رغم التهميش.. لماذا أعلن حزب النور السلفي دعمه السيسي  للمرة الـ3 على التوالي؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الثالثة على التوالي، استيقظ "حزب النور" السلفي المصري، من سباته السياسي، معلنا دعمه لترشح رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، لفترة رئاسية ثالثة، وحث جميع المصريين، على المشاركة في الانتخابات.

الحزب قال في بيان في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إنه يؤيد عن "قناعة راسخة" ترشح السيسي لولاية رئاسية جديدة، ويحث الشعب على المشاركة ويحذره من السلبية واليأس والإحباط!

وبرر الحزب اختياره للسيسي للمرة الثالثة في بيانه بـ"وجود قناعة راسخة لدى كوادر الحزب بضرورة وجود قيادة قادرة على إدارة مؤسسات الدولة المختلفة وتقويتها، بما يتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التي تواجه مصر والمنطقة بأسرها".

وقدم ما قال إنه "8 أولويات" إلى السيسي للعمل عليها في المرحلة القادمة ضمت أفكارا عامة حول ما يخص الشريعة، والحقوق السياسية والتعليم، والاقتصاد، بحسب صحيفة "الفتح" التابعة للحزب.

وهذه ثالث مرة يؤيد فيها حزب النور، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، حيث دعم ترشيحه عامي 2014، و2014.

"سلم" لصعود السيسي

وجاء تأييد النور للسيسي للمرة الثالثة والنزول لدعمه عبر توكيلات الشهر العقاري وأيضا توكيلات البرلمان لعام 2023، رغم أن نظام السيسي وجه عدة ضربات للسلفيين، وضيق على مشايخهم ومنعهم من الخطابة، بعد دعمهم مرتين له.

حيث سقط الحزب سقوطا مروعا في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) في 16 سبتمبر/ أيلول 2020، وخرج "صفر اليدين" بدون أي مقعد، في دلالة قوية على رفع السيسي يده عن الحزب، ونبذ المصريين له.

وكانت آخر ضربة هي إغلاق فضائية "الرحمة"، لصاحبها الشيخ محمد حسان أهم رموز ذلك التيار وأكثرهم تأثيرا، عام 2021 والتي كانت أهم منبر إعلامي تابع لسلفيي السلطة.

وقبل الانقلاب كان "النور" يعيش أزهى أيامه في ظل الحرية عقب ثورة يناير 2011، وحصد 108 مقاعد بمجلس الشعب (498 مقعدا)، متفوقا على أحزاب عريقة مثل الوفد والتجمع، وجاء ثانيا بعد حزب الحرية والعدالة، الذي تصدر تلك الانتخابات.

لم يكتف الحزب بإعلان تأييده رسميا للسيسي، ولكن بدأ في حشد نواب في مجلس النواب (7 نواب) وأعضاء الحزب للذهاب إلى مكاتب الشهر العقاري لعمل توكيلات للسيسي.

وكان لافتا "حصار" أعضاء النور لمقار الشهر العقاري لعمل التوكيلات وهم يرفعون صور السيسي ويوجههم قادة الحزب، ما عده نشطاء على مواقع التواصل "أمرا مخزيا".

وقارنوا بين ما يفعله "سلفيو النور" من دعم حاكم ظالم وبين نزول سلفيين وأنصار السياسي المعتقل حازم صلاح أبوإسماعيل لحصار المحكمة الدستورية لمنعها من دعمها خطط الانقلاب عقب ثورة يناير، ووأد الحريات.

وضجت مواقع التواصل بالسخرية من الحزب والحديث عن أنه يقدم نفسه مع بقية أحزاب السلطة "سلم" لصعود السيسي للسلطة مجددا، منتقدين صمته على الفساد والاعتقالات.

وسخر الإعلامي حافظ المرازي من دورهم في الحشد لدعم السيسي قائلا: "السلفيون أنت رئيسهم!"، وقال إنهم "يحاصرون الشهر العقاري بالإسكندرية من أجل توكيلات السيسي وحده!".

كما سخر من مسلكهم الداعم للسلطة الدكتور محمد البرادعي، قائلا وهو يرفق صورة لهم خلال عمل توكيلات للسيسي: "حزب النور والثبات على المبدأ"!

لماذا يدعمون السيسي؟

أكاديمي وسياسي مصري قال لـ "الاستقلال" إن موقف حزب النور ليس غريبا، لأنه يرتبط بتصور عقائدي فاسد يؤمن بها قادتهم، مثلهم مثل مجموعات أخرى من التيار "المدخلي" السلفي في دول عربية مثل ليبيا تدعم الانقلابي خليفة حفتر والحكام المستبدين.

أوضح أن أهداف قادة سلفيي حزب النور واضحة، وهي اتقاء شر السلطة واعتقال أنصارهم، والحصول بالمقابل على منافع من وراء دعم السيسي، مستندين لقاعدة تقول إنه "لا يجوز الخروج عن الحاكم ولو كان فاسدا".

وأشار لوجود تنسيق بينهم وبين أجهزة الأمن (الأمن الوطني) على تبادل المنافع ودعم السلطة والسيسي مقابل مزايا لخطبائهم في المساجد أو جمعياتهم الخيرية أو عدم اعتقال شبابهم والتضييق على أموالهم كما جرى مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

ويتفق مع هذا الطرح، المحلل السياسي المصري "عادل رمضان"، الذي قال إن هذا التوجه لحزب النور تجاه دعم السيسي والسلطة، مرتبط سياسيا وبالدرجة الأولى بقضية وجودية للحزب، وأيضا بهدف تجنب مصير مشابه لمصير حزب الإخوان المسلمين.

وأضاف لموقع التلفزيون الألماني (dw) أن السيسي ألقى بالآلاف من الإخوان في السجن، وحزب النور يخشى نفس المصير.

وتابع: عدم تعرض الجهات الأمنية لأعضاء حزب النور حتى الآن -خلافاً للإخوان المسلمين – يعود إلى أن قيادات حزب النور التزمت الصمت تجاه الانتهاكات في حق أنصار الرئيس السابق محمد مرسي".

ولا يظهر حزب النور منذ انقلاب 2013 سوى في أوقات الانتخابات ويجرى إخراجه من ثلاجة السلطة ليقف أنصاره في الشوارع يرفعون لافتات دعم السيسي.

وتشير روايات مختلفة لإبرامهم ما يشبه اتفاقات أو عقودا مع أجهزة الأمن والسلطة، واعتناقهم أفكار رفض الخروج عن الحاكم الظالم من أجل مصالح قادة وأعضاء الحزب.

وعقب انقلاب 2013، أوضح تقرير لمركز "كارنيغي" في 9 مايو/ أيار 2014 أن حزب النور السلفي "يواجه مستقبلاً ملتبساً"، وأنه "يحاول تجاوز ردود الفعل العنيفة ضد الإسلاميين" عبر نفاق السلطة.

وأكد أن "حزب النور" و"الدعوة السلفية"، سعيا إلى إيجاد مبرر ديني لبعض القرارات التي تتعارض مع بعض الرؤى السياسية التي تبنتها قبل الانقلاب، بما يبعدها عن الاشتباك عن مرحلة ما بعد الانقلاب.

 وأوضح أن قيادة حزب النور بررت دعمها للجيش أمام أعضائها على أنه سعي "للحفاظ على الهوية الإسلامية والشريعة" من خلال إبقاء الإسلاميين ممثلين في الحكومة.

كما حاجج أنه لو اتخذت مواقف مختلفة عن التي اتخذتها، لكان مصير القيادة والأعضاء كمصير الإخوان إما خلف القضبان أو فارين من وجه العدالة، بحسب "كارنيغي".

ودفع موقف "النور" إلى انطباع شائع بأن للدعوة السلفية خطابين: الأول ذو صبغة سياسية مدنية، والآخر ذو صبغة دينية إسلامية عملاً بقاعدة "المصالح والمفاسد"، ما يعني أنه ليس لحزب النور خطاب واضح متماسك، وفق "كارنيغي".

وأنه "ينتقل بين صيغ مختلفة لتبرير مواقف متناقضة، فمرة يأخذ الشكل المدني في خطابه ومرة يأخذ الشكل الديني في خطابه".

وذكر التقرير أن "النور" سعى إلى أن يحل محل الإخوان المسلمين بصفته القوة الإسلامية الأبرز" لكنه فشل رغم مشاركته في التحالف الذي قاده الجيش للانقلاب مع العلمانيين.

وأكد الكاتب علاء بيومي أن الرسائل التي أفرج عنها من بريد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون كشفت عن معاناة الرئيس مرسي من مزايدات حزب النور وضغوطهم عليه وخطابهم المبالغ فيه وتأليبهم بعض أنصارهم وأنصار التيار الديني ضده بدل دعمه. 

كما تكشف أيضا أن حزب النور سعى لإفشال مرسي، وتزعم رسائل كلينتون أن الرئيس الراحل كلف المخابرات الحربية بمراقبة بعض قادة حزب النور والسلفيين بعد أن حذرته منهم، وذلك في تعليق له عن دعم النور للسيسي مجددا عبر موقع إكس.

ووفقاً لبريد كلينتون، عبَّر الرئيس مرسي لمصدر دبلوماسي غربي رفيع، في سبتمبر 2012، عن غضبه وقلقه من نشر بعض السلفيين لأفكار متشددة ومعادية للغرب ولهجومهم على السفارات الغربية، ومن ثم السعي لإحراجه وزعزعة الاستقرار.

وعبر تحديدا من غضبه من أنشطة حزب النور، لأنه من المفترض أن يكونوا شركاءه في الحكم، ولكنهم كانوا يزايدون ويثيرون غضب المواطنين.

وتقول إحدى الرسائل: إن الرئيس محمد مرسي كان يحاول تهدئة الأمر معهم على أن يجد حلاً سياسياً في المستقبل.

ووصف موقع "معهد واشنطن" التابع لمنظمة "إيباك" الصهيونية في تحليل بتاريخ 13 مارس/ آذار 2015 حزب النور بأنه "شريك سلفي في مكافحة الإرهاب" في إشارة للتيارات الإسلامية السياسية.

وأوضح أن "النور" وضع نفسه في خانة الشريك في المعركة التي يشنها نظام السيسي ضد التهديدات المحلية والإقليمية الناشئة عن التنظيمات الإرهابية".

انقسام السلفيين

وأدى دعم الدعوة السلفية للجيش وانقلاب السيسي على الرئيس السابق مرسي إلى زيادة حدة الانقسامات الداخلية.

كان أولها: أزمة الدكتور عماد عبد الغفور رئيس الحزب السابق، والشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، والتي انتهت باستقالة الدكتور عماد وكثيرين من الحزب وإعلان تأسيس حزب الوطن السلفي في مطلع يناير/كانون الثاني 2013. 

والانقسام الثاني بدأ مع دعم الحزب لانقلاب الجيش وتصاعَد مع تزايد القمع ضد الإخوان، ما أدى إلى تعميق الشرخ في أوساط من تبقى في حزب النور.

حيث توقف عدد من أوائل المؤسسين للدعوة السلفية عن حضور اجتماعاتها، مثل الدكتور سعيد عبد العظيم الذي أعلن قبل 30 حزيران/يونيو 2013 انحيازه إلى "شرعية الرئيس محمد مرسي"، ولم يتخل عن موقفه بعد انقلاب 3 يوليو، وظهر على منصة رابعة العدوية أكثر من مرة. 

أيضا لم يحضر الدكتور محمد إسماعيل المقدم أي اجتماع للدعوة السلفية بعد 3 يوليو 2013 وأحجم عن الظهور العام والحديث في السياسة.

وكان موقف الدكتور أحمد فريد، إحدى الشخصيات السلفية البارزة، كاشفاً لمدى الانقسام في صفوف القيادة السلفية، حيث دعا في إحدى خطبه في مسجد بمنطقة العامرية في الإسكندرية في 28 فبراير/شباط 2014 إلى "العودة إلى أصلنا، إلى الدعوة ونسيان السياسة".

وانتهى الانقسام بمجموعة حزب النور الحالية التي توجت موقفها بدعم مجلس شورى الدعوة السلفية وحزب النور لاختيار السيسي وزير الدفاع السابق رئيسا للجمهورية عام 2014 والتصويت له ودعوة المواطنين للتصويت له.

وهو ما تكرر في تمثيلية انتخابات 2018 وتجدد في انتخابات 2023 الراهنة.