تتبع أسلوب "ضربة بضربة"، ربما يعكس جدية حقيقية من واشنطن في كبح هذه التهديدات، وبالتالي قد تكون الأولى عرضة للهجمات الاستباقية في المرحلة المقبلة.

استئناف العمليات

منذ منتصف يوليو، استأنفت المليشيات الشيعية عملياتها العسكرية ضد الوجود الأميركي في العراق، وذلك بعد حديث وسائل إعلام محلية أخيرا عن مهلة منحتها هذه الفصائل لحكومة بغداد لإخراج القوات الأميركية من البلاد، عقب تعليق هجماتها منذ مطلع فبراير/ شباط 2024.

ومنذ 30 يناير 2024، أوقفت المليشيات هجماتها على القوات الأميركية، وذلك بعد مقتل اثنين من قادة "كتائب حزب الله" العراقية بمسيّرة أميركية في بغداد، ردا على هجوم استهدف قاعدة عسكرية بالأردن قتل فيه ثلاثة جنود أميركيين في 28 من الشهر نفسه.

حينها، أعلنت "كتائب حزب الله" -التي تتهمها واشنطن بالوقوف وراء الهجمات في العراق وسوريا- إيقاف عملياتها ضد القوات الأميركية من أجل "عدم إحراج حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني"، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

واستهدفت طائرتان مسيرتان في 15 يوليو، قاعدة تستضيف قوات أميركية ودولية غربي العراق، إذ كشف مسؤول عسكري عراقي أن "أنظمة الدفاع الجوي التابعة للتحالف الدولي أسقطت إحدى الطائرتين المسيرتين قرب محيط قاعدة عين الأسد الجوية".

وأوضح المسؤول (لم تكشف هويته) خلال تصريح لوكالة “رويترز” في 16 يوليو/ تموز 2024، أن "الجيش كثّف دورياته في المناطق المحيطة بالقاعدة، وذلك من أجل منع وقوع هجمات أخرى محتملة".

من جهته، أشار مسؤول أميركي في حديثه للوكالة ذاتها (لم تكشف هويته)، إلى أن "قذيفة على ما يبدو استهدفت قاعدة عين الأسد، لكن دون التسبب في خسائر بشرية".

وبحسب رويترز، فإن "هذا الاستهداف، يعد ثاني هجوم على القوات الأميركية في العراق منذ أوائل فبراير، عندما أوقفت مليشيات مسلحة هجماتها على القوات الأميركية، إذ تم إسقاط طائرتين مسيرتين قرب قاعدة عين الأسد في أبريل 2024".

وفي 19 يونيو، أعلنت ما تسمى تنسيقية "المقاومة العراقية" (مجموعة مليشيات موالية لإيران)، في بيان، ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة العراق بعد مماطلة واشنطن وتعنتها في الانسحاب العسكري من البلاد.

وبينت أنها عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث بالمنطقة عموما، والعراق على وجه الخصوص، مبينة أن الجيش الأميركي "يحتل أرضنا ويستبيح سماءنا، ويتحكم بالقرار الأمني والاقتصادي ويتدخل بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة، وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة".

واختتمت التنسيقية بالقول إن "الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب، قادرون ومصرون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة".

وبحسب تقرير نشرته وكالة "شفق نيوز" العراقية في 6 يونيو، فإن المليشيات منحت السوداني مهلة مدتها 40 يوما (لم يعرف تاريخ بدايتها)، لحسم ملف إخراج القوات العسكرية الأميركية من البلاد، وتوعدت أنها بخلاف ذلك ستستأنف هجماتها ضد الأخيرة.

وفي 29 يوليو، أفاد تقرير نشرته إذاعة "مونت كارلو" الدولية، بأن الجانب الأميركي طلب من الحكومة العراقية تحريك دعاوى قضائية ضد قادة الفصائل، بمعنى اعتقالهم بواسطة مذكرات قضائية بتهمة مخالفة إرادة وهيبة وسلطة الدولة العراقية.

ويأتي هذا التصعيد بعد ذهاب وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي إلى واشنطن لبدء الحوار الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق، حيث ناقش الطرفان مستقبل مهمة التحالف الدولي وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين.

وخلال بيان مشترك نشرته وزارة الدفاع العراقية، في 24 يوليو، أكد الطرفان أن البعثة الاستشارية (الأميركية) موجودة في العراق بدعوة من الحكومة لدعم قوات الأمن، وأن المسؤولين العراقيين أكدوا التزامهم المطلق بحماية الأفراد والمستشارين والقوافل والمرافق الدبلوماسية للولايات المتحدة ودول التحالف الدولي.