رفض "المصباح" استقبال وفد إسرائيلي بالرباط.. مناورة سياسية أم عودة للمبادئ؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رفض وزراء ومسؤولون بحزب العدالة والتنمية المغربي "المصباح" الذي يقود الحكومة، فكرة الجلوس مع الوفد الرسمي للاحتلال الإسرائيلي الذي زار المغرب 12 أغسطس/ آب 2021.

الموقف يعد تحولا بموقف الحزب الذي وقع رئيسه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، على الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأميركا وإسرائيل 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وجرى بموجبه تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب.

وأرجع مسؤولون بالحزب لـ"الاستقلال"، السبب إلى إيمان "العدالة والتنمية" الثابت بالحق الفلسطيني، فيما يرى مراقبون أن موقف الحزب يأتي بتوافق مع الدولة المغربية.

وبعد أشهر من رفض الشعب المغربي، منح إسرائيل موطئ قدم على أراضيه؛ نجحت تل أبيب في العثور على (شقة) لتدشين مكتب اتصال (دون السفارة) لها في الرباط، وذلك لأول مرة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.

وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، انتقل إلى العاصمة المغربية 12 أغسطس/آب 2021، بنفسه لافتتاح المقر، فيما أكد عبر "تويتر"، أنها "لحظة تاريخية".

مقر مكتب الاتصال تحول إلى ما يشبه أزمة بين المغرب والكيان الإسرائيلي، خاصة بعدما تكرر رفض المواطنين المغاربة لبيع أو إيجار بيوتهم، بعد تعرفهم على هوية الطرف المقابل في العملية.

كما أن عددا من أصحاب المباني السكنية في العاصمة الرباط رفض إقامة القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط معهم.

يضاف إلى هذا، تسريبات صحفية عن خلافات بين الجانبين، إذ تشبثت المغرب بتمكين إسرائيل من مكتب "صغير"، بينما رفضت إسرائيل العرض المغربي، وطالبت بآخر كبير في موقع مهم وسط العاصمة، أسوة بباقي السفارات والقنصليات.

الموقف المغربي ظل متشبثا بأن الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأميركا وإسرائيل يقضي بعودة العلاقات "إلى ما كانت عليه"، وبالتالي فوضعية مكتب اتصال لا تعني سفارة.

وهو ما عرقل التفاهم بين البلدين، ودفع الرئيس المؤقت للتمثيلية الإسرائيلية الدبلوماسية في الرباط ديفيد غوفرين إلى المكوث في أحد فنادق العاصمة المغربية.

هذا المسار مليء بالعراقيل، بحسب القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، حسن حمورو، الذي يقول لـ"الاستقلال": إن "هذا هو الاعتبار الذي دفع الكيان الصهيوني إلى اعتبار فتح مكتب الاتصال حدثا كبيرا، وكلف به وزير خارجيته شخصيا".

أول زيارة واتفاقيات

هذه هي أول زيارة رسمية لوزير من الكيان الإسرائيلي للرباط بعد تطبيع العلاقات مع المغرب، فيما زار مدير عام وزير خارجية إسرائيل البلاد قبل شهر لترتيب هذه الزيارة. 

خلال الزيارة، وقع وزيرا خارجية المغرب والكيان الإسرائيلي في الرباط، 11 أغسطس/آب 2021، عددا من الاتفاقات، وآلية تشاور سياسي بين البلدين، وأخرى للتعاون في مجالات الثقافة والرياضة والخدمات الجوية. 

كان لافتا خلال اللقاء الذي جرى بمقر الوزارة والمؤتمر الصحفي الذي أعقبه؛ تركيز وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة خلال مباحثاته مع لابيد على الوضع في الشرق الأوسط وآفاق السلام.

بوريطة، شدد على موقف بلاده الداعي إلى "ضرورة الخروج من الجمود الحالي واستئناف المفاوضات"، وأن "هناك حاجة ماسة للبدء في إجراءات لإعادة بناء الثقة والحفاظ على الهدوء لفتح أفق سياسي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي".

لكن، المسؤول الإسرائيلي قفز بعيدا عن القضية الفلسطينية، مفضلا الحديث عن "اتفاقات السلام الجديدة" (التطبيع).

 لابيد، زعم أن هذه الاتفاقات "تجعل أبناءنا يعيشون في عالم أفضل"، مشيدا بالتطبيع الذي فتح العلاقات بين بلاده وبلدان عربية بينها المغرب.

كما توقف عند "العلاقات التاريخية" بين المغرب واليهود، إذ نوه إلى "عمق الروابط الثقافية بين المملكة والإسرائيليين من أصول مغربية". 

عدة اتفاقيات جرى توقيعها في ختام الزيارة، شملت مجالات الثقافة والرياضة والملاحة الجوية، فيما كشف وزير الخارجية المغربي عن 10 اتفاقيات تعاون أخرى جاهزة للتوقيع، بجانب التعاون بالبحث العلمي والسياحة والزراعة والطاقة.

ثلاثة مواقف

على الجانب الآخر، وبلغة صارمة، أعلن رئيس الحكومة المغربية، وأمين عام حزب "العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، رفضه استقبال الوفد الإسرائيلي.

العثماني استبق زيارة وزير خارجية الكيان معلنا رفض لقائه، في معرض إجابته على سؤال فضائية "العربي" التي استضافته عبر برنامج "حديث خاص"، جرى بثه 7 أغسطس/آب 2021، أي قبل زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للرباط بنحو 5 أيام.

رئيس الحكومة المغربي أكد أنه لن يستقبل المسؤول الإسرائيلي، وقال: "ليس في البرنامج أن ألتقيه"، مشيرا إلى أنه عبر مرارا عن موقفه من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وندد بها.

ولفت إلى الانتهاكات الأخيرة في المسجد الأقصى، وفي القدس المحتلة، وحي الشيخ جراح بالمدينة، مؤكدا: "سنبقى داعمين للشعب الفلسطيني في هذه الربوع، في القدس وفي أكناف بيت المقدس". 

وشدد العثماني، على أن استئناف العلاقات مع إسرائيل "قرار مؤلم"، لكنه لا يلغي الموقف الثابت للمغرب من القضية الفلسطينية ومن الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون.

وسجل: "هذا قرار مؤلم وصعب، ولكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير، وأكبر، والمهم أن الملك نفسه مع الرئيس الفلسطيني عباس أبومازن، وأكد على أن المغرب لم يغير موقفه من الكفاح الفلسطيني".

لم يتوقف الأمر عند رئيس الحكومة، بل وصل وزير الشغل والإدماج المهني، القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، محمد أمكراز، الذي رفض لقاء الوفد الإسرائيلي، أيضا.

أمكراز، رفض أن يتضمن برنامج زيارة الوفد الإسرائيلي لقاءه مع وزير الرعاية والخدمات الاجتماعية مئير كوهين.

وبحسب مصادر صحفية، فإن الوزير والقيادي في العدالة والتنمية، تشبث برفض اللقاء مع المسؤول الإسرائيلي، رغم الترويج الشديد لدعاية تقول: إن كوهين من أصول مغربية.

تلك المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، تؤكد لـ"الاستقلال"، أن "الوزير اعتذر للمسؤولين المغاربة عن حضور اللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، ما دفع المغرب إلى تعديل برنامج الزيارة".

وعن تزامن رفض الوزير المغربي لقاء نظيره الإسرائيلي مع الاستحقاقات الانتخابية في المغرب، أكدت المصادر، أن الوزير أمكراز، سبق له وعبر عن رفضه علنا للتطبيع، وبالتالي موقفه لا يدخل في باب التوظيف بالانتخابات".

وفي مخالفة لبرنامج الزيارة، اعتذر رئيس لجنة الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، والقيادي بحزب "العدالة والتنمية"، يوسف غربي، عن لقاء رئيس لجنة الخارجية والدفاع الإسرائيلي رام بن باراك.

ورغم تقديم رام بن باراك، على أنه يهودي من أصول مغربية، فإن يوسف غربي، أخبر رئيسه في مجلس النواب بأنه غير معني بهذا الاجتماع مع المسؤولين الإسرائيليين.

هذا الوضع حاول تداركه رئيس مجلس النواب المغربي، لحبيب المالكي القيادي في حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وعقد 11 أغسطس/آب 2021، لقاء مع المسؤول الإسرائيلي.

دعم أم تفاهم

ونقل موقع "عربي بوست" عن قيادي بـ"العدالة والتنمية"، قوله: إن "أحد أسباب رفض اللقاء مع الوفد البرلماني الإسرائيلي هو كون اللجنة مسؤولة عن الشؤون الحربية للكيان، بما يعني المسؤولية عما يتعرض له أهلنا في فلسطين المحتلة".

قيادات حزبية تؤكد لـ"الاستقلال" أن مواقف رئيس الحكومة، ووزير الشغل، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، تعكس أن الحزب اتخذ قراره بخصوص وضع مسافة بينه وبين التطبيع".

وتابع المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "هذا قرار حزب اتخذته قيادته السياسية المتمثلة في الأمانة العامة، وهو ما جرى تنفيذه من قبل المسؤولين باسم الحزب".

"موقف وزراء العدالة والتنمية لا يمكن أن يصدر خارج إرادة الدولة، والصفة التي يجري بها استقبال الوفود الحكومية وتعبر عن مؤسسات الدولة، ولا يمكن للحزب وهو يرأس الحكومة، التصرف خارج هذه الإرادة".

كانت هذه قراءة أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عبد الرحيم العلام، ويضيف لـ"الاستقلال": "نحن أمام محاولة من الحزب للتذكير بأنه وإن وقع اتفاقية للتطبيع، فإنه مازال يريد أن يظهر في موقع المقاوم".

ويعتقد أنه "يوجه رسالة إلى جمهوره بأنه لم يتغير، ولم يعدل مواقفه تجاه فلسطين وإسرائيل، آخذا في عين الاعتبار أن خطوة التطبيع فكت عقدة لسان قيادات الحزب بشأن قضية فلسطين؛ بينما كان ينأى سابقا بنفسه عن إطلاق التصريحات".

العلام، يلفت إلى أن "الحزب لا يفوت فرصة إلا وأدان فيها إسرائيل، مقابل تأييده الواضح للفلسطينيين، بما في ذلك مشاركة العثماني في حفل انتصار حركة (حماس)، واستقباله قائدها إسماعيل هنية".

ويجزم بأن "هذه خطوات ما كان في مقدور الحزب الإقدام عليها، لو الخطوة الأخطر التي أقدم عليها، المتمثلة في توقيع اتفاقية استئناف العلاقات، لم تحدث".

الأكاديمي المغربي، يتابع: "وكأن الحزب يريد أن يحصد عائد تضحيته، والموافقة على التطبيع مقابل تحرير لسانه وإطلاق مبادراته إزاء الفلسطينيين".

ويقول: "يجب ألا ننسى أن الزيارة الأخيرة للوفد الإسرائيلي للرباط تأتي قبيل الانتخابات، والعدالة والتنمية رفض منح هدية لخصومه السياسيين، تزيد من إضعاف شعبيته".

"رغم أن كل خصومه السياسيين ضمن دائرة التطبيع، إلا أن الأكثر تضررا من ذلك هو حزب المصباح، نظرا لمواقفه السباقة نحو التطبيع عندما كان في المعارضة".   

من جهته يرى رئيس اللجنة المركزية لشبيبة "العدالة والتنمية"، حسن حمورو، أن "مسارات التطبيع إلى الزوال، ولا يعني إلباسها لبوس الرسمية أن المغاربة يقبلون بالتطبيع".

ويضيف: لـ"الاستقلال": "ومن يفهم في الدبلوماسية يستنتج أن بلادنا تدبر إكراهات معينة، وأن الواجب إسنادها بتعميق الرفض الشعبي لأي علاقة مع الكيان الصهيوني، وتوفير شروط إعادة إغلاق هذا القوس الذي فتح على مضض".

ويعتقد أن "موقف الحزب معروف، وأكدناه مرارا، وهو رفض التطبيع مع هذا الكيان الإرهابي، ونؤكد ثانية أن الاختراقات التطبيعية خطر على الأمة وعلى وحدتها".