كما فعل مع المعارضة الإيرانية.. هل يتجه العراق لإنهاء وجود "العمال الكردستاني"؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع إعلان بغداد، إبعاد تواجد المعارضة الكردية الإيرانية "نهائيا" من حدود إقليم كردستان بعد نزع سلاحها وتفكيك معسكراتها، برز تساؤل ملح عن مدى تطبيق التجربة ذاتها مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، الذي لطالما طلبت تركيا من العراق إنهاء تواجده على أراضيها.

في 19 سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت بغداد إخلاء مقرات مجاميع المعارضة الإيرانية، الموجودة داخل أراضي العراق الحدودية الشمالية مع إيران، وذلك ضمن اتفاق أمني وقعته بغداد وطهران في مارس من العام ذاته، حسب بيان للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين.

ووفق البيان، نُقلت هذه المجاميع إلى مكان بعيد عن الحدود بعد نزع السلاح منهم تمهيدا لعدهم لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين، مؤكدة انتشار قوات الحدود الاتحادية (العراقية) في تلك المناطق والوجود بشكل دائم ورفع العلم العراقي فيها.

ومنذ أكثر من أربعة عقود، يحتضن إقليم كردستان العراق أحزابا كردية إيرانية معارضة، منها: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية، والحياة الحرة (البيجاك)، ومنظمة النضال الكردستاني، وحزب سربستي، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".

ورقة للضغط

وعن مدى تطبيق هذه التجربة مع حزب العمال الكردستاني الذي يتواجد في شمال العراق والمصنف إرهابيا من قبل تركيا ودول أوروبية، رأى السياسي والوزير العراقي السابق وائل عبد اللطيف، أن هذا "الحزب ترسخ في شمال العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، واتخذ مقار له في السهول والجبال، وتمرن على هذه المناطق، ولديه أهداف بعيدة".

وأوضح عبد اللطيف في حديث لـ"الاستقلال" أن هناك "غض نظر" من بعض القوى الحاكمة في كردستان العراق عن تواجد "العمال الكردستاني"، لأنهم يريدونه يدا ضد طموحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لذلك فإن إنهاء تواجد هذا الحزب حاليا يعد أمرا مستحيلا.

ورأى الوزير العراقي السابق أن "إنهاء العمال الكردستاني ممكن في حال اشترك في مواجهته الجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات مكافحة الإرهاب، أما دون ذلك فلا يمكن إبعاده عن مناطق شمال العراق بهذه السهولة".

وحول الحديث عن تغلغل "العمال الكردستاني" ضمن قوات الحشد الشعبي في منطقة سنجار العراقية، وتلقيهم  رواتب من الحكومة، قال عبد اللطيف إن "هذه القضية تتعاطى بها تقريبا أغلب دول العالم، ولا سيما الدول الضعيفة التي لا تحكم على سيادة أراضيها أو وضعها الأمني".

وتابع: "نرى الكثير من الفصائل المسلحة تتواجد في دولة ما وتبدأ تتجذر وتتطور، وهذا يرجع إلى ضعف القوة الأمنية للدولة، لذلك يفترض أن من يتكفل بمحاربة العمال الكردستاني هو الجيش العراقي وطيرانه الحربي، وليس القوات الكردية (البيشمركة)، لأنها منطقة جبلية وتضاريسها صعبة جدا، ومن الصعوبة إزالتهم منها".

وعما إذا كان "العمال الكردستاني" يستخدم ورقة ضغط سياسية عراقية أو إيرانية ضد تركيا، قال عبد اللطيف إن "اللعبة السياسية ليست نظيفة مئة بالمئة، بل فيها أدران كثيرة، فلا بد أن تستخدم السياسة في بعض الأحيان أدوات تعزز وضعها مقابل القوة المضادة لها".

وفي هذا الصدد، قال محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي لوكالة "بغداد اليوم" في 25 مارس/آذار 2019، إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي".

ورأى النجيفي أن "حزب العمال يعد بمثابة الصفقة الرابحة لطهران ولا يمكن التخلص منه بهذه السهولة"، مشيرا إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كا كا) من مدينة سنجار العراقية (تابعة لمحافظة نينوى) وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".

وأوضح أن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق تواجد تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول الأخير بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".

وأضاف محافظ نينوى السابق أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن، إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".

وأكد النجيفي أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي، وأن هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، لاستخدامهم في صراع إيران وأميركا في المنطقة".

لغة التهديد

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عماد الزوبعي إنه "من الممكن أن تُقدم بغداد على خطوة مشابهة لما فعلته مع المعارضة الإيرانية، لأن العراق غير قادر على صد أي هجوم، ولولا تجحفل قوات إيران على الحدود ما تحركت الحكومة العراقية".

وتوقع الزوبعي في حديث لـ"الاستقلال" أنه "إذا هددت تركيا فعلا باجتياح شمال العراق بالطريقة التي فعلتها إيران، وحشرت السلطات العراقية في الزاوية، فإن الأخيرة ستتحرك حينها مجبرة وليست مخيرة، لإجلاء حزب العمال الكردستاني".

وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي والخبير في الشؤون الكردية والعراقية كفاح محمود، إن "التصريحات الإيرانية بشأن عدم تمديد الاتفاق الموقع ما بين طهران وبغداد وأربيل لم تتوقف، منذ التوقيع وحتى هذا اليوم".

ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن محمود في 18 سبتمبر 2023، قوله إن "تلك التهديدات انطلقت من بعض المسؤولين رفيعي المستوى في طهران، وخاصة تصريح مسؤول الحرس الثوري (عباس نيلفروشان)، وأخيرا تصريح وزير الدفاع (محمد رضا آشتياني)".

وأشار إلى أن "حكومة أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد عملت، خلال الأسابيع القليلة الماضية، على نشر قوات حرس الحدود العراقية في معظم النقاط أو المناطق التي كانت تتواجد فيها مجموعات المعارضة الإيرانية، التي جرى إخلاؤها من المعسكرات و تجريدها من سلاحها وتجميعها في مخيمين في مناطق بعيدة من إقليم كردستان".

وأعرب الخبير في الشؤون الكردية عن اعتقاده بأن "مثل هذه التهديدات لا تعبر عن شكل العلاقة ما بين بغداد وطهران وما بين الأخيرة وأربيل، خاصة وأن لإيران نفوذا كبيرا وعلاقات جيدة جدا سواء مع الإقليم أو مع الحكومة الاتحادية ومفاصل الدولة العراقية".

وكان نائب العمليات العامة في الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفروشان، قال إن المهلة الإيرانية، للحكومة العراقية بشأن نزع سلاح فصائل المعارضة الكردية الإيرانية ستنتهي في 19 سبتمبر، مكررا تهديدات سابقة باستئناف الهجمات ضد مواقع الأحزاب المناوئة لطهران.

وصرح نيلفروشان لوكالة "فارس" الإيرانية في 10 سبتمبر، أن قواته ستعود إلى الوضعية السابقة، في حال لم يتم نزع أسلحة الأحزاب الكردية المعارضة التي تتخذ من إقليم كردستان العراق، مقرا لها، مضيفا: "علينا حماية مصالح الشعب الإيراني".

وأوضح أن "السماح للإرهابيين بالوجود في الإقليم الذي تحول إلى مصدر للعمليات ضدنا، لا يتوافق مع منطق الأخوة وحسن الجوار"، مؤكدا: "نحن ملتزمون بكل مضمون الاتفاق؛ لا كلمة أكثر ولا كلمة أقل".

وفي 17 سبتمبر، قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، إنه لا يوجد تمديد لـ"اتفاق نزع سلاح المعارضين لإيران في العراق"، وذلك قبل يومين من دخوله حيز التنفيذ.

وحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية، أضاف آشتياني: "تمديد الاتفاق ليس واردا، وسنقيم وضع تنفيذه مع العراق في الدقيقة 90، وسنتخذ القرار بناء على ذلك".

وبموجب الاتفاق الموقع مع العراق أواخر أغسطس/ آب 2022، تطالب طهران حكومة بغداد بنزع سلاح التنظيمات المعارضة والنشطة شمالي العراق حتى 19 سبتمبر 2023.

وأرسلت طهران إشارات بإمكانية التدخل عسكريا في حال عدم تطبيق الاتفاق، ونشرت وسائل إعلام إيرانية مشاهد قالت إنها لتعزيزات إيرانية على الحدود العراقية.

تصعيد تركي

وبالتزامن مع إعلان السلطات العراقية إنهاء تواجد المعارضة الكردية الإيرانية على الحدود إقليم كردستان مع إيران، شنت تركيا في 18 سبتمبر، هجوما بطائرة مسيرة على مطار "عربت" الزراعي في مدينة السليمانية، نتج عنه مقتل 3 أشخاص وإصابة 3 آخرين.

وذكر بيان من الرئاسة العراقية في 19 سبتمبر، أنّ الرئيس عبد اللطيف رشيد سيستدعي سفير تركيا لدى العراق (علي رضا كوناي) للاحتجاج على ضربة بطائرة مسيّرة استهدفت مطارا صغيرا في إقليم كردستان، ممّا أدّى إلى مقتل عدد من أفراد قوات الأمن العراقيين.

وقالت الرئاسة إنه "يوما بعد آخر، تتصاعد الهجمات العسكرية الممنهجة على الأراضي العراقية وتحديدا في إقليم كردستان".

وأضافت: "أوضحنا للجهات التركية المعنية في مراتٍ سابقة، أن العراق على استعداد للجلوس مع الجهات الأمنية المعنية لسد الثغرات التي تعتقد تركيا أنها أماكن تسلل لمن يريد المساس بأمنها، لكن دون أن نرى استجابة حقيقية لدعواتنا".

وقال المتحدث العسكري باسم الحكومة العراقية في العاصمة بغداد، اللواء يحيى رسول، في 19 سبتمبر، إن طائرة مسيّرة دخلت الأجواء العراقية عبر الحدود مع تركيا، وقصفت مطار "عربت" بمحافظة السليمانية.

وأكد رسول، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع"، أن الهجوم أدى إلى مقتل 3 من قوات مكافحة الإرهاب (جهاز أمني كردي مرتبط بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني)، كذلك أُصيب ثلاثة آخرون من القوة ذاتها، وفقا لبيان المتحدث الرسمي العراقي.

ورأى البيان أن "هذه الاعتداءات المتكررة لا تتماشى مع مبدأ علاقات حسن الجوار"، وهو أول اتهام مباشر في وقوف القوات التركية وراء العملية.

وردا على ذلك، دعت وزارة الخارجية التركية، العراق إلى تصنيف حزب العمال وأذرعه كـ"تنظيمات إرهابية"، فيما بينت أن هجوم مطار عربت جاء بسبب عناصر من جهاز مكافحة الارهاب تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني (يتزعمه بافل الطالباني) مع عناصر بي كا كا.

وقالت الوزارة خلال بيان لها في 20 سبتمبر 2023، إن "تطورات الانفجار الذي وقع في 18 سبتمبر في مطار عربت بمدينة السليمانية شمالي العراق مثيرة للاهتمام".

وأوضحت أنه تبين أن "عناصر من مجموعة مكافحة الإرهاب" التابعة لـ "الاتحاد الوطني الكردستاني كانت تجري تدريبات مع إرهابيي بي كا كا/ واي بي جي (وحدات حماية الشعب السوري) أثناء الانفجار".

وأضافت: "يعد هذا التطور خطيرا لأنه كشف بوضوح تعاون بعض العناصر الأمنية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني مع عناصر التنظيم الإرهابي"، مشيرة إلى أن هذا "الحادث الأخير أكد مجددا مدى دقة تدابيرنا حيال السليمانية، التي احتجز التنظيم الإرهابي سكانها كرهائن".

وتابعت: "نتطلع من الحكومة المركزية العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق تصنيف (بي كا كا) وأذرعه كتنظيمات إرهابية، ومكافحة الإرهاب بشكل صادق وملموس".

ورغم أن مدينة السليمانية تقع في إقليم كردستان، لكنها تدار بشكل مباشر من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، ولا تخضع لسلطة الحكومة الكردية في أربيل، التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

وتنفذ تركيا عمليات عسكرية مستمرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، آخرها عملية "المخلب – القفل" المستمرة منذ 17 أبريل/ نيسان 2022، بعد أن دفع الصراع بين تركيا و"بي كا كا" لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994 جرى تمديدها في 2007.

وبموجب الاتفاقية يُسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترا على طول الشريط الحدودي.