زيارات قائد فيلق القدس الإيراني المتكررة لسوريا.. ما علاقتها بروسيا وأميركا؟

الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، يكثف قائد مليشيا فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني (66 عاما) زياراته إلى سوريا لتفقد المليشيات متعددة الجنسيات التي يشرف عليها هناك.

وتكاد تكون زيارات قاآني دورية بمعدل زيارة كل ثلاثة أشهر وأحيانا كل شهر، حيث يظهر عند محور جبهات قتالية تتمركز فيها المليشيات الإيرانية في أكثر من محافظة سورية.

قاآني في سوريا

وذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء أن قاآني بحث خلال زيارته إلى دمشق في 22 سبتمبر/أيلول 2023 مع مسؤولين كبار في نظام بشار الأسد سبل "التصدي للتحديات العسكرية والأمنية التي تواجه سوريا".

كما أوردت "تسنيم" أن قاآني أشرف على مناورة عسكرية إيرانية سورية مشتركة، مؤكدا أن إيران "ستقف إلى جانب الشعب السوري وقيادته في مواجهة التحديات".

وبينت الوكالة أن قاآني تدارس المناطق والمحاور الحساسة السورية في إطار المواجهة المشتركة مع التحديات والانفلات العسكري والأمني في سوريا​.

ووصفت الوكالة الزيارة بـ"الحساسة والمهمة" إلى سوريا، حيث تفقد قاآني عددا من مختلف مناطق العمليات في هذا البلد.

وخلال الزيارة، قال قاآني إن "أميركا تعد المصدر الرئيس للفساد والفوضى والإرهاب والنزاع في سوريا".

ولم تقدم التقارير أي تفاصيل حول طبيعة التدريبات أو مكانها، لكن الصور التي جرى نشرها من رحلته أظهرت قائد فيلق القدس بين مجموعة صغيرة من الرجال العسكريين.

وكانت زيارة قاآني قبل الأخيرة إلى سوريا في 5 أغسطس/ آب 2023، وآنذاك نقلت قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني عن قائد فيلق القدس قوله: "إن أعداء إيران وسوريا يعرفون جيدا أن المبادرة في المنطقة بيد محور المقاومة".

وغالبا لا تذكر وسائل الإعلام الإيرانية أي المحافظات السورية والمواقع العسكرية التي يقصدها قاآني، بل تكتفي بالقول إنها زيارة للاطلاع على الأوضاع الميدانية.

لكن حينما وقع زلزال في سوريا بتاريخ 6 فبراير/شباط 2023 جال قاآني بشكل علني في مدينتي حلب واللاذقية اللتين تأثرتا بالكارثة من ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.

والتقى حينها قاآني محافظ اللاذقية، في خطوات استبقت زيارة رأس النظام السوري إلى المناطق المنكوبة بخمسة أيام آنذاك.

وشكل اصطفاف إيران إلى جانب الأسد، لقمع الثورة عام 2011، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات.

وقاآني من مواليد 1957 في مدينة مشهد بإيران، وكان قبل مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عام 2020 الرجل الثاني في قيادة الحرس الثوري، والمشرف على متابعة تسليحه.

وشارك قاآني بالحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين وتولى قيادة فرق أثناء الحرب، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لاستخبارات الحرس الثوري، ثم نائبا لقائد مليشيا فيلق القدس.

إثبات الجاهزية

ونظرا للقلق الإيراني الدائم على وجودها في سوريا، تأتي زيارات قاآني استكمالا لمحاولات ترسيخ النفوذ طويل الأمد لإيران في سوريا والتي عمل عليها سلفه سليماني الذي كان أيضا دائم التردد على سوريا قبيل اغتياله قرب مطار بغداد بقصف أميركي.

ومنذ أن عين المرشد الإيراني، علي خامنئي، قاآني قائدا لـ"فيلق القدس"، في يناير/ كانون الثاني 2020، زار في العام المذكور سوريا 3 مرات، في مؤشر على أهمية حضوره هناك لتفقد المليشيات الإيرانية المنتشرة على طول الجغرافيا السورية التي تجمعها في الجنوب حدود مع إسرائيل.

وهنا يؤكد المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، لـ "الاستقلال" أنه "مع وجود 120 ألفا من المليشيات الإيرانية على الأراضي السورية فإن زيارات قائد فيلق القدس قاآني المتكررة هي لتفقد هذا الجيش وجاهزيته الذي يقوده بشكل مباشر والمنتشر في مناطق بالداخل السوري وعلى الحدود السورية مع العراق والأردن ولبنان".

وأضاف أيوب: "أن الزيارة على الرغم من عدم وجود صدامات عسكرية مع أطراف أخرى حاليا، إلا أنها طبيعية وتحمل طابع التفقد لتلك المليشيات أو لإجراء مناورات بين الحرس الثوري وقوات الأسد".

وألمح أيوب: "إلى أن هذه المليشيات الإيرانية في سوريا تتغطى تحت ستار المقاومة والممانعة لتمرير أجنداتها".

وهنا بات الوجود الإيراني في سوريا أكثر تنسيقا مع روسيا الحليفة المشتركة لطهران ونظام الأسد والتي لها ثقل عسكري إستراتيجي في هذا البلد.

ورأى مسؤول عسكري أميركي كبير دلائل على أن القادة العسكريين الروس في سوريا ينسقون بهدوء مع الحرس الثوري الإيراني بشأن خطط طويلة المدى للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد.

وأوضح المسؤول الأميركي، في حديث لموقع "المونيتور" في 15 يوليو/ تموز 2023، أن هناك ما سماه "التقاء في المصالح بين تلك المجموعات الثلاث - الإيرانيون والروس والسوريون".

وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "أرى أدلة على وجود تخطيط على المستوى التشغيلي بين قيادة فيلق القدس متوسطة المستوى العاملة في سوريا والقوات الروسية العاملة في سوريا".

وكانت صحيفة واشنطن بوست ذكرت في يونيو/حزيران 2023 أن مسؤولين عسكريين ومخابراتيين رفيعي المستوى من روسيا وإيران اجتمعوا في نوفمبر 2022 واتفقوا على تشكيل مركز تنسيق مشترك لموائمة جهودهم للضغط على القوات الأميركية صغيرة الوجود في سوريا.

واستشهد تقرير الصحيفة حينها بوثيقة مسربة من البنتاغون تحتوي على معلومات استخباراتية سرية يعود تاريخها إلى أواخر يناير/كانون الثاني 2023.

رسائل إيرانية

على الجانب الآخر فإنه عقب تقارب النظام السوري مع عدد من الدول العربية بعد قطيعة لعقد من الزمن، تفتحت العين على الوجود الإيراني بسوريا وحاولت بعض الدول دفع الأسد للابتعاد عن طهران مقابل مساعدته في إعادة إدماجه أكثر بمحيطه العربي.

إلا أن بشار الأسد في كلامه عن المبادرات العربية المطروحة تجاه نظامه، ومدى ارتباطها بعلاقته مع إيران، رأى أن شرط ابتعاد نظامه عن إيران لم يعد مطروحا منذ سنوات، وذلك حسبما جاء في حديثه مع قناة "روسيا اليوم" في مارس/آذار 2023.

وزعم الأسد حينها أن هناك تفهما من جانب العرب لعلاقة نظامه مع إيران التي تمتد إلى أربعة عقود.

ولهذا يرى متابعون أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.

ولهذا فقد حرص الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على زيارة دمشق في 3 مايو/أيار 2023، هي الأولى لرئيس إيراني لسوريا منذ عام 2010، والتقى مع الأسد.

وكان توقيت الزيارة قبل أيام من إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية في 7 مايو/أيار 2023 والتي أفضت إلى حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية بمدينة جدة السعودية في 19 من الشهر المذكور.

ووفقا لوثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كشفت أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، تعدها ديونا واجبة السداد، بينها 18 مليار دولار سيتم استردادها على شكل اتفاقيات واستثمارات اقتصادية بلا ضمانات للتنفيذ.

ونشرت الوثيقة الجديدة مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني، وتداولتها وسائل الإعلام في 10 أغسطس/آب 2023.

ولهذا فإن دخول قاآني المتكرر إلى سوريا كحاكم عسكري إيراني، يعطي دلالة واضحة على مدى نفوذ إيران العسكري في هذا البلد، ومدى أهمية هذا "الجيش المليشياوي" الذي ما يزال ينمو في تحقيق توازنات إستراتيجية لطهران في المنطقة.

ولا سيما مع وجود جملة من الملفات الخلافية بين طهران وبعض الدول العربية وكذلك إسرائيل التي ينتشر عند حدودها مع سوريا مليشيات إيرانية بقيادة الحرس الثوري.

مخاوف أمنية

وفي السياق، رأى فراس فحام الباحث في مركز أبعاد للدراسات، أن "المناورات بين المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري نابعة من مخاوف أمنية خاصة من خشية طهران من قطع الولايات المتحدة الطريق البري بين سوريا والعراق القادم من طهران والواصل إلى لبنان".

وأضاف فحام في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 22 سبتمبر 2023 أن "إيران تقوم بتحركات استباقا لأي محاولات محتملة للتحرك الأميركي من قاعدة التنف بسوريا أو من الأردن".

ومضى يقول: "ولهذا فإن المناورات ليست ذات رسائل سياسية فقط بل هناك عمل ميداني من طهران لتجنيد المزيد من القوات الموالية لإيران التي تحاول اللعب على السخط الشعبي من قبل العشائر العربية في شرق الفرات ضد قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة".

وشهدت الفترة الماضية الجغرافية السورية تحشيدات أميركية ومناورات روسية مع النظام السوري، مع إعادة انتشار وتموضع جديد للمليشيات الإيرانية في المنطقة.

وقد ذكرت تقارير صحفية أن الولايات المتحدة تعتزم إغلاق "الكاريدور" الإيراني ما بين قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن ومعبر البوكمال الحدودي مع العراق، بهدف قطع حركة إيران عبر الأخير ذهابا وإيابا سواء لنقل الأسلحة أو مرور المليشيات.

إذ تكثفت في الفترة الأخيرة التكهنات التي ترى أن الولايات المتحدة تحضر لعملية عسكرية على الحدود مع سوريا والعراق، وتستهدف بالتحديد المليشيات الموالية لإيران.

ولهذا فقد قامت قيادة الحرس الثوري الإيراني بتحركات ميدانية في خضم ذلك، ومنها قيام قاآني، بزيارة بغداد، بحث خلالها مع قادة المليشيات والأحزاب الشيعية، ملف مصير الوجود الأميركي في العراق، حسبما كشفت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 15 أغسطس.