مفيد للطرفين.. هل تتجاوز روسيا وتركيا الخلاف بشأن إدارة مركز الغاز الجديد؟

12

طباعة

مشاركة

تدور خلافات بين روسيا وتركيا حول إدارة مركز للغاز يعتزم الطرفان إنشاءه، لكنهما يحاولان تجاوزها بسبب أهمية المشروع للطرفين.

وطرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة إنشاء مركز للغاز في تركيا خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفي 4 سبتمبر/أيلول 2023، في اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، أعلن بوتين أن شركة "غازبروم" الروسية العملاقة للغاز زودت شركة خطوط أنابيب البترول التركية "بوتاش" بخريطة طريق للبناء القادم. 

كيف يستفيدان؟

توضح صحيفة "إزفستيا" الروسية أن مسألة إدارة المشروع نشب خلاف حولها، وذلك بسبب أهميتها للطرفين.

وأكدت أن موسكو لا تريد أن تضع نفسها تحت رهن احتمالية استخدام أنقرة هذا النفوذ ضدها، إذا ما توترت العلاقات الثنائية في وقت لاحق.

وترى الصحيفة أن "مسألة الإدارة صعبة، ولكن من المرجح أن تكون قابلة للحل بسبب المكاسب العائدة من المشروع".

وذكرت وكالة "رويترز" البريطانية أن تنفيذ مشروع مركز الغاز واجه تأخيرات بسبب مشاكل في إدارته.

وتقول الصحيفة الروسية إن مسألة الإدارة مهمة للطرفين بطبيعة الحال، حيث سيصبح هذا المحور هو المكان الذي سيُشكل فيه سعر الغاز وتُحدد وجهته. 

وكما ذُكر سابقا، بالتأكيد لن ترغب موسكو في تسليم السيطرة بشكل كامل إلى الجانب التركي. 

ورغم أن مسألة الإدارة صعبة، فإن الصحيفة تتوقع أن "تكون قابلة للحل بسبب المكاسب والمصالح العائدة على الطرفين". 

وفي هذا الصدد، توضح "إزفستيا" أن موسكو ترى في هذا المركز فرصة لتنويع طرق تصدير الطاقة.

وازدادت أهمية المشروع المذكور خاصة بعد تفجير خطوط أنابيب "نورد ستريم"، المصممة لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا، في 26 سبتمبر 2022.

كما أنه في سياق الصراع الدائر في أوكرانيا، يمكن أن يصبح مركز الغاز في تركيا بديلا لإمداد خط الأنابيب الروسي بالغاز إلى جنوب وشرق أوروبا، بما في ذلك المجر واليونان والبوسنة والهرسك ورومانيا وصربيا.

وهنا تلفت الصحيفة إلى مشكلة أخرى، وهي أن البنية التحتية في الجزء الجنوبي من أوروبا ليست متطورة كما هي الحال في الجزء الشمالي. 

ولذلك، سيكون المشترون المحتملون للغاز عبر المركز هم المجر والنمسا، بكميات تتراوح بين 5 و7 مليارات متر مكعب، أي بحد أقصى 10 مليار متر مكعب في السنة.

الغاز الروسي

من جانب آخر، تعهدت العديد من الدول الأوروبية بوقف أو الحد من واردات النفط والغاز من روسيا. 

وفي مارس/آذار 2023، قال الاتحاد الأوروبي إنه "سيخفض واردات الغاز من روسيا بمقدار الثلثين في غضون عام". 

وتشير الصحيفة إلى أن المملكة المتحدة، التي استوردت كميات صغيرة فقط، توقفت بالفعل عن الاستيراد. 

ومن ناحية أخرى، تحاول ألمانيا، المستهلك الرئيسي للغاز الروسي، إيجاد بدائل في شكل إمدادات الغاز الطبيعي المسال، على الرغم من أن ذلك مكلف للغاية.

ومع أخذ كل هذا في الاعتبار، تسلط الصحيفة الضوء على حقيقة أن "روسيا تعيد توجيه نفسها نحو السوق المتنامية في الدول الشرقية، وخاصة الصين والهند". 

وبحسب التوقعات، سيحتاج الاقتصاد الصيني بحلول عام 2030 إلى 83 مليار متر مكعب إضافية من الغاز. 

وتذهب الصحيفة إلى أن روسيا يمكنها أيضا ادعاء أنها تضمن هذه الإمدادات من خلال خطوط أنابيب الغاز التابعة لسيطرة سيبيريا.

وتتوقع أيضا أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي المسال في روسيا، والذي قد يُصدر لاحقا إلى الأسواق الآسيوية. 

وفي يونيو/حزيران 2023، أعلنت إيران بدء مشروع مركز الغاز في منطقة عسلوية الصناعية في محافظة بوشهر على شواطئ الخليج العربي، موضحة إشراك روسيا وقطر وتركمانستان في هذا العمل.

وتذكر "إزفستيا" أنه في وقت سابق، قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، إن "عقدا بقيمة أكثر من 4 مليارات دولار دخل حيز التنفيذ بالفعل، كما تُوصّل إلى تفاهم متبادل مع مجموعة من الشركات الروسية الكبرى بشأن عقود بقيمة 40 مليار دولار".

وفي المقابل، تبرز الصحيفة العديد من الفوائد العائدة على الجانب التركي من هذا المشروع، حيث سيضمن تطوير البنية التحتية وخلق فرص عمل جديدة.

بالإضافة إلى أنه يعمل على زيادة التعاون في قطاع الطاقة، ليس فقط مع روسيا، ولكن أيضا مع أذربيجان وإيران. وبرأي الصحيفة، يمكن لأنقرة استخدام المشروع كأداة للضغط على الدول الغربية. 

منافع أوروبا

من ناحية أخرى، تقول الصحيفة إن "المستهلكين الأوروبيين يتمتعون بفوائد محتملة من إنشاء مركز الغاز التركي". إذ يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا على المجر وصربيا بشأن استيراد الغاز الروسي.

لكن تنفيذ مشروع المركز الجديد سوف "ينزع الطابع الشخصي" عن الغاز الروسي، مما سيسمح للمستهلكين الأوروبيين بتجاوز مسألة العقوبات بشكل رسمي. 

وتنوه "إزفستيا" أن "اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي تعاني من ركود بسبب ارتفاع أسعار الطاقة"، موضحة أن "أوروبا تدرك أنه لن يكون هناك بديل للغاز الروسي في المستقبل القريب". 

وتقول إنه "لن يكون لدى الدول المنتجة للغاز الطبيعي المسال القدرة الكافية لتغطية العجز في السوق الأوروبية".

كما أن "التكلفة المرتفعة الكبيرة للغاز الطبيعي المسال والحاجة إلى بناء البنية التحتية ستوجه ضربة قوية لهذه الصناعة".

وتعزو الصحيفة ذلك إلى السلوك غير العقلاني للغرب، والذي أدى إلى حقيقة مفادها أن "الاقتصاد العالمي، المبني على الترابط بين جميع المشاركين فيه، سيمر بفترة طويلة من الاضطراب". 

وهنا تشدد على حقيقة أنه "رغم أن حصة روسيا من الناتج المحلي الإجمالي كانت 3 بالمئة من الإجمالي العالمي، فهي لا تزال جزءا لا يتجزأ من السوق العالمية". 

وبحسب "إزفستيا" الروسية، أدت العقوبات ضد روسيا إلى عواقب سلبية على المبادرين بهذا المشروع برمته. 

وتعتقد أن المخرج من هذا الوضع هو "نظام عالمي جديد بقواعد عادلة جديدة"، زاعمة أن "العالم يمر بمرحلة بدأت فيها أغلبية الدول في تشكيل هذا النظام".

وبالنظر إلى كل ما سبق، تؤكد الصحيفة أنه "من المفترض إنشاء مركز للغاز في تركيا، حيث إن هناك الكثير من الفوائد الواضحة لجميع الأطراف".

وتلفت الأنظار إلى أن موسكو وأنقرة أظهرتا مرارا وتكرارا قدرتهما على التعامل بـ "براغماتية صحيحة"، كما حدث في استقرار الوضع في سوريا على سبيل المثال.

لذا، تعتقد الصحيفة أن روسيا وتركيا "ستجدان حلا وسطا وتستمران في التعاون متبادل المنفعة".