"قلق من تخلي الجيش عنه".. ما رسائل السيسي من تهديده بتدمير مصر بالمخدرات؟
تصريح مثير للجدل قال فيه رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، إنه باستطاعته هدم مصر بإعطاء "باكتة (مخدر البانجو) و20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان".
وعلى هامش مؤتمر عقد بالعاصمة الإدارية الجديدة مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال السيسي: "أنا كنت بكلم السادة (أعضاء) مجلس القضاء الأعلى الصبح وقلت لهم تخيلوا أنا ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه، وهم استغربوا (تعجبوا) جدا".
وأضاف: "قلت لهم أدي باكتة (مخدر البانجو) و20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة، أنزله يعمل حالة"، في إشارة إلى قدرته على اختلاق الفوضى.
تهديد صريح
وتعليقا على ذلك، قال موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني إن تصريح السيسي عُد بمثابة تهديد صريح "إما أنا أو الفوضى".
وأشار الموقع إلى أن مصر مقبلة على انتخابات رئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وأوضح أن "القانون المصري يُلزم كل مرشح بجمع تزكية من 20 نائبا في البرلمان، أو جمع توكيلات من 25 ألف مواطن من 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى 1000 توكيل من كل محافظة".
وذكر الموقع أن "هناك مواطنين يقضون ساعات في طابور طويل للحصول على التوكيل، وأثناء الانتظار قد يتعرضون لمضايقات أمنية وبيروقراطية الموظفين، وربما لا يحصلون فعليا على التوكيل".
وأكد أن "هذا الموقف تكرر يوما بعد يوم، وفقا لأنصار البرلماني السابق، المرشح المحتمل للرئاسة أحمد طنطاوي".
وأضاف: "لجأ معارضو السيسي إلى وسائل التواصل الاجتماعي للشكوى من مضايقات البلطجية أمام مكاتب التصديق ومماطلة الموظفين"، مؤكدين أن "النظام يهدف إلى إعاقة أو منع جمع ما يكفي من التوكيلات لدعم ترشح طنطاوي في الانتخابات الرئاسية".
ولفت إلى أن "حالة التشاؤم العام حيال الانتخابات تفاقمت بعد اعتقال العديد من أنصار طنطاوي".
وبحسب المرشح الناصري، فقد اعتُقل 73 شخصا، بينهم أربعة محامين، في حصيلة أرقام أولية، وردا على ذلك، كثفت حملته هجومها على السيسي، إذ وصفه طنطاوي بأنه "أفشل رئيس شهدته مصر خلال 200 عام".
علاوة على ذلك، رفع طنطاوي طعنين على سلامة الإجراءات الانتخابية أمام المحكمة الإدارية العليا، وكشف عن محاولات للتجسس على هاتفه، وهو ما دفع شركة "أبل" إلى طرح تحديثات أمنية لأنظمتها.
ويرى الموقع البريطاني أنه "ربما يكون النظام المصري يتعمد تصوير طنطاوي على أنه مرشح ضعيف لا يستطيع الحصول على ما يكفي من التوكيلات، بينما تقف مؤسسات الدولة ضده".
"وهي رسالة ذات مغزى لدى فئة كبيرة من المواطنين"، لكن المؤكد، بحسب مراقبين، أن "السياسي والصحفي الشاب يريد تعزيز حضوره في الشارع واكتساب نفوذ قد يساعده على الفوز بانتخابات 2030".
وأشار الموقع إلى أن "الأحزاب المعروفة بقربها من الأجهزة الأمنية والمخابرات -بما في ذلك حزب مستقبل وطن- تعطي كراتين غذائية لمن يحررون توكيلات للسيسي".
"كما أنهم يحشدون موظفي الحكومة لنفس الغرض، وسط مشاهد للرقص والغناء تهدف إلى الإيحاء بأن هناك شيئا بهيجا يستحق الاحتفال به عندما يرشح قائد الانقلاب العسكري نفسه لولاية رئاسية ثالثة"، وفق الموقع.
ونقل "ميدل إيست مونيتور" عن مصدر حكومي تابع للنظام مصري قوله إن "جهاز الأمن الوطني بدأ جمع كبار العائلات ورجال الأعمال، بهدف حشد الناخبين للتصويت في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى إجبار أصحاب المحال التجارية على تعليق لافتات مؤيدة للسيسي".
ويتزامن ذلك مع "حملات اعتقال تعسفية في عدد من المحافظات لإخافة المعارضين"، وفق منظمات حقوقية.
وبحسب خبير سياسي تحدث للموقع، طلب عدم ذكر اسمه، فإن "النظام يحاول خلق أجواء احتفالية للانتخابات، في حين أن الحقيقة هي أنه لا يريد أن ينخرط الناس في السياسة بشكل إيجابي من خلال الإدلاء بأصواتهم، كما حدث بعد ثورة يناير 2011".
وأضاف أنه "بدلا من ذلك، يريد النظام تعزيز (حزب الكنبة)، وهو تعبير سياسي يصف الكتلة الصامتة المكونة بشكل رئيس من الفقراء الذين يتجنبون الانخراط في السياسة ولا يصوتون في الانتخابات".
ارتباك المعارضة
وذكر الموقع البريطاني أن "اللافت في المشهد الانتخابي ارتباك المعارضة، حيث أعلن 3 مرشحين متقاربين أيديولوجيا ترشحهم للرئاسة، ما يعني تفتت الأصوات".
"وهذا يخدم مصالح السيسي، الذي يأمل في الحصول على الأقل على مظهر خارجي لسباق رئاسي يلبي التوقعات "الديمقراطية" للرأي العام الدولي"، وفق "ميدل إيست مونيتور".
وتابع أنه "إلى جانب طنطاوي، أعلنت رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، ترشحهما".
"ويدور حديث حول توصلهما إلى اتفاق مع هيئة سيادية للترشح، مقابل منح أحزابها عددا أكبر من المقاعد في البرلمان"، حسب الموقع البريطاني.
وحصل رئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر، على تأييد 44 عضوا بمجلس النواب، فيما حصل رئيس حزب الوفد، عبد السند يمامة، على تأييد 20 عضوا.
وهذا يعني -حسب الموقع- أنه قد يكون هناك خمسة مرشحين منافسين للسيسي، الذي فاز في انتخابات 2014 و2018 بحوالي 97 بالمئة من الأصوات.
لكن أوضح أن عمر هو عضو في مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، وقد عينه السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، إذ يملك الرئيس صلاحية تعيين 100 عضو في مجلس الشيوخ.
ويمامة أيضا من مؤيدي السيسي، وقد أعرب عن دعمه وامتنانه له على شاشة التلفاز، قائلا: "أنا مع السيسي، والمناخ الذي نعيش فيه الآن بفضل السيسي وكلنا معه".
ونوه "ميدل إيست مونيتور" إلى أن ثلاثة مرشحين سابقين لمنصب رئيس الجمهورية يقبعون حاليا خلف القضبان، وهم رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، والداعية المعروف حازم أبو إسماعيل، وضابط الجيش السابق، أحمد قنصوة.
وأكد "ميدل إيست مونيتور" أنهم في الأساس سجناء سياسيون، هذا فضلا عن وضع كل من رئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان، ورئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق، تحت الإقامة الجبرية بعد أن أعلنا عزمهما منافسة السيسي في انتخابات 2018.
وانتقد أحد الباحثين السياسيين -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- "ضعف المعارضة لعدم دعمها لمرشح موحَّد، فضلا عن غياب الإسلاميين عن المشهد".
لكنه "حذر من اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات، قائلا إن خيار المقاطعة ليس جيدا، وبدلا من ذلك، يجب على الأحزاب المشاركة والمنافسة بشكل أو بآخر، واقتراح مشروع سياسي مختلف".
وأضاف الموقع: "رغم الإحباط الذي يشعر به الشارع في مصر بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، إلا أن فئة كبيرة من الناس يأملون في ظهور مرشح قوي في اللحظة الأخيرة يكون بديلا مقبولا لدى المؤسسة العسكرية".
تدخل الجيش
ودعا المتحدث باسم حزب "المصريين الأحرار" الليبرالي، عماد جاد، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الفريق محمود حجازي، إلى خوض السباق الرئاسي "لإنقاذ البلاد من نفق مظلم داخليا وخارجيا (..) ومصير قاتم يهدد أمن واستقرار البلاد وشعبها".
كما أطلق رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، نداء آخر للمؤسسة العسكرية، طالبها فيه بـ"التدخل للحفاظ على الديمقراطية وتعزيز وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة لم تُهندَس مسبقا".
ووفقا للكاتب المعارض في المنفى، جمال سلطان، فإن "الرسائل التي يرسلها السياسيون إلى الجيش للتدخل، أو ترشيح قيادة عسكرية جديدة لتولي السلطة، ليست جهودا فردية عفوية".
وأوضح أن ذلك "مؤشر على وجود قلق داخل المؤسسة العسكرية من خروج الوضع عن السيطرة إذا ظل السيسي في السلطة".
وقال الموقع البريطاني: "ربما فهم السيسي نفسه هذه الإشارات، ولذلك أعرب عن قلقه بشأن تخلي الجيش عنه، وهدد بإثارة اضطرابات تستمر لأسابيع، مع منح 100 ألف شخص يعيشون في ظروف صعبة المال والمخدرات".
وعد ذلك بمثابة تهديد صريح من السيسي بأنه "إما أنا وإما الفوضى"، حسب وصف "ميدل إيست مونيتور".
وبعد ساعات قليلة من تصريحه المثير للجدل، اندلع حريق بمحافظة الإسماعيلية في المبنى الذي يضم مقر جهاز الأمن الوطني، وهناك تساؤلات جدية حول سبب الحريق وتوقيته.
ويعتقد الباحث السياسي، عماد الشرقاوي، أن "المؤسسة العسكرية تبدو متماسكة وغير منقسمة، خاصة أنها هي الحاكمة فعليا، وبالتالي فهي ليست مؤسسة محايدة".
وأردف الشرقاوي أنه "نظرا لتنامي نفوذها وأرباحها وإمبراطوريتها الاقتصادية، فمن الصعب ضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية".