بعد فشل فرنسا.. لماذا تعلق الآمال على قطر في ملء الفراغ الرئاسي اللبناني؟

12

طباعة

مشاركة

عاد الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان إلى بلده بخفي حنين عقب فشله في إحداث الخرق المطلوب في الانسداد السياسي الحاصل في لبنان. 

إزاء ذلك انصب الاهتمام على المحادثات التي يجريها الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني في بيروت، وسط تعويل عدد من القيادات السياسية على الدوحة في إحداث الخرق المطلوب. 

ولا سيما بعد اجتماع اللجنة الخماسية (أميركا – فرنسا – السعودية – قطر – مصر) وما تسرب عن منحها تفويضا لقطر.

خياران فاشلان

وكان لو دريان قد حط رحاله في بيروت في 12 سبتمبر/ أيلول 2023 في زيارة استمرت لعدة أيام جال فيها على القيادات السياسية. 

لكنه لم ينجح في إقناع قيادات المعارضة بالموافقة على طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري. 

وهو شريك حزب الله في نفس الوقت فيما يعرف بـ"الثنائي الشيعي" من أجل التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية عقب سنة من الشغور. 

ذلك على الرغم من تقديم فرنسا ضمانة بعدم انسحاب نواب حزب الله وحلفائه من البرلمان لتعطيل جلساته مثلما جرت العادة. 

ودعا لودريان في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" "المسؤولين اللبنانيين لإيجاد خيار ثالث لأزمة انتخابات الرئاسة طالما أنه لا يملك أي فريق الأكثرية البرلمانية اللازمة لإيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة".

 عنى بذلك مرشح حزب الله وحلفاءه الوزير الأسبق سليمان فرنجية. 

مقابل مرشح قوى المعارضة ومعها حليف سابق لحزب الله هو التيار الوطني الحر (يميني مسيحي) للوزير الأسبق جهاد أزعور المقرب من الدول الغربية. 

وأضاف لو دريان "المؤشرات الحيوية للدولة اللبنانية تشي بأنها في دائرة الخطر الشديد". ومضى يقول "ليس بإمكان أي منهما الفوز، ولا يمكن لأي من الخيارين أن ينجح". 

وأشار موقع "فرنسا 24" أن لودريان يعتزم العودة مجددا إلى بيروت خلال الأسابيع المقبلة لإطلاق مسار الحوار الذي من المفترض أن يدوم أسبوع تقريبا. 

على أن يقدم في اليوم الأول ردود مختلف اللاعبين السياسيين حول "أولويات الرئاسة التي يمكن الاتفاق عليها للسنوات الست المقبلة (ولاية رئيس الجمهورية)" حسب الموقع نفسه. 

ونبه لودريان في المقابلة نفسها إلى أن اللجنة الخماسية بدأت تفقد صبرها وتهدد بوقف الدعم المالي الذي تقدمه إلى لبنان. 

وقال "الدول الخمس موحدة تماما، ومنزعجة للغاية، وتتساءل عن جدوى استمرار تمويلها للبنان، في وقت يتمادى المسؤولون السياسيون في عدم تحمل المسؤولية". 

وكان ممثلو الدول الخمس، أميركا وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، قد اجتمعوا في 19 سبتمبر/ أيلول 2023 على هامش أعمال الدورة الـ78 للأمم المتحدة. 

ولم يصدر بيان ختامي عن الاجتماع، إلا أنه انتشر الكثير من التسريبات في الصحف المحلية حول المداولات التي جرت. 

وإن كان البعض منها متناقضا، إلا أن أغلبها أشار إلى وجود نوع من التفويض من أعضاء اللجنة لقطر، ولا سيما بعدما ظهرت فرنسا وكأنها طرف في الانقسام السياسي الحاصل. 

وكانت فرنسا تضغط على القوى السياسية المعارضة للموافقة على انتخاب سليمان فرنجية رغم أنه مرشح حزب الله، مع منح المعارضة المقربة من أميركا والسعودية منصب رئاسة الحكومة. 

بيد أن القوى السياسية المعارضة، وبخاصة الأحزاب اليمينية المسيحية عارضت هذه الصفقة ورفضت الرضوخ للإملاءات الفرنسية. 

ورأت أن الأخيرة تضع يدها في يد حزب الله من أجل مصالحها في لبنان. وانضم إليها عدد من النواب المستقلين والتغييريين. 

وهددت فرنسا بفرض عقوبات على عدد من المسؤولين اللبنانيين. ولا يزال هذا الأمر مطروحا كسلاح يمكنه إحداث كوة في جدار الانسداد السياسي.

المعادلة القطرية

وما كاد الموفد الفرنسي لودريان يغادر العاصمة بيروت حتى وصل إليها الموفد القطري الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني "أبو فهد" في 20 سبتمبر/ أيلول 2023. 

ونقلت قناة "الجديد" التلفزيونية عن مصادر سياسية أن "أبو فهد سيقوم بجولة على عدد من القوى السياسية بعدما أوكلت اللجنة الخماسية لقطر مهمة إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية". 

كذلك أشار موقع "عربي 21" في تقرير له في 23 سبتمبر/ أيلول 2023 إلى أن "رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني اجتمع برئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في نيويورك. 

كما اجتمع وزير الدولة القطرية للشؤون الخارجية محمد الخليفي بوزير الخارجية اللبنانية عبد الله بو حبيب في نيويورك على هامش أعمال الدورة الـ78 للأمم المتحدة. 

وكلا الاجتماعان كان لنفس الغاية وهي إيجاد مخرج للشغور الرئاسي. 

وأشارت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية إلى أن "المسعى القطري قائم منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون بستة أشهر، عندما بدأت الدوحة بموافقة غربية وخليجية عملية جس نبض توجهات الفرقاء اللبنانيين". 

ولفتت في مقال لها في 25 سبتمبر/ أيلول 2023 إلى "اختلاف المقاربة القطرية عن المبادرة الفرنسية التي كانت أقرب إلى المقايضة". 

وبينت أن المقاربة القطرية تنطلق من "عدم حصر النقاش بشخص رئيس الجمهورية، إنما بما هو مطلوب من العهد الجديد". 

وأضافت بأن المسعى القطري "يبحث في سلة تفاهمات على قاعدة رابح – رابح. 

وتشمل هذه السلة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتوزيع الوزارات والمواقع الأساسية، مع أولوية البرنامج الإصلاحي الملزم إقراره وتنفيذه ضمن سقف زمني محدد". 

واستندت صحيفة "نداء الوطن" على مصادر سياسية لم تسمها والتي أشارت إلى أن "الميزة التفاضلية للمسعى القطري أنه يختزن تجربة سابقة منذ العام 2008 يوم أنجز اتفاق الدوحة بدعم أميركي وسعودي وإيراني. وبالتالي يفهم تركيبة وغايات القيادات اللبنانية". 

وتضيف "والأهم أن قطر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي قد تمول الحل في لبنان من خلال دعم مالي واقتصادي. 

بينما ستنتظر الدول الأخرى توجهات الحكم حتى تبادر إلى المساعدة وذلك بسبب عدم الثقة بالطبقة السياسية التي بددت كل الدعم والمساعدات". 

وتبين نقلا عن المصادر نفسها أن "المسعى القطري لن يكون مفتوحا بلا سقف زمني". 

وتكشف أن "نهاية العام الحالي سيكون السقف لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، تحت طائلة تنفيذ بنود بيان الدوحة الذي صدر عن اللجنة الخماسية، وفي أحد بنوده اتخاذ إجراءات عقابية بحق المعرقلين". 

بين ثنائيين

في المقابل، نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله عن مطلعين لم تسمهم أن "قطر تريد إدارة حوار خاص مع حزب الله". 

وأضافت في مقال لها في 25 سبتمبر/ أيلول 2023 أن "الدوحة أبلغت من يهمهم الأمر بأن لا إمكانية لأي اتفاق من دون تحضير الأرضية مع حزب الله الذي من شأنه تسهيل المهمة". 

وخلال لقاءاته تحدث الموفد القطري عن "خيارات جديدة ليس بينها سليمان فرنجية بسبب موقف الكتل المسيحية الرافضة له". 

وأكد أن "لا أحد متمسكا بقائد الجيش إذا كان اسما مستفزا لأحد". 

وكشفت الصحيفة نفسها عن مفاجأة متمثلة بما أشارت إليه من "دعم قطري لترشيح مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري". 

وقالت إن "قطر تحرص منذ فترة على إدراج اسم البيسري كواحد من الأسماء التي ارتفعت أسهمها". 

لكنها أكدت أنه حتى "لو سارت كل الكتل الأخرى بمرشح ثالث، يبقى التفاهم مع حزب الله هو الأساس". 

وفي ذلك إشارة واضحة من الصحيفة المقربة من حزب الله إلى أن الطريق إلى أي تفاهم يمر عبر الأخير.

في حين نقلت الصحفية جوزفين ديب في مقال لها بموقع "أساس ميديا" في 25 سبتمبر/ أيلول 2023 أن "لقاء موفد الدوحة والمعاون السياسي لأمين عام حزب الله كان بالغ الإيجابية. 

وأضافت "ثمن الخليل الدور القطري السابق عام 2008، وأي محاولة قطرية مستجدة قد تقرب من وجهات النظر بين القوى اللبنانية". 

كذلك فقد زار الموفد القطري رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وأيضا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. 

وهما حزبان يمينيان مسيحيان الأكثر حضورا وتأثيرا، حيث يمتلك الأول الكتلة البرلمانية الأكبر، والثاني الكتلة البرلمانية الثانية.

يقول الكاتب السياسي رائد الخطيب إن "الموفد القطري خرج من عند الأخيرين بخلاصة عن رأيهما بلائحة أسماء حملها". 

وضمت: قائد الجيش العماد جوزاف عون، مدير عام الأمن العام اللواء إلياس البيسري. 

وكذلك النائب الحالي نعمة أفرام، وهو ثري ولديه شراكات وعلاقات عابرة للحدود من دون مواقف سياسية حادة. 

وقد أتت مواقفهما متباينة من الأسماء الثلاثة. فيما أضافت تسريبات صحفية أخرى اسما رابعا وهو وزير الداخلية الأسبق زياد بارود. 

ويضيف الخطيب لـ"الاستقلال"، أن الموفد القطري يرى أن المشكلة "تكمن في الثنائيين الشيعي والمسيحي (حزب القوات، والتيار الوطني الحر) اللذين يتحكمان بالفيتو في انتخاب الرئيس". 

ويرى أن "الوساطة القطرية تريد الاقتداء بالمحاولة التي اضطلعت بها الدوحة هذا الشهر بين أميركا وإيران في صفقة إطلاق 5 أميركيين محتجزين لسنوات في طهران. 

مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار لإيران مجمدة في مصارف كوريا الجنوبية". 

ويخلص الخطيب إلى أن "أوان انتخاب رئيس جديد للجمهورية لم يحن بعد، والتسوية الإقليمية من حول لبنان مؤجلة، فيما المعضلة لا تزال نفسها: (سليمان) فرنجية المعضلة والحل معا". 

وتشير التقارير الصحفية إلى أن الموفد القطري أبو فهد آل ثاني يحضر الأرضية الملائمة لزيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد الخليفي مطلع الشهر المقبل، والتي يمكن أن تضع النهاية للانسداد السياسي، وتخرج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة.