اليد القذرة والقفاز النظيف.. كيف يرسم السيسي معالم الانتخابات الرئاسية؟
متبعا سياسة "اليد القذرة والقفاز النظيف"، يتظاهر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بأنه غير طامع في الكرسي، لكنه في الحقيقة يطمح للبقاء بالسلطة لأطول فترة ممكنة.
ومما صاغه الفيلسوف الإيطالي "نيكولو مكيافيلي" في كتاب "الأمير" الذي جرى تأليفه عام 1513، أن على الحاكم أن يتحلى بسياسة "اليد القذرة والقفاز النظيف"، بمعنى أن يتظاهر بالنزاهة والزهد والرحمة، وأن يبطن عكس هذه الصفات تماما، تحت مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".
واستخدم هذا المبدأ الكثير من الحكام الذين يظهرون بمظهر ويبطنون جوهرا مختلفا، مثلما يفعل السيسي تماما، ليبدو وكأن الشعب يناشده للبقاء في الحكم.
وقد عبر السيسي أكثر من مرة عن هذا الأمر، مستخدما فكرة أنه لم يكن ينتوي أن يكون رئيسا، لولا طلب الجماهير.
مناشدات زائفة
وبدأ طابور المناشدين لترشيح السيسي يتزايد مع الدخول في استعدادات الانتخابات الرئاسية، والتي ستجرى في ديسمبر/كانون الأول 2023، كما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر 25 سبتمبر.
وقال رئيس الهيئة وليد حمزة في مؤتمر صحفي، إن الانتخابات الرئاسية ستجرى على مدى 3 أيام من 10 إلى 12 ديسمبر، أي قبل قرابة 4 أشهر من انتهاء الولاية الحالية للسيسي مطلع أبريل.
وضمن المناشدات الزائفة، في 6 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن النائب عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ورئيس النقابة العامة للعاملين بالمالية والضرائب والجمارك، أن أعضاء المؤسسة الأخيرة على مستوى الجمهورية، يناشدون السيسي الترشح فى انتخابات الرئاسة لولاية جديدة.
ففي 19 سبتمبر ناشد أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية باسم أكثر من 5 ملايين تاجر وصانع ومستثمر، السيسي بالترشح لفترة رئاسية قادمة.
وهو ما انطبق على اتحاد الصناعات المصرية في 22 سبتمبر، عندما ناشد السيسي، الترشح لفترة رئاسية جديدة.
وفي 23 سبتمبر قال رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الغذائية النائب خالد عيش، إن مجلس الإدارة عقد اجتماعا واتخذ قرارا بالإجماع يتعلق بمناشدة السيسي، الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
تلك الحالة تشبه تماما بدايات الجنرال عندما أراد الانتقال من المؤسسة العسكرية إلى الحكم، وهدف إلى أن تكون عملية إخراج المشهد وكأن الجيش هو من دفعه وكلفه بالأمر.
وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2014، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بيانا "يناشد" فيه وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
وجاء في نص البيان "لم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم فى ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية وأنها تعده تكليفا والتزاما".
وكثيرا ما يواجه السيسي دعوات الرحيل والغضب بأنه مستعد تماما للتخلي عن السلطة وتركها.
وفي 13 يناير 2022 قال خلال منتدى شباب العالم: "أنا مستعد كل سنة أعمل انتخابات في مصر، ولكن بشرط واحد ثمن تكاليف الانتخابات تتحملوها أنتم". وأتبع: "الناس لو قالت لا في الانتخابات، هسيبهم وأمشي".
كما سبق وأن أعلن السيسي عن غضبه في مؤتمر الشباب بجامعة القاهرة في 28 يوليو/ تموز 2018، عندما قال "احنا دخلنا في أمة ذات عوز، عارفين يعني إيه أمة العوز؟ أمة الفقر، وأما آجي أخرج بيكم منها يقول لك هاشتاغ ارحل يا سيسي".
وتابع "أزعل ولا مزعلش؟ في (الحالة) دي أزعل"، في إشارة أن الوسم الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك، ترك أثرا في نفسه.
السيسي ومنافسيه
على أرض الواقع وبعيدا عن حديث الخطب الرنانة على الملأ، لم يكتف السيسي بالصعود إلى المنصب فقط، بل حصن نفسه تماما من كل محاولة ممكنة قد تنغص الأمر عليه.
ففي 6 يوليو/ تموز 2020، أقر البرلمان المصري، تعديلات تشريعية تقضي "بعدم السماح لضباط الجيش العاملين أو المتقاعدين بالترشح لرئاسة الجمهورية، أو عضوية البرلمان إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
ذلك التعديل التشريعي أغلق الباب أمام ضباط الجيش وتحديدا المتقاعدين، لمنافسة السيسي في الانتخابات، بعد أن كانت القوانين تسمح لأي عسكري ترك الخدمة أن يخوض أي انتخابات عامة.
وكذلك حصن السيسي نفسه ضد محاولات الجنرالات وضباط الجيش منافسته في الانتخابات، كما حدث قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2018.
وجرى ذلك عندما أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق سامي عنان نيته الترشح للرئاسة قبل أن يجري إلقاء القبض عليه والتنكيل به، ثم الإفراج عنه نهاية 2019 بعدما أن أمضى نحو عامين في الحبس.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017، قضت المحكمة العسكرية بحبس ضابط الجيش المصري، أحمد قنصوه، 6 سنوات لإعلانه عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتزامه خوض انتخابات الرئاسة ضد السيسي.
لكن القصة المعبرة عن قطع السيسي كل سبيل أمام منافسيه المحتملين للرئاسة، تكمن فيما حدث مع الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق، والمرشح الخاسر لانتخابات الرئاسة عام 2012 أمام الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
ورغم أن الفريق شفيق كان من رموز الثورة المضادة، ومن قادة الحملة التي مهدت للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، عندما غادر البلاد ليستقر في الإمارات، لكنه بعد ذلك أعلن اعتزامه منافسة السيسي في انتخابات الرئاسة 2018، قبل أن يعاد إلى مصر قسرا في ظروف غامضة، ويلزم الصمت تماما.
أزمة شرعية
وعلق الباحث المصري بجامعة "أدنبرة" الأسكتلندية، طارق محمد، على صياغة حملات السيسي الانتخابية في صورة "مناشدات" ورجاء من الجماهير والشعب أن يكون الرئيس ويكمل مسيرته، وقد وصفها بـ "مسيرة الآلام" للشعب المصري.
وقال في حديثه لـ"الاستقلال": "إن منطلقات السيسي في هذه الصياغة نابعة من أزمة شرعية بدأت بانقلابه العسكري على الرئيس المنتخب المدني محمد مرسي (3 يوليو 2013) واستمرت معه".
وبين أن السيسي "يريد أن يصدر أن ما فعله كان استجابة لإرادة المواطنين وأن وجوده في حد ذاته نتيجة تلك الرغبة".
وعقب: "أما السيسي نفسه فلا يقصي منافسيه فحسب وينكل بهم إذا ما فكروا في التصدر لهذا الأمر بعيدا عن رغباته وخططه".
"بل يقطع عليهم الطريق دستوريا وأمنيا وبالبلطجة إذا لزم الأمر كما حدث مع المستشار هشام جنينة (رئيس جهاز المحاسبات الأسبق) المقرب من منافسه الفريق سامي عنان".
ولم يستبعد محمد البعد النفسي من خطابات السيسي التي يترفع فيها عن أن وجوده في المنصب لم يكن وفق رغبته، لعلمه الشديد أنه شخص غير مرغوب فيه، ولو عقدت انتخابات رئاسية حقيقية في مصر فسيخسرها لا محالة.
وأوضح أن السيسي رجل مخابرات في المقام الأول ويدرك طبيعة الناس، ولديه أجهزة استطلاع لقياس رغباتهم وتوجهاتهم، لذلك فهو لا يترك شاردة ولا واردة خارج تلك الحسابات.
واختتم: "السيسي من أسوأ أنواع الحكام المستبدين، لأن فهمه للحكم والسيطرة مركب، فهو لا يعتمد على القوة الأمنية فحسب، بل على فلسفة سلوكياته".
وهو أشبه ما يكون بمعمر القذافي (رئيس ليبيا السابق) وعيدي أمين (ديكتاتور أوغندا 1971)، ويرى في نفسه مسحة قدسية وطبيعة مفكر كما قال من قبل عن نفسه (طبيب الفلاسفة)، وفق محمد.
وختم بالقول: "لذلك لا نستغرب من حملات (المناشدة) التي ستذكر في التاريخ بسخرية شديدة، عندما تقرأها الأجيال القادمة".