فضيحة بوب مينينديز.. كيف يمكن أن تتحول إلى فرصة للعلاقات التركية الأميركية؟
تدور تساؤلات كثيرة حول مدى تأثير قضية الرشوة المرفوعة ضد السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز على العلاقات التركية الأميركية ودورها في حل مشكلات عالقة بين البلدين مثل بيع طائرات إف 16 لأنقرة.
ووجّهت وزارة العدل الأميركية في 22 سبتمبر/أيلول 2023، لائحة اتهامات إلى السيناتور عن ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز وزوجته بـ"الفساد والرشوة مقابل خدمات غير مشروعة للسلطات المصرية و3 رجال أعمال آخرين في القضية".
وإضافة إلى مندينيز الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وجّه الادعاء الأميركي اتهامات إلى 3 رجال أعمال أحدهم المصري الأميركي وائل حنا، وخوسيه أوريبي وفريد ديبيس.
ووفق لائحة الاتهام، "عُثر على أموال نقدية بمئات آلاف الدولارات وسبائك ذهبية في منزل مينينديز، وأشارت إلى أن الرشاوى شملت الذهب والنقود وأقساط الرهن العقاري، وسيارة فاخرة".
واتهم الادعاء العام مينينديز وزوجته نادين بـ"تلقّي رشاوى من رجال الأعمال الثلاثة مقابل خدمات غير مستحقة لهم، ومساعدة السلطات المصرية عبر تقديم مسؤولين مصريين عسكريين واستخباريين ودبلوماسيين للسيناتور، ونقل معلومات عن مساعدات واشنطن للقاهرة، وعن موظفي سفارتها بالبلد العربي".
قضية الرشوة
وقال مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا": "لطالما برزت التوازنات السياسية في الكونغرس الأميركي وأنشطة جماعات الضغط كأحد العوامل الرئيسة التي تؤثر سلبا على العلاقات التركية الأميركية".
وأوضح المركز التركي في مقال للكاتب قدير أوستون: "منذ سبعينيات القرن العشرين، وقع الكونغرس قرارات ضد تركيا من خلال الحد من اختصاص السياسة الخارجية الواسع للبيت الأبيض في قضايا مثل قبرص وأرمينيا، وفي السنوات الأخيرة أظهر أيضا نفوذه في مجالات مثل سوريا والتعاون الدفاعي".
وبين أن قانون "مكافحة أعداء الولايات المتحدة" الذي وضعه الكونغرس بهدف معاقبة روسيا، لم يجر استخدامه إلا لمرة واحدة كانت ضد تركيا فقط.
وأضاف الكاتب التركي أن الكونغرس، الذي كان قد أزال تركيا من برنامج إف-35، جعل الشرط على بيع إف-16 هو عضوية فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وعلى الرغم من أن شراء طائرات إف-16 للحفاظ على قدرة تركيا العسكرية قوية كدولة عضو في الناتو يُعد خطوة ستزيد من قوة هذا التحالف، فإن سياسات الكونغرس قيدت البيع بشرط توسيع الحلف وضم السويد.
وعلى الرغم من إعلان البيت الأبيض دعمه لبيع طائرات إف-16، فإن موقف إدارة الرئيس جو بايدن بعدم الرغبة في مواجهة الكونغرس لم يطمئن تركيا.
وأشار الكاتب إلى أنه حتى لو وافقت تركيا على عضوية كل من فنلندا والسويد، بدا من المؤكد أن بيع إف-16 سيحظر من قبل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور بوب مينينديز.
وعلق أوستون "إن القضية الجنائية المرفوعة ضد مينينديز والتي تنطوي على مزاعم رشوة مروعة لديها القدرة على التأثير على مسار العلاقات التركية الأميركية".
"إذ يمكن إحراز تقدم في قضية إف-16 إذا تنحى مينينديز مؤقتا عن المنصب وأعطى البرلمان الأميركي السويد الضوء الأخضر".
وأشار الكاتب إلى أنه في مثل هذا السيناريو يمكن التغلب بشكل كبير على الضغط طويل الأمد وانعدام الثقة المتبادل في العلاقات الدفاعية التركية الأميركية.
من غير المعروف إذا ما كان مينينديز سيستقيل من منصبه كعضو في مجلس الشيوخ ويعاد انتخابه، لكن من المؤكد أن تأثيره على لجنة العلاقات الخارجية سيتضاءل.
وقال مينينديز إنه غير مذنب في التهم المنسوبة إليه وذلك خلال مثوله لأول مرة أمام المحكمة الفيدرالية في مانهاتن بعد أيام من كشف المدعين عن لائحة الاتهامات.
وأجبر السيناتور الديمقراطي على التنحي عن منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية القوية بمجلس الشيوخ بعد توجيه الاتهام إليه، وقد دفع محام مينينديز ببراءة موكله.
وكان مينينديز صرح بأن مزاعم إساءته استخدام سلطته لا أساس لها من الصحة، مضيفا أنه واثق من أنه ستتم تبرئته وأنه لا يعتزم الاستقالة من مجلس الشيوخ.
هذه هي ثاني قضية فساد ضد مينينديز خلال عشر سنوات، وانتهت محاكمته الأولى بفشل المحلفين في التوصل إلى حكم عام 2017.
رد فعل الديمقراطيين
واستدرك الكاتب التركي: مباشرة بعد أنباء الدعوى القضائية المرفوعة ضد مينينديز من قبل محكمة المقاطعة الجنوبية في نيويورك، دعا حاكم نيوجيرسي الديمقراطي فيليب مورفي المقرب منه إلى إقالته.
وجاءت دعوات مماثلة من سياسيين ديمقراطيين آخرين في الولاية، لكن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الممثلين لولايات أخرى صرحوا تصريحات حذرة بشأن المسألة.
ويبدو أن ترتيب مينينديز بين كبار أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين ورئاسته للجنة العلاقات الخارجية، وهي واحدة من أكثر اللجان نفوذا، قد أدت إلى تباطؤ رد الفعل القاسي من الحزب الديمقراطي.
ومع ذلك، كان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا جون فيترمان هو أول شخص في هذه المؤسسة يدعو مينينديز إلى الاستقالة.
وانضم زميله السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، كوري بوكر، لاحقا إلى دعوات تطالب باستقالة مينينديز، قائلا إن لائحة الاتهام تضم "مزاعم صادمة بالفساد وتفاصيل محددة ومثيرة للقلق حول ارتكاب مخالفات".
وأضاف أن نحو نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يرون أن على بوب مينينديز التنحي.
ويشير رفض زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر الدعوة إلى استقالته، قائلا إن مينينديز "بريء حتى يتم إثباته" إلى حساسية الوضع.
وقد أظهر النائب الديمقراطي عن نيوجيرسي آندي كيم، الذي أعلن ترشحه ضد مينينديز من داخل الحزب الديمقراطي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، رغبته في اغتنام الفرصة السياسية التي خلقتها الفضيحة.
وعلى الرغم من كل ما ذُكر فقد رفض مينينديز هذه المزاعم ووصفها بأنها عملية سياسية وقال إنه سيستمر في منصبه على الرغم من الدعوات لاستقالته.
وتمكن مينينديز، الذي تمت تبرئته عام 2017 بعد فشل هيئة محلفين في إصدار حكم بالإجماع في قضية الفساد ضده في عام 2015، من الفوز في انتخابات 2018.
وهكذا يمكننا القول إن مينينديز الذي يحظى بالدعم الكامل من السياسيين الديمقراطيين سيكون لديه مهمة أكثر صعوبة هذه المرة.
تمهيد الطريق
وذكر الكاتب التركي أن أكبر عقبة سياسية في عملية شراء تركيا لطائرات إف-16 كانت معارضة مينينديز الذي يمكنه حجب مبيعات الأسلحة.
فمينينديز كان يعمل بشكل وثيق مع لوبيين أرميني ويوناني وكان معروفا بتصريحاته القاسية ضد تركيا.
وحاول مينينديز ربط طلب تركيا لشراء طائرات إف-16 ببعض الشروط وقال إنه لن يوافق ما لم تتخل أنقرة عن موقفها "العدواني" تجاه اليونان.
وحتى بعد قبول انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، استمر مينينديز في التمسك بتصريحاته القاسية وكان لديه القدرة على حجب البيع.
ولهذا كان على بايدن أن يدخل في مفاوضات جادة مع مينينديز وأن يكون على استعداد لدفع تكاليف سياسية نيابة عن تركيا، وفق الكاتب.
وعلق أوستون: إذا لم يتمكن بايدن من إقناع مينينديز، فإن لديه أيضا خيارا آخر مثل تجاوز الكونغرس، ولكن تكلفة ذلك ستكون عالية جدًا.
غير أن بايدن قرر عدم الخوض في هذا الطريق لاعتقاده أنه يمكنه إقناع مينينديز إذا جرى قبول انضمام السويد إلى حلف الناتو.
وكان مينينديز، الذي واصل هذا الخطاب القاسي حتى بعد قبول عضوية فنلندا في الناتو، يمتلك القدرة على منع البيع.
فكانت معارضة مينينديز لتركيا شديدة لدرجة أنه لا يرى أن موافقتها على عضوية السويد كافية لموافقة أعضاء مجلس الشيوخ على بيع إف-16.
لذلك حتى لو وافقت تركيا على عضوية السويد، قد يعرقلها مينينديز، ولم يكن من الواضح مقدار رأس المال السياسي الذي كان بايدن مستعدا لإنفاقه في تلك المرحلة.
ومن المرجح أن يمنع مينينديز، الذي ترك منصبه "مؤقتا" كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بعد قضية الرشوة، بيع إف-16 بسبب استمرار عضويته في اللجنة.
لكن وعلى الرغم من هذا فإن مهمة بايدن ستكون أسهل مع تغيير رئيس اللجنة، بحسب تقدير الكاتب التركي.
ويمكن القول إن هناك فرصة للتعاون الدفاعي التركي الأميركي للعودة إلى المسار الصحيح، ولكن على أي حال، سيتعين على البيت الأبيض بذل جهد لإقناع مجلس الشيوخ.